تتجه القلوب والأبصار إلى البقعة الطاهرة المباركة من أرض الله (القدس) كلما طاف بها طائف من ظلم أو حركنا الحنين إلى مجد تليد قام على أساس من التقى والعلم والعدل والنور وإنما توزن الأمم بما تمور بها حياتها العلمية من نشاط وحركة دائبة نحو التعلم والتعليم ورعاية العلم وأهله
والمسجد الأقصى لا يمثل بالنسبة للمسلمين مكان مقدس أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إليه وعرج منه إلى السماء فقط بل هو شاهد على الصراع بين الحق والباطل عبر أجيال وأجيال ومحل لرعاية العلم ومركز إشعاع يتعلم منه المسلم ما يحافظ به على دينه ويؤدي شعائر الله
للمسجد الأقصى معالم يبدوا بعضها في الصور المعروضة ويختفي أغلبها رغم ما له من أهمية بالغة في تثبيت حق المسلمين في هذه البقعة الطاهرة المباركة ولئن قيّم المراقبون أداء الشعوب والحكومات تجاه أزمة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ما بين راض بهذه المشاعرالطيبة التي أبدتها الشعوب وساخط على ما تمخضت عنه اجتماعات القادة وما سبق ذلك وتلاه من محاولات مستمرة لتهويد القدس وطمس المعالم الإسلامية لها أود أن أنقل صورة تنبأ عن عبقرية وإيمان وقدرة على إبداع أشكال من المقاومة تثبت حق صاحب الحق
تتمثل هذه الصورة في إحياء أماكن للدراسة كانت مهملة لسنين عديدة:
مدارس المسجد:
وقد اشتمل المسجد الأقصى على عدة مدارس انشات عبر العصور المتلاحقة منها(المدرسة الناصرية نسبة للشيخ نصر المقدسي ثم عرفت بالغزالية نسبة لأبي حامد الغزالي والتي كانت على برج باب الرحمة ثم انشأها الملك المعظم عيسى وجعلها زاوية لقراءة القرآن والاشتغال بالنحو ووقف عليها كتبا
ومنها الخانقاه الفخرية وهي مجاورة لجامع المغاربة من جهة الغرب وهي بداخل سور المسجد وبابها من داخل المسجد عند الباب الذي يخرج منه إلى حارة المغاربة واقفها القاضي فخر الدين أبو عبد الله محمد بن فضل الله ناظر الجيوش الاسلامية أصله قبطي فأسلم وحسن إسلامه وكانت له اوقاف كثيرة وبر وإحسان لأهل العلم
ومنها المدرسة العثمانية بباب المتوضأ واقفتها امرأة من أكابر الروم اسمها اصفهان شاه خاتون وتدعى خانم وعليها اوقاف ببلاد الروم وغيرها في هذه البلاد وعلى بابها تاريخها في سنة اربعين وثمانمائة)[1]
وإلى جوار المدارس يضم المسجد بين جنباته عدة أماكن لطلب العلم تسمى المصاطب وتعد هذه المصاطب رافدا روحيا وحضاريا وثقافيا يمد أبناء القدس بزاد من العلم والإيمان كما تعد امتدادا للمدارس التي بناها الملوك وأوقفوا عليها الأوقاف
و(اشتهر المسجد الأقصى بحلقات العلم ، ولكثرة المدرسين وطلبة العلم ، اتخذ المدرسون المصاطب التي هُيِّئَتْ ليجلس عليها الطلاب للاستماع إلى الدروس خاصة في فصل الصيف لاعتدال الجو هناك ، وتقدر عدد المصاطب في ساحات المسجد الأقصى بقرابة الثلاثين مصطبة ، والتي لها محاريب من بناء حجري مستطيل الشكل لجلوس الشيخ أمام طلبته وتلاميذه ، أنشئ بعضها في العصر المملوكي وغالبها في العصر العثماني
والمصاطب غالباً ما تكون مربعة الشكل ، أو مستطيلة ، وترتفع عن الأرض بدرجة أو درجتين ، وبناؤها من الحجارة ، ومن أشهرها مصطبة البصيري شرقي باب الناظر ، وكانت تستعمل للتدريس ، ولإضفاء طابع جمالي على ساحات المسجد الأقصى . قيل إنها أنشئت في القرن الثامن الهجري ، وفي منتصف ضلعها الجنوبي محراب حجري وعليه لوحة كتابية تبين اسم باني المحراب ، وهو الأمير جركس الناصري، وكان هذا الأمير موجودا في سنة 800هـ/1298م تقريبا . وتتكون المصطبة من بناء حجري منبسط مربع الشكل ويُصعد اليها بوساطة درجتين حجريتين ، وأما المحراب فهو بناء حجري مستطيل الشكل، وقد كتب عليه اسم الباني وألقابه[2] .
