كانت لحظات صعبة وعصيبة، أعد اللحظات لحظة بلحظة، وأحبس أنفاسي خائفة من تراجع الاحتلال الصهيوني عن موافقته على زيارة والدي الأسير القيادي في حركة “حماس” جمال الطويل، الذي خاض من أجل الإفراج عني الإضراب عن الطعام لمدة 29 يوماً متواصلة، على الرغم من ظروفه، مشترطاً على الاحتلال في فك إضرابه كذلك زيارتي له، وانتصرت إرادة والدي من خلال رضوخ الاحتلال الصهيوني لمطالبه بإنهاء الاعتقال الإداري الذي صدر بحقي وقضيت 11 شهراً بدل 24 شهراً، ثلاث ساعات ونصف ساعة هي المدة التي استغرقتها عملية نقلي لرؤية والدي من معتقل الدامون الذي أقبع فيه إلى معتقل بئر السبع حيث يقبع والدي داخل زنازين هذا المعتقل، حيث كان اللقاء بطعم الانتصار، وكأني لم أشاهد والدي منذ سنوات طويلة.
بهذه الكلمات، تحدثت الأسيرة المحررة والإعلامية بشرى الطويل لـ”المجتمع”، وفي هذا الحوار الشامل تسرد حكاية مقاومتها وصمودها، ومعاناة الأسيرات، وكيف خاض والدها القيادي في حركة “حماس” جمال الطويل أول تجربة إضراب لأسير فلسطيني عن الطعام من أجل الإفراج عن ابنته الوحيدة بشرى.
كما يسلط الحوار الضوء على الجوانب الإجرامية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني بحق الأسيرات من تعذيب ونزع للحجاب، وغذاء فاسد منتهي الصلاحية، وعن طموحها للاستمرار في خوض معركة الدفاع عن الأسرى.
والدي الأسير خاض إضراباً عن الطعام لمدة 29 يوماً للإفراج عني وانتصر على السجان الصهيوني
بداية، لو تحدثينا عنك وعن حياتك وأسرتك قبل الخوض في الكثير من محطات حياتك داخل معتقلات الاحتلال وخارجها؟
– بشرى جمال الطويل (28 عاماً)، أسيرة وإعلامية فلسطينية ومختصة في شؤون الأسرى، وأطمح في خدمة الأسرى والأسيرات، اعتقلت 5 مرات بما مجموعة 4 سنوات، أفرج عني في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، ثم أعيد اعتقالي أكثر من مرة، وأفرج عني آخر مرة في أكتوبر 2021، ومنذ عام 2011 والاحتلال يمنعني من السفر، كما قطعت السلطة الفلسطينية مخصصاتي المالية الشهرية التي كانت تصرف لي مثل أي أسير وأسيرة منذ عام 2017، وهذا الأمر مرفوض ويتعارض مع ما يقدمه الأسرى من تضحيات من أجل وطنهم، لماذا يقطع راتبي؟ واعتصمت للأسف بلا استجابة.
ماذا عن تجربة الأسر؟ وكيف تعيش الأسيرات داخل معتقلات الاحتلال؟
– الصمود والتحدي في وجه الاحتلال، هو عنوان الأسرى والأسيرات.
تجربة الأسر تكررت 5 مرات، وقضيت في هذه المراحل 4 سنوات، اعتقلت وكان عمري 17 عاماً، ولم أتوقع أن يكون هناك تكرار للاعتقالات، بعد الاعتقال زادت قوتي وثقتي بنفسي، الثبات على المواقف يؤذي العدو، خاصة في زنازين التحقيق والعزل الانفرادي، محاولة منهم على المساومات الباطلة، لنزع الاعترافات، أو التهديد والوعيد باعتقال العائلة كلها، تجربة الأسر تزيد الثقافة والهمة العالية، والاحتلال لا يرهبنا باعتقالاته، ثابتين واثقين من هذه الطريق، والطريق الذي سلكته هو الإعلام للتحدث عن معاناة شعبنا والأسيرات والأسرى.
الكثير من الفلسطينيات يخضن معركة الأسر، كيف ينعكس ذلك على حياة الأسيرة وعائلتها؟
– كانت هناك اعتقالات متكررة وبقينا في شموخ، والاعتقال إجباري ولا نطلبه، ما دمنا تحت احتلال فإننا معرضون لكل انتهاك وعدوان، هناك تضييق ومعيقات، بالإضافة ونحن داخل المعتقل أنا ووالدي يتم اقتحام منزلنا في مدينة البيرة وتهديد لإخوتي، ووالدتي كانت أسيرة سابقة داخل معتقلات الصهاينة، وأفرج عنها عام 2010 بعد أن أمضت عاماً كاملاً داخل معتقلات الاحتلال، وأيضاً كان اعتقالها ضغطاً على والدي لإبعاده عن المقاومة وحركة “حماس” ورئاسة بلدية البيرة، التي انتخب رئيساً لها عام 2005 وفاز فوزاً كاسحاً، لا توجد حرية رأي تعبير، فقد خلقنا أحراراً وتربينا أحراراً، حياة الأسر تعطيك قوة وثباتاً، وأنجزت داخل الأسر الكثير من القراءة، وأعطيت دورات متنوعة للأسيرات.
لآخر تجربة أسر فصولها ومعاناتها وتضحياتها خاصة من والدك الأسير جمال الطويل، لو تحدثينا عنها.
