حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم جديرة بكل حفاوة، وحقيقة بكل تقدير، فقد جعله الله تعالى لنا أسوة، ونصبه للعالم إماماً وقدوة، فبقدر اتباعك له يكون توفيقك، وصلاح أمرك، وفلاح مردك، فهيا بنا نغوص في حياته، ونجول في صفاته، لنقطف من كل بستان من شمائله زهرة، ونستلهم من كل موقف من مواقفه عبرة، وليكن التركيز في هذا المقال على جانب من أخلاقه قلَّ من يعلمه، وقـلَّ من يتمثله، ألا وهو مراعاة أحاسيس الناس، وجبر خاطرهم والعناية بمشاعرهم الذي ينشأ دائماً عن ذوق رفيع ونفس طيبة، قال تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159).
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم تحلى بأحسن الأخلاق، وتجمل بمحاسن الشيم، بل هو في ذلك المثل الأعلى، والقدوة الحسنة، ولا سيما في مراعاة المشاعر وسيرته بذلك ناطقة.
فإذا كان نبي الله يوسف عليه السلام قد عُرف بمراعاة مشاعر إخوانه في مواضع من قصته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم راعى أحاسيسَ الجميع رجالاً ونساءً، أصدقاء وأعداء!
فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يَتَنَاجَ اثنانِ دون الثالث، إن ذلك يحزنه».
يا الله، ما أجمل هذا التعليل! وما أحسن هذا الخُلُق!
وصدق الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} (المجادلة: 10).
ويرى النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة في المنام أنه دخل الجنة ومرَّ بقصر جميل، وسأل: «لمن هذا القصر؟»، فقيلَ له: إنه لعمر، قال: «فأردت أن أنظر فيه، فرأيت امرأة بجانبه»، قال: «فذكرت غيرة عمر»!
الله الله! حتى في المنام يراعي أحاسيسَ أصحابه ومشاعر إخوانه.
ويسمعُ بكاءَ الصبي في الصلاة فيوجزها ويقول: «شفقةً على أمه»، وفي رواية: «من شدة وجد أمه»! سبحان الله! ما أحسن خُلُقه وأطيب نفسه!
ويأتي عكرمةُ ابنُ أبي جهل مسلماً وهو الذي أمضى جل حياته في عداء شديد مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعارضة لدينه، فيقول: «بأبي هو وأمي، إن عكرمةَ ابنَ أبي جهل سيأتي تائباً مسلماً فلا تذكروا أباه بسوء»! فأي إحساس مرهف يملكه النبي صلى الله عليه وسلم؟! وأي أخلاق عالية هذه؟!
ثم يعمم جبر الخواطر ومراعاة المشاعر بقوله: «أحب العمل إلى الله سرور تدخله على مسلم».
وأمر بالتعزية جبراً للخواطر.
وأمر بعيادة المريض جبراً للخواطر.
وأمر بالإنفاق جبراً للخواطر.
وقال: «من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا»، إنها حراسة المشاعر ورعاية الذوق العام.
ونهى عن النظر إلى المجذوم؛ مراعاة للمشاعر وجبراً للخواطر.
هذه أخلاقه، صلوات ربي وسلامه عليه، وأخلاق أصحابه من بعده والسلف الصالح، وإن فيهم لكل مسلم والله لقدوة، خاصة في زمان ساءت فيه الأخلاقُ، وضعفت فيه الهمم، وفسد ذوقُ الناس وفطرتهم، حتى أصبح التلذذ بمصائب الناس كثيراً، والفظاظة في القول والفعل تنتشر انتشاراً خطيراً.
ولا دواء لتلك الأخلاق السيئة من فظاظة وغلظة وفساد الذوق إلا بالرجوع التام لأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وهديه الأكمل.
من أحسن منه أخلاقاً؟
من ألين منه جانباً؟
من ألطف منه في جبر الخواطر؟
وتراه في جبر الخواطر ساعياً
وفؤادهُ متصدع مكسورُ!
نسأل الله أن يمسكنا بسُنته حتى نلقاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو مجلس الأمناء للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام