م. منال محمد الفيلكاوي:
مع من سيصطف أبناؤك إذا كانت شخصية «سوبر مان» طرفاً مقابل الإسلام والثوابت الإسلامية؟ سؤال صعب! لهذا السبب كان من الصعب علينا من البداية أن نتقبل أن تُسوّق إلينا شخصيات كرتونية كقدوات لأبنائنا يتعلقون بها ويحبونها ويقتنون كل المنتجات التي تعزز حبها في قلوبهم، السؤال المهم: من يمسك بخيوط صناعة هذه الشخصيات؟ من يوجه سلوكها؟ من يكتب السيناريو في نظرة هذه الشخصيات للخير والشر؟
لأنه، في النهاية، من يتحكم في هذه الشخصيات قد يستخدمها لضرب عقيدة طفلك، وهذا ما يحدث حالياً مع «سوبر مان» الابن الملقب بـ»سوبرمان الكرة الأرضية»، تخيل أن «سوبر مان» قرر أن يكون ثنائي الجنس (bisexual) وسيقع في حب أحد الصحفيين!
هذا ما أعلنته دار “DC comics” للنشر التابعة لشركة “Warner Brothers”، أنه في حلقة جديدة تصدر، أخيراً، سيجاهر البطل بثنائية ميوله الجنسية، وذلك بوقوعه في حب رجل آخر، سيجاهر البطل بشذوذه عن الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، وعلى طفلك أن يتقبل ذلك، يجب أن يتقبل ذلك لأنه فعل جاء من شخصية محترمة لديه ومحبوبة مثل “سوبر مان”، كيف ستواجه تربوياً هذا الموقف؟
دعني أقترح عليك شيئاً قد ينقذ الموقف إن كنت أباً أو أماً أو مربياً أو مسؤولاً عن أطفال يحبون شخصية “سوبر مان”، لا تنتظر حتى تقع في مثل هذا الموقف أو غيرها من المواقف التي ستجد نفسك فيها محاصراً بمحاولات العالم تسويق الشذوذ والمثلية عليك وعلى أبنائك، الوقاية خيرٌ من العلاج، فما الوقاية الممكنة؟
تكمن البداية، بحسب رأيي، في القيام بدورك كولي أمر تجاه توضيح بعض الأمور الجنسية المهمة للطفل منذ سنواته الأولى بالاستعانة بالمختصين، وإن كنت أعلم أن قلة قليلة فقط من المختصين تكلموا أو كتبوا في مجال التربية الجنسية للأطفال، فإن كنت تبحث عن مصدر لمساعدتك في تقديم المعرفة الجنسية السليمة للطفل قبل أن يتعرض لمواقف تسوق له الشذوذ والمثلية، فلن تجد مرجعاً عربياً في التربية الجنسية للأطفال أفضل من كتاب د. هبة حريري بعنوان “كيف تتحدث عن كل ما يخص الجنس مع الأبناء”، وهي بالمناسبة سعودية الجنسية، أكاديمية ومعالجة نفسية، ولها قناة “بودكاست”، وقناة في “يوتيوب”، تتناول فيهما مواضيع نفسية وتربوية مهمة جداً.
وفي كتابها، طرحت المعرفة الجنسية اللازم إيصالها للأطفال بشكل متدرج ومناسب لعمر الطفل واستعداده النفسي، فتبدأ بقصة نوح عليه السلام حين أمره الله تعالى بأن يحمل من كل زوجين اثنين؛ فيتعلم الطفل أن الكائنات تعيش في مجتمعاتها مقسمة إلى ذكر وأنثى، والله خلقهم هكذا للمحافظة على النوع وحتى تتكاثر الكائنات، إن مثل هذه المعرفة الأولية مهمة جداً لحماية الطفل من الانحراف في الفهم لاحقاً.
بعد أن تقوم بدورك في إيصال المعرفة الجنسية السليمة للطفل بالطريقة المناسبة للمرحلة العمرية التي يمر بها، لا ينبغي لك أن تمرر هذه المحاولات لضرب فطرة الإنسان والعودة بنا إلى أفعال قوم لوط عليه السلام دون تعليق أو احتجاج أو إنكار، بحجة الانفتاح وتقبل الآخر، أو بحجة أن هذا مخطط عالمي ولا حيلة لي في تغيير الواقع، فليكن لك دور حتى في التجمعات العائلية أو تجمعات الأصدقاء، فلربما يحتار كثير منهم في كيفية مواجهة مثل هذه الموجة التي تسوق الشذوذ بشكل علني.
إن الله عز وجل هو الذي جعل عاليها سافلها على رأس قوم لوط بما كسبت أيديهم، فهل تستغربون أن يطالنا العذاب حين نقبل بالسكوت عن فعل شنيع مثل تحريف الفطرة ونشر الشذوذ بين أبنائنا ونحن بكل بساطة نبرر أننا لا نملك من الأمر شيئاً، وأنها حبكة عالمية، وأنها قوة أكبر منا، أكبر من أن نصدح بقيمنا وثوابتنا، أكبر من أن يُسمح لنا أن نجرّم الجريمة الأخلاقية؟ فأين هي “الله أكبر” التي ترددها في صلواتك؟ أين هي “الله أكبر” التي تصدح بها المنابر خمس مرات في اليوم؟
الله أكبر من كل مخططاتهم نعم، ونحن لا نقبل تشويه فطرة أبنائنا ولن نسكت على ترويج الشذوذ والفاحشة، نبدأ من البيت ونرفع أصواتنا برفض الشذوذ في مجتمعنا المسلم، فهو انقلاب على فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها.
كما تقع مسؤولية كبيرة على المربين في المدارس والأندية ومراكز الأطفال لدعم دور الوالدين في المنزل ومساعدة الجيل الناشئ على التمسك بثوابته ودينه وفطرته؛ لأن الثمن الذي سيدفعه المجتمع من انتشار مثل هذا الشذوذ باهظ جداً، وسيخرج لنا جيل منزوع الهوية لا يستطيع أن يجابه التحديات العالمية، ومهما كانت وظيفتك ودورك في المجتمع لن تعدم الوسيلة لمحاربة هذه الموجة الهادرة، فكل من منبره، قادر على وضع لبنة في حائط السد الذي سيقف في وجه استهداف ثوابتنا وتشويه فطرة الناس.
لقد كرمنا الله تعالى بهذا الدين العظيم الذي يقدم الأجوبة الشافية لكل التساؤلات، فأظهر جمال هذا الدين لأبنائك، أخبرهم أن حياتهم مع الله سبحانه أجمل؛ لأنها توازن بين حاجات الروح والعقل والجسد، وأن خالق الإنسان هو الأعلم بحاجاته، وهو الوحيد القادر على توجيه حياته بالاتجاه الصحيح، لذلك لا ضير في أن تسأل ولا مشكلة في أن تتساءل، لكن ابحث أولاً في المصدر الأعظم للمعرفة، كتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودمتم في رعاية الرحمن الرحيم.
_______________________________________
(*) رئيسة الأمانة العامة للعمل النسائي بجمعية الإصلاح الاجتماعي.