لم تكن النائبة العربية بالكنيست (البرلمان الصهيوني) عايدة توما سليمان، تتوقع المصادقة على مشروع قانون، يعترف بمسؤولية الاحتلال الصهيوني عن مجزرة كفر قاسم، ولكنْ، هالَها امتناع بعض نواب أحزاب الوسط واليسار، عن دعمه.
ويقترح مشروع القانون، الذي درج نواب عرب من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، على تقديمه منذ 20 عاما، أن تعترف حكومة الاحتلال الصهيوني بمسؤوليتها عن مجزرة كفر قاسم، التي نُفِّذت في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1956.
وارتكبت شرطة حرس الحدود التابعة لحكومة الاحتلال الصهيوني مجزرة كفر قاسم، وهي مدينة عربية في شمالي الأراضي المحتلة، ضد فلسطينيين عزل وراح ضحيتها 49 منهم، ومن ضمنهم 23 دون سن الـ 18.
ووقعت المجزرة في اليوم الأول، للعدوان الثلاثي “البريطاني الفرنسي الصهيوني”، على مصر في أعقاب تأميم قناة السويس.
وبحسب مؤرخين وباحثين، فإن الاحتلال الصهيوني هدفت من وراء المجزرة إلى دفع ما تبقى من عرب فلسطين، إلى الهجرة، عبر ترهيبهم على غرار ما جرى في مجزرة دير ياسين، لكنها فشلت في ذلك.
وقالت سليمان التي قدمت مشروع القانون: “منذ 20 عاما، نقدم مشروع القانون كل سنة، للمطالبة بالاعتراف بالمجزرة، وتضمينها ضمن مناهج التعليم في إسرائيل، والكشف عن كل المستندات والوثائق التي ما زالت مخفية حول هذه الجريمة النكراء”.
وأضافت: “نقدمه (مشروع القانون) كل سنة عشية الذكرى، كنوع من إحيائها، وتذكير المجتمع الصهيوني والساسة الصهاينة الذين يرفضون الاعتراف بالمسؤولية عن المجزرة، ونذكرهم بأننا لن ننسى هذا الحق، وبأننا نطالب بالاعتراف وتحمل المسؤولية عمّا جرى”.
وتشير القائمة المشتركة، التي تنتمي لها سليمان إلى أن مشروع القانون “يتضمن أربع قضايا، وذلك لأجل تحويل هذه المذبحة المروعة إلى درس حول التبعيات الكارثية التي يمكن أن تؤدي إليها العنصرية والتفوق اليهودي، والسيطرة العسكرية على المدنيين”.
وبحسب تصريح أصدرته القائمة فإن القضايا الأربعة هي:
أولًا: اعتراف تاريخي حقيقي “معنوي وسياسي واجتماعي” من قبل حكومة الاحتلال الصهيوني بمجزرة كفر قاسم، وليس الاكتفاء بتصريحات فردية من السياسيين.
ثانيًا: إدراج المجزرة في المنهاج الدراسي.
ثالثًا: تخصيص ميزانية لجمعية تعمل على تخليد ذكرى ضحايا المجزرة، وتحمّل مسؤولية إحياء ذكراها.
رابعًا: الكشف عن جميع الوثائق الأرشيفية المتعلقة بالقضية، للتعرف وبشكل نهائي، عن المسؤول الحقيقي عن هذه الجريمة، حتى لو كان يعتبر “بطلاً” في الرواية الإسرائيلية.
ولكن، بعد جلسة عاصفة ومشحونة، ردت الهيئة العامة للكنيست، الأربعاء الماضي، بالقراءة التمهيدية مشروع القانون بأغلبية 93 نائبا مقابل موافقة 12 نائبا.
وكان مؤيدو مشروع القانون، من النواب العرب.
وخلافا لتصويتهم في سنوات ماضية، فإن النواب من قوائم المركز واليسار مثل “هناك مستقبل” (وسطي) و”العمل” (وسطي) و”ميرتس” (يساري) لم يصوتوا لصالح مشروع القانون.
