لا يبدو المشهد في القدس المحتلة مقتصراً على الصراع على الأرض، هناك صراعات متعددة يخوضها الاحتلال ضد الوجود الفلسطيني، وهو صراع الديمغرافيا وإحداث خلل في تعداد الفلسطينيين من خلال تهجيرهم وإحلال المستوطنين مكانهم، وهذا ما ترجمه الصهاينة على الأرض من خلال الاستيلاء على العقارات والمنازل خاصة في أحياء الشيخ جراح وبطن الهوى والبلدة القديمة وتسليمها للمستوطنين، ويضاف لهذا الصراع صراع من نوع آخر وهو صراع تاريخي وحضاري، ومخطط الاحتلال هو تزييف هذا التاريخ وطمسه لصالح الجمعيات الاستيطانية، والتي باتت تروج الأكاذيب للسياح الأجانب، والتي لا أصل لها في التاريخ حول المسجد الأقصى المبارك، وكل ما يتعلق بالرموز التاريخية الإسلامية في القدس حتى الأموات لم تسلم منهم، حيث يواصل الاحتلال بجرافاته تدمير المقبرة اليوسفية في القدس، ومحاصرة مقابر الرحمة ومأمن الله بمخططات التهويد والاستيطان .
التفكجي: الاحتلال استولى على 90 % من مساحة القدس والمعركة الديمغرافية مستمرة
القدس والمراحل الأخيرة من التهويد
وحول ما يحدث في القدس من حرب على الوجود الفلسطيني يقول مدير عام دائرة الخرائط والمساحة في بيت الشرق بالقدس المحتلة خليل التفكجي لـــ” المجتمع”: “ما يحدث هو حرب ديمغرافيا وصراع وجود، الصهاينة يريدون أن يقل عدد الفلسطينيين في القدس إلى أقل من 25 % في حين تكون الأغلبية للمستوطنين، ولذلك يقومون بالاستيلاء على العقارات والأراضي، وإقامة آلاف الوحدات الاستيطانية، يضاف لذلك الاستمرار في تنفيذ ما يسمى مخطط “القدس الكبرى” والذي يهدف لضم 10 % من مساحة الضفة المحتلة لصالح المخطط لإقامة كتل استيطانية ضخمة، وسيتسبب ذلك في تهجير عشرات القرى والبلدات الفلسطينية التي تقع في غلاف القدس .
وأكد التفكجي أنه منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967م لم يمر يوم على الصهاينة، دون أن يواصلوا تنفيذ مخططاتهم الاستيطانية، واستولوا على 87 % من مساحة القدس، والمساحة المتبقية، وهي 13 % تضم الأحياء المقدسية القديمة وأراضي يصنفها الاحتلال ” أملاك غائبين” وذلك لتسهيل عملية الاستيلاء عليها، وعلى الكثير منها من خلال البؤر الاستيطانية التي زرعها الاحتلال في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس وكذلك المخططات التهويدية التي باتت تنفذ بشكل متسارع وبموازنات ضخمة مدعومة بشكل لافت من كل المؤسسات الاستيطانية.
أبو ذياب: 100 منزل هدمت في القدس هذا العام والمصادقة على 18 ألف وحدة استيطانية
18 ألف وحدة استيطانية
في هذا السياق أكد عضو لجنة الدفاع عن سلوان فخري أبو ذياب لـــ” المجتمع” أن الاحتلال صادق منذ بداية العام الجاري على إقامة 18 ألف وحدة استيطانية منها 14 ألف وحدة ستقام على أراضي مطار قلنديا التاريخي، و1300 وحدة استيطانية لفصل جنوب مدينة القدس عن بيت لحم.
وأوضح أبو ذياب أن الاحتلال هدم منذ بداية العام الجاري أكثر من 100 منزل في القدس وحدها وأصدر إخطارات هدم لمئات المنازل في إطار سعية لتصفية الوجود الفلسطيني في القدس، في مقابل ذلك إقامة آلاف الوحدات الاستيطانية، وهو ما أكدة لــ “المجتمع” صلاح الخواجا منسق اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، حيث قال إن الاحتلال يواصل مخطط إقامة أحزمة استيطانية في محيط القدس بهدف عزلها تماماً عن الضفة المحتلة، وذلك لمنع إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، لافتاً إلى أن الاحتلال يخطط للاستيلاء على كل الأراضي الواقعة شرقي القدس حتى البحر الميت، وقطع التواصل مع الأغوار، وذلك لتفتيت الجغرافيا الفلسطينية، وهذه المخططات من المستحيل في حال استكمال تنفيذها إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً.
الخواجا: الاحتلال يستكمل الحزام الاستيطاني في محيط القدس لعزلها عن الضفة
يجب مغادرة مربع أوسلو
على صعيد متصل قال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، إن إعلان الاحتلال الصهيوني عن إنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة، بالإضافة إلى هجمة التهويد التي تشنها حتى على المقابر الفلسطينية، خاصة المقبرة اليوسفية الملاصقة للمسجد الأقصى، هي بمثابة دق المسامير الأخيرة في نعش اتفاق أوسلو، وضربة قاضية للمراهنة على المفاوضات وحل وسط مع الحركة الصهيونية، ونسف لكل ما سمي بـ “حل الدولتين”.
و انتقد البرغوثي المواقف الأمريكية والدولية التي تقتصر على إصدار البيانات والاستنكارات التي لم ولن تؤثر في الحكومات “الإسرائيلية” العنصرية المستمرة في عمليات التوسع الاستيطاني.
وأكد البرغوثي أن الحكام الصهاينة الذين يمارسون العنصرية لن يرتدعوا إلا بمقاومة مخططاتهم وفرض عقوبات ومقاطعة حقيقية عليهم، وأن الولايات المتحدة تستطيع لو أرادت ردع الصهاينة، الإعلان على الأقل عن وقف جميع المساعدات المالية لها والتي تمثل المساعدات العسكرية الجزء الأكبر منها.
وقال البرغوثي إن اليمينيين العنصريين “الإسرائيليين” يرتكبون أكبر أخطائهم إن ظنوا أن الشعب الفلسطيني سيرضخ لمخططاتهم ويقبل العيش في بانتوستانات و نظام أبرتهايد عنصري تحت سيطرتهم، وأن قضائهم على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة لن يعني إلا تصعيد النضال لإسقاط منظومة الاحتلال والتمييز العنصري في كل فلسطين التاريخية لتستبدل بدولة ديمقراطية واحدة تلبي الحقوق القومية والمدنية الكاملة للشعب الفلسطيني.