تهل اليوم الأحد ذكرى وفاة العالم المصري والمفكر الإسلامي الدكتور مصطفى محمود، حيث توفي في 31 أكتوبر من العام 2009، أي قبل 12 عاما، عن عمر ناهز الـ 88 عاما حافلة بالعطاء في ميدان العلم والثقافة والأدب والفلسفة.
كان موسوعيًا بما تحمل الكلمة من معني فكان صوفيًا زاهدًا وعالمًا مستنيرًا وفيلسوفًا حكيمًا وطبيبا يأسر القلوب ومفكرًا يستلب العقول بمنطقه السليم وحجته الدامغة وغزارة علمه وتشعب معلوماته.
أثرى حياتنا بعلمه فترك وراءه ميراثا غزيرًا في تخصصات متنوعة ، فكانت مثل الحديقة الغناء بدءًا من الطب مرورًا بالأدب والفلسفة ثم برنامجه الرائع العلم والإيمان الذي قدم فيه لمكتبة التلفزيون زهاء 400 حلقة لطالما تابعها الملايين من المشاهدين بشغف شديد .
محطات بارزة
- ولد مصطفى محمود في 27 ديسمبر 1921 في شبين الكوم بمحافظة المنوفية بدلتا مصر وكان له شقيق توأم توفي وبقي مصطفى على قيد الحياة.
- كان منذ صغره محباً للعلوم، فكان يمتلك معملاً صغيراً في المنزل، وبدأ بالفعل وهو صبي يصنع “مبيدات” يقتل بها الصراصير، ثم يقوم بتشريحها، فقد كان علم التشريح يستهويه بشدة في تلك الفترة المبكرة من حياته.
- مرض والده وأصيب بالشلل عدة سنوات وتوفي عام 1939، حيث أكمل مصطفى محمود دراسته الثانوية
- درس الطب وتخرج عام 1953 وتخصَّص في جراحة المخ والأعصاب، ولكنه تفرغ للكتابة والبحث بدءا من عام 1960.
- في عام 1960 عندما أصدر الرئيس عبد الناصر قراراً بمنع الجمع بين وظيفتين، كان مصطفى محمود وقتها يجمع بين عضوية نقابتي الأطباء والصحفيين. ولذا قرر الاستغناء عن عضوية نقابة الأطباء، وحرمان نفسه من ممارسة المهنة إلى الأبد مفضلًا الانتماء إلى نقابة الصحفيين، والعمل كأديب ومفكر.
- قام الدكتور مصطفى محمود بإنشاء مسجد في القاهرة باسمه هو “مسجد مصطفى محمود” عام 1979م ويتبع له “جمعية مسجد محمود” والتي تضم “مستشفى محمود” و”مركز محمود للعيون” ومراكز طبية أخرى إضافة إلى مكتبة و متحف للجيولوجيا وآخر للأحياء المائية ومركز فلكي.
- في عام 1971 بدأ بتقديم برنامجه “العلم والإيمان” لثماني وعشرون سنة في التلفزيون المصري، وكان يهدف منه إلى ربط العلم بالإيمان وتعميق قدرة الله وبديع صنعه في الكون ، حاز البرنامج درجة فائقة من الشهرة .
- نال الدكتور مصطفى محمودجائزة الدولة التقديرية بمصر لعام 1995.
توجهاته السياسية
لم يكن الدكتور مصطفى محمود مؤدجلًا في فكر سياسي محدد لكنه مهتماً بأحوال أمته السياسية ومتابعًا لها بشكل دقيق وكان معارضًا لسياسة “جمال عبد الناصر”، وهذا ما كان يُعبّر عنه دائمًا في مقالاته وقصصه وتصريحاته، ففي إحدى التصريحات قال: “أخطاء عبد الناصر أكثر من حسناته، فما الفائدة من أن تبني سدًا أو مصنعًا وتهدم الشخصية المصرية والإنسان؟!”، ونتيجةً لهذه المواقف مُنِعَ مصطفى محمود من الكتابة لفترة من الزمن في عصر جمال عبد الناصر.
ضد الصهيونية
ركز الدكتور مصطفى محمود الكثير من كتاباته ومقالاته حول كشف خطر الصهيونية على العالم والمنطقة فوظف لها 9 كتب أصدرها خلال حقبة التسعينيات، تتضمن أطروحاته الفكرية تجاه القضية الفلسطينية وخطر المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة .
وقال أدهم نجل الدكتور مصطفى محمود، إن نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك منع مقالات والده من النشر منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وعبر سلسلة كتبه التي تناولت كشف المشروع الصهيوني، تطرّق الدكتور مصطفى محمود إلى كثير من الخطط الصهيونية، ومنها تشويه الإسلام ، وكان من أوائل من تكلم عن مشروعات إسرائيل للتحكم في منابع النيل عن طريق السيطرة على منطقة البحيرات الكبرى، وإثارة الحروب والفتن الطائفية والعنصرية بين نصارى الجنوب ومسلمي الشمال في السودان.