وتفسر سليمان، سبب تغيير تصويت هذه الأحزاب بقولها، إنها كانت تصوّت لصالح مشروع القانون، حينما كانت في المعارضة، لكنها الآن جزءا من الحكومة الحالية.
وأضافت سليمان: “ما كان يجري في الماضي، هو أن الأحزاب التي كانت تسمي نفسها مركزا ويسارا صهيونيا، كانت في المعارضة وبالتالي كانت تصوّت بأجزاء منها مع مشروع القانون”.
وتابعت: “فمثلا كان بعض أعضاء من حزب هناك مستقبل، يصوتون مع القانون، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب العمل، وكل نواب حزب ميرتس، ولكن هذه المرة التقى الائتلاف الحكومي مع المعارضة اليمينية في يمينيتهم ومواقفهم الصهيونية، وصوّتوا جميعا ضد مشروع القانون”.
وفقط، دعمت القائمة العربية الموحدة وهي جزء من الائتلاف الحكومي، مشروع القانون.
وتفاجأت سليمان من موقف وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي، عيساوي فريج، وهو من حزب “ميرتس”، إزاء مشروع القانون، خلال مداولات الكنيست، الأربعاء.
وقالت: “في الماضي حتى النائب عيساوي فريج، ابن مدينة كفر قاسم التي شهدت المجزرة، كان يقدم مشروع القانون ويدافع دفاعا مستميتا عنه، ولكن ما الذي اختلف الآن؟ إنه هو من يجلس في الحكومة، وصعب عليه أن يفسر كيف يجلس في حكومة تُسقط هذا القانون الذي يخصه ويخص أبناء بلده، وعائلته بشكل شخصي، ومجتمعنا الفلسطيني بأكمله”.
وكان فريج، الذي عارض مشروع القانون، قد خاطب سليمان من على منصة الكنيست، قائلا: “تريدون استخدام آلامنا لأغراض سياسية داخلية. أنا أحذركم، اتركوا المجزرة وشأنها. أنتم تستغلون ألمنا من أجل بضعة أصوات”.
وتنقسم الحكومة، التي تحظى بتأييد نصف أعضاء الكنيست الـ 120، الى أحزاب يمينية مثل “يمينا” و”أمل جديد” و”أزرق أبيض”، ووسطية مثل “هناك مستقبل” و”العمل”، ويسارية مثل “ميرتس”، إضافة الى القائمة العربية الموحدة.
ولكنّ الأحزاب اليمينية والوسطية، وحتى “ميرتس”، رفضت دعم مشروع القانون.
وترى سليمان أن هذه الحكومة “تعكس تغييرا، ولكن نحو الأسوأ”.
وقالت: “برأيي أن التغيير هو للأسوأ، لأنه عمليا تستمد هذه الحكومة شرعيتها من عاملين أساسيين، الأول وهو وجود أحزاب كانت تسمى نفسها يسارا في الماضي، ووجود حزب عربي في داخلها”.
وأضافت: “ولكن بالمقابل فهي (الحكومة) تُخرس هذه الأحزاب، وبالتالي فإن هذه الأحزاب مسلوبة من أي إمكانية للتأثير داخل الحكومة”.
ويعكس الموقف الصهيوني من مشروع القانون، الموقف الرسمي الرافض الاعتراف بأي مسؤولية عن نكبة عام 1948، وما تلاها من أحداث نالت من الفلسطينيين وممتلكاتهم.
ولكن سليمان تعهدت باستمرار طرح مشروع القانون، طالما بقيت نائبة في الكنيست.
وقالت: “إذا ما بقيتُ بالكنيست، فإنني سأطرحه مجددا العام المقبل، وإذا لم أكن، فإن من يحل مكاني سيطرحه”.
وأضافت النائبة العربية: “كتقليد، نهدف من وراء طرح مشروع القانون إلى التذكير بإصرارنا على اعتراف حكومة الاحتلال بمسؤوليتها عن المجزرة، لقد قدمه (النواب السابقون) توفيق زيّاد ثم هاشم محاميد ثم محمد بركة، وسلموني الراية، وأنا صُنت الأمانة وأعد بأن أصونها طالما بقيت في الكنيست“.