قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم 6].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته: فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته) متفق عليه، وهذه الرعية أمانة حذر الله عز وجل من إضاعتها والتفريط في القيام بحقها، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَالجِبَالِ فَأبَينَ أَن يَحمِلنَهَا وَأشفَقنَ مِنهَا وَحَمَلَهَا الإنسَانُ إِنَّه كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72].
من مظاهر التقصير والخطأ في تربية الأولاد:
1– تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع والفزع: تخويف الأولاد حين يبكون ليسكتوا؛ فنخوفهم بالغول، والبعبع، والحرامي، والعفريت، وصوت الريح، وغير ذلك. وأسوأ ما في هذا- أن نخوفهم بالأستاذ، أو المدرسة، أو الطبيب؛ فينشأ الولد جبانا رعديدا يفرق من ظله، ويخاف مما لا يخاف منه.
2– تربيتهم على الميوعة، والفوضى، وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ: قال تعالى: {أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [الزخرف 18].
3– بسط اليد للأولاد، وإعطاؤهم كل ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد، خصوصا الصغار: يقول الدكتور محمد الصباغ: ” سمعت من مالك بن نبي- رحمه الله- أن رجلاً جاء يسترشده لتربية ابن له أو بنت ولِد حديثاً، فسأله: كم عمرها؟ قال: شهر، قال: فاتك القطار، قال: وكنت أظن بادئ الأمر أني مبالغ، ثم إني عندما نظرت وجدت أن ما قلته الحق، وذلك أن الولد يبكي، فتعطيه أمه الثدي، فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد، ويكبر على هذا، فإذا ضربه اليهود بكى في مجلس الأمن يظن أن البكاء يوصله حقه “.
4– الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم: إما بضربهم ضربا مبرحا إذا أخطأوا- ولو للمرة الأولى، أو بكثرة تقريعهم وتأنيبهم عند كل صغيرة وكبيرة، أو غير ذلك من ألوان الشدة والقسوة.
5– شدة التقتير عليهم: فبعض الآباء يقتر على أولاده أكثر من اللازم، مما يجعلهم يشعرون بالنقص، ويحسون بالحاجة، وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال بطريقة أو بأخرى، إما بالسرقة، أو بسؤال الناس، أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء وأهل الإجرام.
6– الاهتمام بالمظاهر فحسب: فبعض الناس يرى أن حسن التربية يقتصر على الطعام الطيب، والشراب الهنيء، والكسوة الفاخرة، والدراسة المتفوقة، والظهور أمام الناس بالمظهر الحسن، ولا يدخل عندهم تنشئة الولد على التدين الصادق، والخلق الكريم.
7– المبالغة في إحسان الظن بالأولاد: فبعض الآباء يبالغ في إحسان الظن بأولاده، فتجده لا يسأل عنهم، ولا يتفقد أحوالهم، ولا يعرف شيئاً عن أصحابهم؛ وذلك لفرط ثقته بهم، فتراه لا يقبل عدلا ولا صرفا في أولاده، فإذا وقع أولاده أو أحد منهم في بلية، أو انحرف عن الجادة السوية، ثم نبه الأب عن ذلك- بدأ يدافع عنهم، ويلتمس المعاذير لهم، ويتهم من نبهه أو نصحه بالتهويل، والتعجل، والتدخل فيما لا يعنيه.
8– التربية على سفاسف الأمور، وسيئ العبارات، ومرذول الأخلاق، وتعويد البنات على اللبس غير المحتشم، ومن ذلك تعويدهم على إطلاق العبارات النابية، والكلمات المقذعة، فهم يألفون ما يسمعونه من والديهم، وذلك من خلال كثرة ترديد الوالدين لتلك العبارات، ومن خلال نبز الأولاد بالألقاب عند مناداتهم، مما يجعل الأولاد يألفون هذه العبارات، ولا يراعون آداب الكلام.
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوّده أبوه
9– فعل المعاصي أمام الأولاد، أو إقرارهم عليها: من مشاهدة الأفلام الساقطة، وسماع الأغاني، ومتابعة المسلسلات التليفزيونية، وحلق اللحية، وشرب الدخان، والمرأة تتبرج أمام بناتها، فهذا كله يجعل من الوالدين قدوة سيئة للأولاد. وكذلك قد يرى الوالد على أولاده بعض المنكرات، فلا تراه يحرك ساكناً تجاههم؛ مما يجعلهم يستمرئون المنكر.
10– التناقض: كأن يأمر الوالد أولاده بالصدق وهو يكذب، أو يأمرهم بالوفاء بالوعد وهو يخلف، أو يأمرهم بالبر والصلة وهو عاق قاطع، أو ينهاهم عن شرب الدخان وهو يشرب، وهكذا...