– الاعتقال الأخير كان مؤلماً جداً، وأحداثه صعبة، سواء كانت داخل الأسر أو خارجه، خاصة إضراب والدي عن الطعام من أجل إجبار الاحتلال على إنهاء اعتقالي الإداري، لم أتوقع أن يخوض والدي إضراباً عن الطعام كونه كبيراً في السن، وقضى داخل معتقلات الاحتلال 17 عاماً على مراحل، أرسلت لعائلتي قبل اعتقال والدي أنني إذا استمر الاعتقال الإداري بحقي سأخوض إضراباً عن الطعام، وكانت هناك نصائح بعدم خوض الإضراب عن الطعام، واعتقل والدي، ومباشرة خاض إضراباً عن الطعام، وبعد أيام من إضرابه علمت بذلك عبر وسائل الإعلام أنه مضرب عن الطعام للإفراج عن ابنته بشرى، وكان يتحدث للاحتلال أن لديه طلباً واحداً لا يريد التحدث بغيره: “أريد الإفراج عن بنتي الغالية بشرى”، وصراحة عندما علمت بذلك تألمت جداً، وكانت المشاعر ممزوجة بفخر واعتزاز وألم وقلق في آن واحد؛ لأني أعرف ماذا يعني الإضراب، وخاصة إن طال أمده.
الاحتلال يقدم للأسرى طعاماً فاسداً والأسيرات يتم نزع حجابهن وسحلهن
كيف كنت تشعرين طيلة خوض والدك إضراباً عن الطعام من أجل الإفراج عنك؟
– كنت خائفة، خاصة أن الاحتلال مجرم، ومن الممكن أن يطول الإضراب لأكثر من 40 يوماً، والاحتلال كان يدرك جيداً معنى إضراب أحد القيادات على أوضاع المعتقلات، وكان هناك 50 أسيراً يريد الإضراب نصرة لمعركة “الأمعاء الخاوية” التي يخوضها والدي، الإضراب استمر 29 يوماً، وفي هذا اليوم قرر والدي الامتناع عن تناول الماء، وأرغم الاحتلال على الرضوخ لمطالبه بإنهاء اعتقالي الإداري وتقصير مدة الاعتقال من 24 شهراً إلى 11 شهراً، والحرية كان لها لذة وانتصار، عام 2011 أفرج عني ضمن صفقة “وفاء الأحرار”، شعرت بلذة الانتصار أيضاً عندما حررت في أكتوبر عام 2021، شعرت بذلك رغم أنف العدو.
والدك الأسير اشترط لفك إضرابه كذلك رؤيتك، حدثينا عن هذه التجربة كيف حصلت؟
– والدي ممنوعة من زيارته حالياً، وزرته قبل الإفراج عني؛ لأنه كان من ضمن شروطه لفك الإضراب أن يراني قبل الإفراج عني، كان اللقاء بأبي لا يمكن وصفه، مهما تحدثت لا أستطيع أن أصف تلك اللحظات، لم أتوقع أن أراه، وهذا عدو نتوقع منه كل شيء، وانتصرنا على الاحتلال، ورأيته في زنازين بئر السبع، ولم أقابله منذ سنوات بهذه الطريقة، قبل أن أقابله كنت أعد الوقت بالثانية قبل اللقاء، تم تحميلي بالبوسطة وهي التي تنقل الأسرى من سجن الدامون الخاص بالأسيرات، لمعتقل بئر السبع حيث يقبع والدي، واستمرت الرحلة 3 ساعات ونصف ساعة، كانت طويلة في عمر الزمن، وكنت أتوقع كل شيء من الاحتلال، ورؤيته كانت آخر احتمال، والدي معتقل منذ 8 أشهر إدارياً، بدأت رحله الاعتقال في ثمانينيات القرن الماضي، وأمضى 17 عاماً في الزنازين وعمره 59 عاماً.
ماذا عن معاناة الأسيرات والأسرى داخل معتقلات الاحتلال؟
– تجربة الأسيرات في المعتقلات مريرة من قمع وجرائم، تعرضت أنا للقمع، كان يتم الإمساك بالأسيرة من رقبتها وسحلها، كدمات وضرب ونزع حجاب، والأسيرات مباشرة يرتدينه بشكل سريع، والتهديد برش الغاز، وهناك أسيرات مسنات، ويعانين من الأمراض، والضرب والتنكيل، وعزل ممثلة الأسيرات وإبعادها عن القسم، كل هذه الأمور رُفضت وخضنا نضالاً من أجلها، لقد تجاوز الاحتلال كل الخطوط الحمراء من قوانين ومواثيق دولية، لا خصوصية للأسيرات، رحلة مضايقات في الأعياد والصلاة، وفي شهر رمضان المبارك ممنوع الإفطار والصلاة الجماعية في محاولة للضغط على الأسيرات.
ماذا عن حياة الأسيرات من مشرب ومأكل وملابس داخل معتقلات الاحتلال؟
– هناك تقليص في الملابس على الرغم من حاجة الأسيرات لها، والأسيرات يواصلن صمودهن، والشتاء في معتقل الدامون معاناة متفاقمة في ظل البرد القارس ونقص في الأغطية، وانعدام التدفئة، والطعام لا يصلح للاستهلاك الآدمي، كثير من الأشياء تحدث، على سبيل المثال المعلبات الغذائية يوجد بها عفن ومنتهية الصلاحية، وكنا نرجع الطعام الفاسد، ونحن بشر لا يمكن القبول بذلك، الوجبات الغذائية كارثية لا نعلم ما مكوناتها ولا كيف يتم طبخها وحتى الطعام غير ناضج ونقوم بإتلافه.