وغالبا ما تحوي على محاريب تستعمل للدلالة على القبلة وإضفاء رونق جمالي وروحاني على هذه المصاطب
تاريخ المصاطب:
ولا يعرف أول من بنى المصاطب في الأقصى المبارك على وجه التحديد إذ يقول بعض المؤرخين إن المصاطب عرفت منذ العهد الأموي تشبيها بالصُفّة المعروفة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم ينسبها إلى العصر المملوكي وبعضهم إلى العصر العثماني وأيا كان البادئ في بناء المصاطب فإنها اليوم تشكل معالم بارزة وهامة من معالم المسجد الأقصى المبارك وصار لكل مصطبة قصتها ورونقها واسمها الخاص[3]
وقد أنشئ بعضها بغرض تخليد الشهداء أو العلماء أو المدن.
ومن أشهر مصاطب الأقصى:
مصطبة الصنوبر (أو مصطبة أبي بكر الصديق) التي تقع في الساحات الغربية الجنوبية للمسجد الأقصى على يسار الداخل من باب المغاربة، و مصطبة صبرا وشاتيلا الواقعة شرقي الزاوية الجنوبية الشرقية لصحن الصخرة، إضافة إلى مصطبة الغزالي الواقعة جنوبي باب الرحمة والتوبة في الجدار الشرقي للمسجد الأقصى، وهي حديثة تخلد ذكرى الإمام الغزالي.[4]
إسهامات كويتية:
وقد كان للجمعيات الخيرية الكويتية شرف المساهمة في الحفاظ على بقاء هذه المصاطب ومنها جمعية الإصلاح الاجتماعي التي أطلقت حملة “القدس.. بوابة السماء”، والتي تهدف إلى دعم المرابطين في المسجد الأقصى المبارك الصامدين بأرض المسرى جراء الاعتداءات اليومية، وهم في صمودهم هذا في حاجة إلى الدعم من خلال عدة أسهم؛ أما السهم الأول فيتمثل في سهم البراق لدعم حلقات العلم وحفظ كتاب الله في رحاب المسجد الأقصى المبارك، والثاني سهم المسرى لشد الرحال ونقل المصلين إليه، والثالث سهم الأقصى الذي يهدف إلى إعماره وصيانته.
وفي هذا الصدد، أكَّد رئيس مكتب فلسطين في الرحمة العالمية د. وليد العنجري أن التواجد في المسجد الأقصى المبارك من خلال الأسهم الثلاثة يعد من أهم العوامل لحمايته والذود عنه، وصدّ الاعتداءات التي تستهدف ساحاته، والمس بقدسيته وطهارته وإسلاميته، لذلك حرصنا دائماً على بذل قصارى الجهد في إبقاء ساحات مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرة بالمرابطين من أهل بيت المقدس ومناطق فلسطين المحتلة في عام 1948م، وذلك بإحياء مصاطب العلم، وإقامة العديد من الفعاليات والدروس والأنشطة للزائرين، وكذلك الإفطارات الجماعية.[5]
وقال حكمت نعامنة، مدير مؤسسة عمارة الأقصى والمقدّسات القائمة على المشروع إن إحياء مشروع مصاطب العلم جرى في آذار/ مارس 2010، بعد وجود حاجة ملحّة من الفراغ في المسجد الأقصى من الصباح للمغرب يستغلها المتطرفون لاقتحام الأقصى والتخريب به، فتقرر إعادة إحياء المشروع لنشر العلم والرباط والتصدي في آن واحد”.[6]
وللصغار نصيبهم من الدراسة بمصاطب الأقصى ففي 16/6/2013 وبمشاركة ألف طالب من طلاب مدارس القدس وضواحيها تحلق الطلاب حول مائدة القرآن الكريم يغذون عقولهم وأرواحهم بذكر الله وتلاوة كتابه الكريم وذلك ضمن النشاطات الصيفية للطلاب[7]
وفي (مايو 2014) أصدرت مؤسسة عمارة الأقصى المشرفة على مشروع مصاطب العلم في المسجد الأقصى بيانا أكدت فيه الطبيعة العلنية لعمل المؤسسة
وجاء في البيان :”مصاطب العلم كانت جزءاً من تاريخنا وحضارتنا، وهي ليست أمر استحدثناه وإنما قمنا بإحيائه كون نشر العلم الشرعي جزءاً من عقيدتنا وثقافتنا وتاريخنا.
[1] الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل مجير الدين الحنبلي العليمي (2/ 34 وما بعدها) تحقيق : عدنان يونس عبد المجيد نباتة ط/مكتبة دنديس – عمان – 1420هـ – 1999م
[2] المسجد الأقصى حقائق لابد أن تعرف عيسى القدومي الناشر إدارة الثقافة الإسلامية وزارة الأوقاف الكويت
[3] أطلس معالم المسجد الأقصى عبدالله معروف صـ150 الناشر مؤسسة الفرسان للنشر والتوزيع ط/2010
[4] https://www.sasapost.com/places-science-al-aqsa-mosque-students-age-groups/
[5] https://www.khaironline.net/News/NewsView.aspx?id=276