وليس معنى ذلك أن يترك الوالد نصح أولاده إذا كان مقصراً أو مفرطاً في بعض الأمور، بل ينبغي أن ينصح لهم، ولو لم يكن عاملا بما يقول، وإنما المقصود بيان أن التناقض بين القول والفعل- يفقد النصائح أثرها.
11– التهاون في متابعة وسائل الاتصال المنزلية والخاصة:
12– احتقار الأولاد وقلة تشجيعهم:
ومن مظاهر ذلك:
أ- إسكاتهم إذا تكلموا، والسخرية بهم وبحديثهم؛ مما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه، قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه.
ب- التشنيع عليهم إذا أخطأوا ولمزهم إذا أخفقوا في موقف، أو تعثروا في مناسبة، مما يولد لديهم الخجل والهزيمة، ويشعر الوالد بالعجب والكبرياء، فيتكون بذلك الحاجز النفسي بين الطرفين؛ فلا يمكن بعده للوالد أن يؤثر في أولاده.
ج- ازدراؤهم إذا استقاموا: وهذا أشد الاحتقار، وأبشع صوره.
13– قلة التعاون مع مدارس الأولاد أو انعدامه بالكلية: فصنف من الآباء لا يتعاون مع المدارس التي يدرس فيها أولاده، بل ربما لا يعلم أين يدرسون!!.
14– الدفاع عن الولد بحضرته خصوصا في المدرسة.
على أي شيء نربي أولادنا؟
1. التربية على العبادة لله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات 56)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع). [رواه أبو داود ح/ 495]. والحديث: صححه الشيخ الألباني في ” صحيح الجامع ” (5868).
قال الإمام الذهبي: “على الوالدين تعليم الأولاد الأطفال أولاً فأولاً ما يجب اجتنابه، ويلزم فعله واعتقاده، فيذاكر الأب ولده شأن التوحيد وأن الله رب العالمين، وخالق الأشياء، ورازق الأحياء، وأن محمداً نبيه، وأن الإسلام دينه حتى يألفه الصبي ويرسخ في طبعه، فإذا ميز علمه الوضوء والصلاة، وحذره الزنا والسرقة والكذب وأكل الحرام والدم والميتة ونحو ذلك، وأن ببلوغه يجري عليه القلم” [مسائل في طلب العلم وأقسامه 204].
2. التربية على تعظيم حرمات الله:
– عدم التهاون في العبادات.
– الحرص على المال الحلال.
– مراقبة الله في الخلوة.
3. التربية على أن الدنيا مزرعة الآخرة:
قال ابن الجوزي: ” كان ملِك كثيرَ المال، وكانت له ابنة لم يكن له ولد غيرها، وكان يحبها حبّاً شديداً، وكان يلهيها بصنوف اللهو، فمكث كذلك زماناً، وكان إلى جانب الملك عابدٌ، فبينا هو ذات ليلة يقرأ إذ رفع صوته وهو يقول {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} فسمعت الجارية قراءته، فقالت لجواريها: كفوا، فلم يكفوا، وجعل العابد يردد الآية والجارية تقول لهم: كفوا، فلم يكفوا، فوضعت يدها في جيبها فشقت ثيابها، فانطلقوا إلى أبيها فأخبروه بالقصة، فأقبل إليها، فقال: يا حبيبتي ما حالك منذ الليلة؟ ما يبكيك؟ وضمها إليه، فقالت: أسألك بالله يا أبت، لله عز وجل دار فيها نار وقودها الناس والحجارة؟ قال: نعم، قالت: وما يمنعك يا أبت أن تخبرني، والله لا أكلتُ طيِّباً، ولا نمتُ على ليِّنٍ حتى أعلم أين منزلي في الجنة أو النار. ” صفوة الصفوة ” (4 / 437-438).
4. التربية على الأخلاق:
الصدق، والتواضع، والرحمة، وحفظ السر، وغيرها من الأخلاق الكريمة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” مرحبا بابنتي “، ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت!!
فقلت لها: لم تبكين؟! ثم أسر إليها حديثا فضحكت!! فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن! فسألتها عما قال؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها؟ فقالت: ” أسر إلي أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي”، فبكيت؛ فقال:” أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين ” فضحكت لذلك. رواه البخاري.
وعن ثابت البناني عن أنس قال: أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، قال: فسلم علينا! فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت، قالت: ما حبسك قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر. قالت: لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. قال أنس:والله لو حدثت به أحدا لحدثتك يا ثابت. رواه مسلم.
الأسباب المعينة على تربية الأولاد
1– الاستعانة بالله على تربيتهم: فإذا أعان الله العبد على تربية أولاده وسدده ووفقه أفلح وأنجح، وإن خذل ووكل إلى نفسه فإنه سيخسر. {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} [إبراهيم 35]. وقال تعالى: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} [الفرقان 74].
