حين يظهر إعلامي على الشاشة ويتحدث عن الفن النظيف على أنه وصاية من الإسلام على الفن، ويستتر بذكر الإسلاميين بدلاً من الإسلام، فهو وأمثاله يقعون -عن جهل أو عمد- في مغالطتين أساسيتين:
المغالطة الأولى تتعلق بالفن نفسه؛ فهو يختصر الفن الذي رافق الإنسان في مسيرته على الأرض رسماً ونحتاً وعمارة وموسيقى ورقصاً وكلمة مُغناة ومنظومة.. يختصره في فن التمثيل فقط.
المغالطة الثانية هي اعتباره العري والقُبَل والأحضان جزءاً لا يتجزأ من فن التمثيل، ولازمة من لوازمه، في حين أن السينما الإيرانية فيما بعد الثورة قدمت نفسها بثوبها الخاص المنضبط بضوابط شرعية، وفرضت نفسها على المهرجانات العالمية، وفازت بجوائز عالمية لها اعتبارها، ومن قبلها السينما الهندية فرضت نفسها على الساحة العالمية مع تقيدها بالتقاليد الهندية، والدراما التركية التاريخية دخلت بيوت الشرق والغرب وتلقاها العالم بالقبول.
والسينما العربية ذاتها وضعت بصمتها العالمية في عملين اثنين من الصعب أن تجد لهما ثالثاً حتى الآن، وهما؛ فيلم “الرسالة” و”عمر المختار”، وكلاهما تعبير عن هوية الأمة وخصوصيتها.
بل نستطيع أن نقول: إن كلاسيكيات السينما المصرية في عمومها كانت معبرة عن المجتمع المصري، وكان ما ترتديه “فاتن حمامة” و”ماجدة” وغيرهما هو ما ترتديه السيدة المصرية في الشوارع، وما يُطرح من موضوعات هي ذاتها التي تشغل النخبة الثقافية وعموم الشعب.
المسألة في بُعدها الثقافي العام تتعلق بالهوية؛ فكل الأمم تقدم من الفنون ما ينبع ويعبر عن هويتها، ولكل أمة مرجعيتها التي تحدد ضوابط ما تعرضه من فنون؛ ففي مجال فن التمثيل تضع المجتمعات على اختلافها ضوابط لما تعرضه، وداخل المجتمع الليبرالي نفسه تتفاوت الضوابط من بلد لبلد؛ فهي في عمومها تصنف منتجاتها الفنية بحسب الفئات العمرية؛ فما يصلح لمن هم فوق الثماني عشرة لا يصلح لمن دونهم، وبعض البلاد تسمح بعرض الأفلام الإباحية، وبعضها لا يسمح به سوى في دور عرض سينمائية محددة، وبعضها لا يسمح به على الإطلاق.
فنحن لسنا بدعاً من الأمم التي من حقها أن تكون لها ضوابطها الخاصة فيما يتعلق بمنتجاتها الفنية، وسلب هذا الحق منا هو احتقار لأمتنا وهويتها وعقيدتها.
وأكبر انتصار ممكن أن تحققه هذه الحملة الإعلامية المبرمجة والممولة هو انزواء أهل المروءة والشرف -وهم عموم بني قومنا- وخجلهم من الحديث عن الحلال والحرام والعيب في الفن وفي غير الفن؛ فنحن أمة مرجعيتها شريعة الإسلام، وتقاليد العروبة، ونفخر بذلك.