طاقة من تراثه الفكري
ورغم تعدد مشاربه واهتماماته الفكرية والعلمية وتنوع روافده واسهاماته، لكن يظل هناك خيط رفيع يجمع بينها حاملا عنوان «البحث عن الله» وهو الموضوع الذي استغرق30 عاما من مسيرته الفكرية والعلمية وقدم الدكتور مصطفى محمود للمكتبة العربية نحو 89 كتابا في فروع الأدب والسياسة والفلسفة والعلوم، بالإضافة للقصص القصيرة والمسرحيات، ومن أشهر كتبه وقصصه: “تأملات في دنيا الله”، و”الإسلام في خندق”، و”زيارة للجنة والنار”، و”عظماء الدنيا وعظماء الآخرة”، و”عنبر ٧”، و”شلة الأنس”، و”المستحيل”، و”رجل تحت الصفر” و”حوار مع صديقي الملحد”، و”العنكبوت”، و”رائحة الدم”، و”ألاعيب السيرك السياسي”، و”إسرائيل البداية والنهاية”، و”أكل عيش”.
- كتب سبع مسرحيات مثلت علي المسرح وهي: (الزلزال، الإنسان والظل، إسكندر الأكبر، الزعيم، أنشودة الدم، شلة الأنس، الشيطان يسكن في بيتنا) وروايـة ظـهرت في السينما بعنوان: (المستحيل).
- هناك بعض الأفلام التي تناولت سيرته حيث قدمت قناة الجزيرة الوثائقية في نهاية عام 2011.فيلمًا وثائقيًا بعنوان عن حياته بعنوان : “العالِم والإيمان” نُشِر على جزأين عبر أبرز
أقوال خالدة
لازال الكثير من أقوال وآراء الدكتور مصطفى محمود تتداول على نطاق واسع بين الكثير من النخب الفكرية والثقافية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تعليقًا على الكثير من أحداث واقعنا المعاصر فيما يشير إلى أن الدكتور – رحمه الله – كان يمتلك فكرًا ورؤية ثاقبة للكثير من واقعنا ومستقبلنا السياسي والتي أودع بعضها في كتابه ” قراءة المستقبل ” ، ومن أقواله الخالدة :
- “إسرائيل تتصرف وكأنها تتعامل مع أصفار، وتتوسع وكأنها تمرح في فراغ، وهذا الغياب للموقف العربي سوف تكون له عواقب وخيمة”. وأمام هذا التهاون أو الهوان العربي كان ضروريا أن يحذر المفكر المصري من مآلات السلام الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني، وفي كتابه “على حافة الانتحار” رأى أن إسرائيل ليست لديها نية جادة للسلام بقدر ما هي راغبة في تطويع وقبول من الطرف العربي لسلام من طرف واحد.
- الإنسان هو إنسان فقط إذا استطاع أن يقاوم ما يحب، ويتحمل ما يكره، وهو إنسان فقط إذا ساد عقله على بهيمته، وإذا ساد رشده على حماقته، وتلك أول ملامح الإنسانية.
- العلم والإيمان هما وجها الإنسان الكامل الذى لا يمكن أن يكون كاملاً بدونهما.
- نحن قادمون على عصر القرود، فبرغم هذا الكم من التكنولوجيا التي وصل إليها الإنسان، إلا أننا أصبحنا أمام إنسان أقل رحمة، أقل مودة، أقل عطفا، أقل شهامة، أقل مروءة، وأقل صفاء من الإنسان المتخلف.
- إن حضارة الإنسان و تاريخه و مستقبله ..رهن كلمة صدق و صحيفة صدق و شعار صدق.. فبالحق نعيش، و ليس بالخبز وحده أبدًا .
- إذا نزل مؤمن وكافر إلى البحر فلا ينجو إلا من تعلم السباحة ، فالله لا يحابي الجهلاء فالمسلم الجاهل سيغرق والكافر المتعلم سينجو.
- دولة الكيف دولة بلا دستور والمزاج هو الرقعة الوحيدة الحرام التى لا تدخلها معقولية ولا منطق.
الرحيل صامتًا
رحل الدكتور مصطفى محمود الذى ملأ حياتنا فكرًا وعلمًا وثقافة صامتًا وكان قبل ذلك ملء السمع والبصر حتى ” ملأ الدنيا وشغل الناس ” فكانت وفاته في الساعة السابعة والنصف من صباح السبت 31 أكتوبر 2009، بعد رحلة علاج استمرت عدة أشهر، وشيعت الجنازة من مسجدهِ بحي المهندسين ولم يحضر التشييع أي من المشاهير أو المسؤولين، ولم تتحدث عنهُ وسائل الإعلام إلا قليلاً .
فسلام الله على الدكتور مصطفى محمود في الخالدين ..