2– الدعاء للأولاد وتجنب الدعاء عليهم: فإن كانوا صالحين دعي لهم بالثبات والمزيد، وإن كانوا غير ذلك دعي لهم بالهداية والتسديد.
3– غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد منذ الصغر: كأن يعلم الوالد أولاده منذ الصغر أن ينطقوا بالشهادتين وأن يعلمهم ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم. وإلى غير ذلك من أمور العقيدة.
4– الإنفاق عليهم من المال الحلال، فعن كعب بن عجرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض، يا كعب بن عجرة الصلاة برهان، والصوم جنة حصينة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به) قال الترمذي حديث حسن، وتابعه الألباني.
5– غرس القيم الحميدة والأخلاق الفاضلة في نفوسهم: فيحرص الوالد على تربية أولاده على التقوى، والصدق، والأمانة، والعفة، والبر وصلة الأرحام، إلى غير ذلك من الأخلاق الحميدة حتى يشبوا محبين لمعالي الأمور ومكارم الأخلاق.
6– تجنيبهم الأخلاق الرذيلة وتقبيحها في نفوسهم فيكره الوالد لهم الكذب والخيانة، والحسد، والغيبة، والنميمة، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم والبخل، والجبن وغيرها من سفاسف الأخلاق، حتى ينشؤوا كارهين لها نافرين منها.
7– الحرص على تحفيظ الأولاد كتاب الله، فالاشتغال بحفظه اشتغال بأعلى المطالب وأشرف المواهب، فإذا حفظوا القرآن، أثر ذلك في سلوكهم وأخلاقهم وفجر ينابيع الحكمة في قلوبهم.
8– تحصينهم بالأذكار الشرعية: وذلك بإلقائها عليهم إن كانوا صغاراً وتحفيظهم إياها إن كانوا مميزين، مثل: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة).
9– إبعاد المنكرات ووسائل الفساد عن الأولاد حتى يحافظوا على سلامة فطرة الأولاد، وعقائدهم، وأخلاقهم.
10– الحرص على تربيتهم بالقدوة: فينبغي للوالدين أن يكونا قدوة للأولاد في الصدق والاستقامة وكظم الغيظ، وإكرام الضيف، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وغير ذلك.
كيف نربي أبناءنا؟
1– ارتياد المساجد بصحبة الأبناء في سن السابعة.
2– تعليم البنات حب الحجاب منذ الصغر.
3– التخطيط لشغل فراغ الأبناء.
4– تنسيق الرحلات المناسبة للأسرة والاهتمام بالمكان والبرنامج.
5– إلحاقهم بحلقات تحفيظ مع المراقبة والمتابعة.
6– توطيد العلاقات بالعائلات الطيبة لإيجاد البيئة المناسبة.
7– معرفة أصدقاء الأولاد بطريقة مناسبة.
8– توحيد الطريقة بين الوالدين.
9– تعويدهم على عدم السهر، وعدم النوم في مكان مظلم.
10– تكوين مكتبة خاصة للأولاد وحبذا لو أضيف إليها جهاز الحاسوب مع بعض البرامج النافعة.
11– عدم إهمال الأخطاء دون معالجة حكيمة.
12– ضرورة العدالة في المعاملة والأعطيات بين الأولاد.
13– التركيز على الولد الأكبر في تربيته.
14– تحبيبهم في الله عز وجل بذكر صفاته، ونسبة النعم إلى خالقها.
15– إيجاد الجو الملائم والمرح داخل الأسرة.
16– الدعاء للأولاد وعدم الدعاء عليهم، وتلمس أوقات الإجابة. عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم) رواه مسلم.
1– إحضارهم في مجالس الكبار بالنسبة للذكور.
2– التكليف بمسؤوليات صغيرة والتدرج في ذلك.
3– كثرة التحذير يولد الخوف.
4– اصطحاب الأولاد في حلقات العلم والمحاضرات.
5– تعليمهم عادة الشكر للناس عموماً وللأب وللأم خصوصاً.
6– عدم المقارنة بين الأولاد.
7– عدم إظهار شجار الأبوين وخلافهما بين الأولاد.
8– الوقاية خير من العلاج، الاستشارة لأهل العلم والتخصص فيما يعينك في تربيتهم.
9– لاعب ابنك سبعاً (1- 7)، أدّبه سبعاً (7-14)، صاحبه سبعاً (14-21).
10– تعويدهم على الخشونة والرجولة والجد والاجتهاد، وتجنيبهم الكسل والبطالة والراحة.
وختاماً:
ربنا هب لنا من أزواجنا، وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً.
______________________________________
(*) بتصرف من موقع “حب الإسلام”.