انتخب مساء يوم السبت 30 أكتوبر القيادي البارز عبد الإله بن كيران أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية خلفاً للدكتور سعد الدين العثماني، وذلك خلال انعقاد المؤتمر الاستثنائي، وهو ما اعتبر انتصاراً للمنطق الديمقراطي والمنطق السياسي.
وبدأ المؤتمر منذ الصباح ولم تعلن النتائج النهائية إلا في التاسعة ليلاً بتوقيت المغرب، إذ دام التداول في الأسماء المرشحة أكثر من 6 ساعات، واقترب عدد المتدخلين لترجيح اسم على آخر من الثمانين عضواً.
وحصل ابن كيران في المرحلة النهائية على نسبة عالية جداً من أصوات المؤتمرين (1112 من أصل 1252 صوتاً) مقابل 231 لعبد العزيز العماري البرلماني وعمدة مدينة الدار البيضاء السابق، و15 لعبد الله بوانو والبرلماني الحالي وعمدة مكناس السابق، وهم الأسماء القيادية الثلاثة المفروزة من التصويت الأولي فيما اعتذر كل من جامع المعتصم (عمدة سلا السابق) وإدريس الأزمي الإدريسي (عمدة فاس السابق) ومحمد الحمدواي (برلماني سابق).
ويأتي انعقاد هذا المؤتمر وانتخاب الأمين العام الذي سبق أن تحمل نفس المسؤولية وحقق نتائج مبهرة في انتخابات 2011 و2015 و2016م، جواباً تنظيمياً للأزمة التي يمر بها الحزب الإسلامي بعد الهزيمة القاسية في انتخابات 8 سبتمبر، كما يرى ذلك مراقبون، وأيضاً ترتيباً لبيته الداخلي يسبق أي نقاش سياسي حول مستقبله.
وأبرز الأكاديمي المغربي إسماعيل حمودي في تصريح لـ “المجتمع” أن هذه النتيجة متوقعة، ومعبرة عن الطلب المتزايد للقواعد لعودة عبد الإله ابن كيران، وأيضاً عن الغضب من القيادة المنتهية ولايتها.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن دلالة هذه العودة تكمن في قوة ابن كيران داخل الحزب، بالرغم من إبعاده القسري عن قيادة الحكومة السابقة، ما أفضى إلى إبعاده عن قيادة الحزب كذلك خلال الفترة الماضية، إلا أن النتائج التي حصل عليها تؤكد أنه يحظى بشعبية واسعة داخل الحزب.
وأوضح المحلل السياسي أن “الطلب على ابن كيران” والذي ظهر من خلال النسبة العالية للتصويت، نسبة أملتها عوامل أساسية تمثلت في فشل القيادة السابقة في الحفاظ على قوة الحزب ومكانته في الخريطة السياسية، والنتيجة القاسية التي حصل عليها في انتخابات 8 سبتمبر، إضافة إلى تهميش الحزب من لدن السلطة، ومحاولة إقصائه من الحقل السياسي.
وتابع ابن كيران أشغال المؤتمر من بيته منذ بدايته، حيث كان قد اشترط في “مباشر” بثه قبل يومين على مواقع التواصل الاجتماعي في إمكانية تحمله للمسؤولية مرة أخرى، إلغاء مقترح المجلس الوطني للحزب تأجيل المؤتمر العادي سنة واحدة فقط، وهو ما تم فعلاً خلال التصويت على هذه النقطة المدرجة في المؤتمر الاستثنائي بنسبة قاربت 75 % من المؤتمرين، وبالتالي أصبح الأمر بيد الأمانة العامة الجديدة لتحديد موعد المؤتمر على ألا يتعدى أربع سنوات.
وأشار ابن كيران في “مباشره” الذي حظي بمتابعة كبيرة على عادته، إلى أنه من غير المقبول أن تحدد “أمانة عامة مستقيلة”، توجهات عمل أمانة عامة يتم انتخابها.
ويحمل مؤيدو ابن كيران والمتعاطفون معه، آمالا كبيرة في إصلاح أخطاء الأمانة العامة المنتهية ولايتها، واستعادة توهج الحزب ، لكن ابن كيران ذاته يرى أن لا يمكن أن يعود الحزب بمجرد انتخابه أميناً عاماً إلى المرتبة الأولى خلال الانتخابات المقبلة، ولكن يحتاج الأمر إلى البحث عن مقاربة جديدة تواكب التغيرات الوطنية والدولية وتجعل الحزب مستمراً في خدمة الوطن والمجتمع وإن بقي حزباً صغيراً أو متوسطاً إذ يكفيه فخراً أنه الحزب الوحيد الذي ترأس الحكومة لفترتين متتاليتين حسب تعبيره، وأيضاً في إطار الدفاع والحفاظ على المرجعية، وعن المؤسسة الملكية، وعن المقومات الوطنية ومنها اللغة العربية.
ويواجه ابن كيران، وفق الأكاديمي حمودي، تحديات متنوعة، أولها إعادة بناء لحمة الحزب، وهياكله التنظيمية، ولملمة جراح الفترة الماضية، وثانياً إعادة الحزب إلى مركز الحياة السياسية المغربية بعدما رمته انتخابات 8 سبتمبر إلى الهامش، وثالثاً إعادة بناء علاقة متوازنة مع السلطة، والمحافظة على مشروعيته المجتمعية بصفته حزباً ولد من رحم الشعب ويعبر عن هموم المواطنين، وفي نفس الوقت العمل باستقلالية عن الدولة وتنزيل برنامجه الإصلاحي والذي خفت في المرحلة السابقة حيث لم يعد ما يميز العدالة والتنمية عن باقي الأحزاب الأخرى.
واتخذ ابن كيران منذ إبعاده عن تشكيل الحكومة سنة 2016م، مسافة مع تدبير الحزب للمرحلة اللاحقة، ولم “يتورط” في اتخاذ عدد من القرارات التي أثرت على نتائجه في استحقاقات 8 سبتمبر.
ونظم المؤتمر الاستثنائي بمدينة بوزنيقة ضواحي العاصمة الرباط، بمشاركة أعضاء المجلس الوطني بشكل حضوري، فيما شارك باقي المؤتمرين عن بعد.