لا تمر بضعة أشهر حتى نسمع عن ظهور سلالة متحورة جديدة من فيروس كورونا، ورغم أن الكثير من هذه السلالات لم تكن خطيرة فإن بعضها مثل دلتا كانت لها تبعات ملموسة على الوضع الصحي في العالم.
ويقول الدكتور أشيش كومار جا في تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) الأميركية إن السلالة المتحورة الجديدة -التي تعرف لدى العلماء بالرمز “بي.1.1. 529” (B.1.1.529) والتي باتت تعرف الآن لدى الصحافة والرأي العام بتسمية المتحور أوميكرون يجب متابعتها بكل انتباه، لأنها قد تنتشر بسرعة تفوق سلالة دلتا، وربما تصيب حتى الملقحين، ولذلك من المهم جدا أن يتعامل قادة العالم بشكل سريع وحاسم مع كل البيانات المتوفرة حول انتشار أوميكرون.
وخلال الأيام المقبلة ومع ظهور تفاصيل جديدة حول هذه السلالة المتحورة، سيكون من السهل أن ينقسم الناس بين الخوف المبالغ فيه وعدم الاكتراث بشكل كلي. وفي الواقع لا يمكننا أن نستسلم لأحد هذين الخيارين، بل يجب على المجتمع الدولي أن يأخذ كل سلالة ومعلومة جديدة على محمل الجد.
ويضيف الدكتور أشيش أن التحرك بشكل مبكر أفضل من الانتظار حتى الحصول على المعلومات الكاملة حول هذه السلالة الجديدة، وقد يتبين بعد فترة أنها ليست أسرع في الانتشار من سابقاتها، أو أنها تتأثر بشكل جيد باللقاحات التي تم توزيعها في وقت سابق.
ويرى أن حدوث هاتين الفرضيتين سوف يجعل البعض يقولون إن الإجراءات الاستباقية كان مبالغا فيها وغير ضرورية.
لكن في الواقع يجب دوما التوقي من الفرضية الأسوأ، حيث إنه إذا تحققت أكبر مخاوف العلماء والأطباء وتبين أن السلالة المتحورة أوميكرون تنتشر بسرعة أكبر وتخترق نظام المناعة في الجسم فإن الانتظار إلى حين استكمال كل البيانات الضرورية حولها سوف يجعلنا متأخرين كثيرا في محاربتها.
حجم القلق
وللإجابة عن السؤال حول حجم القلق الذي يجب أن نشعر به تجاه أوميكرون، يقول الدكتور أشيش إن هناك 3 أسئلة أساسية تساعد العلماء على فهم التبعات المحتملة لكل سلالة يتم رصدها.
1- هل المتحور الجديد أكثر سرعة في الانتشار من السلالة السائدة حاليا وهي دلتا؟
إن البيانات الأولية المتوفرة حاليا تبدو مقلقة، حيث إن هذه السلالة الجديدة انتشرت بشكل سريع جدا في دولة جنوب أفريقيا، وباتت الآن تمثل أكثر من نصف العينات التي تم فحصها، وينظر العلماء حاليا في فرضيات أخرى، منها وجود متحور آخر مشابه لأوميكرون انتشر في الفترة السابقة، وأوحى بأن المتحور الجديد ينتشر بهذه السرعة الغريبة.
2- هل يمكن أن يتسبب أوميكرون في عدد أكبر من الحالات الحرجة؟
لا يزال الأطباء غير قادرين على الجزم حول هذا الأمر، لأن هذه السلالة بكل بساطة لا تزال جديدة، وسيتطلب هذا الأمر رصد ومتابعة الحالات التي يتم إيواؤها في المستشفيات، إلى جانب فحص عينات للتأكد من سلالة الفيروس داخل جنوب أفريقيا وفي دول أخرى معنية بهذه المراقبة.
3- هل ستكون الدفاعات المناعية في الجسم عاجزة عن مواجهة أوميكرون حتى بعد الحصول على اللقاح أو التعافي من إصابة سابقة؟
النقطة التي تثير المخاوف أكثر من غيرها هي إمكانية نجاح أوميكرون في الهروب من مناعة الجسم، وللتوضيح فإن العلماء يستبعدون بشكل كبير أن تفقد اللقاحات السابقة فاعليتها بشكل كلي أمام هذه السلالة الجديدة، وفي الوقت الحالي لا توجد بيانات كافية لتحديد مدى قدرة اللقاحات على التصدي لأوميكرون، ولكن هناك سببا يدعو للقلق.
وبحسب الدكتور أشيش، فإن هذا السبب هو العدد الكبير للطفرات التي حدثت داخل هذه السلالة، وبالتحديد في بروتين سبايك الذي يلتصق به الفيروس للدخول للخلايا البشرية، وأي تأثير لهذه الطفرات على فاعلية اللقاحات سوف يجعل المجتمعات أكثر عرضة لانتشار العدوى وتكاثر الحالات الحرجة في المستشفيات، وستصعب عملية احتواء الفيروس.
وأشار إلى أن الإجراءات التي سارعت الإدارة الأميركية لاتخاذها -مثل منع سفر القادمين من 8 بلدان أفريقية- يمكن أن تساهم في إبطاء انتشار الفيروس داخل الأراضي الأميركية، إلا أنها ترسل إشارات سلبية إلى دولة جنوب أفريقيا التي قامت بعمل جيد عندما تمكنت من رصد هذه السلالة الجديدة وقدمت المعلومات للمجتمع الدولي.
وينصح الدكتور أشيش باتخاذ إجراءات أخرى للاستعداد لانتشار محتمل لسلالة أوميكرون، منها دعم البحوث العلمية التي تجرى حاليا للإجابة عن الأسئلة الملحة حول هذه السلالة المتحورة، لأن هذا العمل سوف يمنح السلطات الصحية القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة، وينصح كذلك بتكثيف المراقبة الجينية للفيروس، لمعرفة كيفية تطوره بمرور الوقت وإبطاء انتشاره عند وصوله إلى بلد معين.
كما دعا أشيش القادة الأميركيين إلى الشروع في الحديث مع الشركات المصنعة للقاح حول إمكانية إنتاج لقاح جديد خاص بالسلالة المتحورة أوميكرون يتم توزيعها إذا أخذت الأمور منحى أكثر خطورة.
وفي الختام حث الدكتور أشيش الولايات المتحدة على قيادة الجهود العالمية الرامية لتمكين سكان القارة الأفريقية من الحصول على اللقاح.