ارتفعت، في الآونة الأخيرة، وتيرة إقبال دول عربية على إعادة علاقاتها مع نظام بشار الأسد، فيما يبدو كأنه إطار تطبيع متسارع، خصوصاً بعد زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لواشنطن، في أكتوبر الماضي، فيما سبقه وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد.
مصر هي الأخرى لم تتأخر عن الركب العربي، في اختبار فرص التواصل مع النظام السوري، إذ يبدو أنَّ بشار الأسد، الذي نبذته العواصم العربية في السابق، قد نجا من الحرب الأهلية التي استمرت 11 عاماً، وتعتقد العديد من الدول العربية أنه يجب أن يكون هناك ثقل عربي موازن للنفوذ الإيراني في دمشق.
قال وزير البترول المصري طارق الملا، لموقع “Al-Monitor”، خلال زيارة لواشنطن، الشهر الماضي: إنَّ مصر تسعى للحصول على “تصريح مناسب” من إدارة بايدن؛ حتى تتمكن من إمداد لبنان المتعطش إلى الطاقة، بالغاز الطبيعي دون تعريض نفسها لعقوبات تستهدف الحكومة السورية والجهات المستفيدة منها.
وتسعى القاهرة أيضاً إلى التقارب مع سوريا من خلال النقابات العمالية. ففي الواقع، زارت عدة وفود نقابية عمالية سورية مصر خلال الأشهر الماضية.
النقابات بوابة التطبيع المصري
في 24 ديسمبر 2021، زار مصر وفدٌ من الاتحاد السوري لنقابات عمال الطباعة والثقافة والإعلام والتعليم.
وقال مجدي البدوي، رئيس نقابات الصحافة والطباعة والإعلام والثقافة والآثار بمصر، في بيان صحفي بتاريخ 24 ديسمبر: “إنَّ عمال مصر يدعمون بالكامل العمال السوريين في مواجهة التحديات والحصار الاقتصادي الجائر والإرهاب والعدوان على الأراضي السورية، وانعكاسات جائحة فيروس كورونا المستجد”.
وخلال زيارة للقاهرة، في 1 نوفمبر الماضي، وقَّع وفد نقابي عمالي سوري بروتوكول تعاون مع الاتحاد المصري العام للصناعات الغذائية نص على استمرار برنامج الزيارات المتبادلة والتنسيق والتعاون الاقتصادي المشترك والتحضير لبرامج تدريبية مشتركة، ودورات في محاولة لتبادل الخبرات بين العاملين المصريين والسوريين.
وفي 11 نوفمبر، التقى وفد نقابي سوري برئاسة محمد غسان رسول، رئيس اتحاد عمال النقل في سوريا، خلال زيارته للقاهرة، رئيس النقابة المصرية العامة للنقل البحري حسام الدين مصطفى، الذي أكد أنَّ “العلاقات مع النقابات العمالية في سورية لم ولن تتوقف تحت أي ظرف سياسي”.
وقال: “على المستوى النقابي، هناك تواصل مستمر وتعاون مشترك وتبادل للخبرات بين الجانبين”.
والتقى هاني ضاحي، نقيب المهندسين المصريين، ووفد من اتحاد المهندسين العرب، في 18 ديسمبر، الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق؛ لمناقشة أوجه التعاون المشترك ومقترحات إعادة الإعمار المختلفة لسورية، حسبما أفاد بيان صادر عن نقابة المهندسين المصرية.
إضافة إلى ذلك، حرصت الوفود النقابية العمالية المصرية على زيارة دمشق، في يوليو التقى جمال القادري، رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال السوريين، في دمشق، وفداً نقابياً مصرياً يضم نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، خالد الفقي.
وفي يوليو، زار وفد عمالي مصري برئاسة جبالي المراغي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، سورية والتقى نظيره السوري جمال القادري.
وقال المراغي، في بيان صدر في يونيو: إنَّ “سورية كانت حاضنة للعمل النقابي العربي المشترك، وكان العمال السوريون والمصريون يتَّحدون في العمل ونفس الأهداف والمشروعات الاقتصادية المشتركة”.
واتخذت القاهرة عدة خطوات لإعادة العلاقات مع سورية على المستوى الدبلوماسي.
في 24 سبتمبر، أعلنت وزارة الخارجية المصرية لقاء الوزير المصري سامح شكري مع نظيره السوري فيصل المقداد.
اللقاءات الأمنية مستمرة
وفي المجال الأمني، شارك مدير المخابرات العامة السورية حسام لوقا، في منتدى المخابرات العربي الذي عُقِد بالقاهرة، في 13 نوفمبر، بمشاركة عدد من رؤساء المخابرات العربية وبحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وفي 22 ديسمبر 2018، سافر رئيس جهاز الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك إلى القاهرة في زيارة رسمية؛ حيث التقى نائبَ رئيس جهاز الأمن الوطني في مصر اللواء خالد فوزي.
وقال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، لموقع “Al-Monitor”: “أعطت الحكومة المصرية النقابات العمالية المصرية الضوء الأخضر للسعي إلى التقارب مع نظيراتها في سورية”.
وأضاف: “إنَّ التقارب والزيارات المتبادلة بين نقابات العمال المصرية والسورية- خاصة في المجالين التجاري والاقتصادي- يعكسان شكلاً من أشكال التقارب الاقتصادي بين البلدين”.
وتابع فهمي أنَّ “مصر تريد إعادة العلاقات الكاملة مع سورية سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني أو السياسي، فضلاً عن مساعي الأردن ومصر والإمارات لإعادة سورية إلى الحظيرة العربية ودعم سورية اقتصادياً رغم معارضة بعض الدول؛ ومنها السعودية وقطر”.
وأشار إلى أنَّ “التعاون بين مصر و سورية لإيصال الغاز الطبيعي إلى لبنان بموافقة أمريكية وإعفاء مصر من العقوبات الأمريكية وقانون قيصر، يمكن أن يسهل استئناف العلاقات الاقتصادية والتجارية الرسمية بين الحكومتين المصرية والسورية”.
دلالات التطبيع مع نظام الأسد
من الواضح أن عملية التطبيع مع نظام الأسد بقيت خياراً حاضراً ضمن أجندات بعض الدول العربية، تنتظر الفرصة المواتية لتفعيلها، حيث قامت كل من الإمارات والبحرين بفتح سفارتيهما في دمشق، لتنضما إلى مجموعة من الدول العربية التي لم تغلق سفاراتها أساساً، مثل مصر والأردن والعراق وعمان والجزائر.
لكن مسار قطار التطبيع ظل مرتبطاً بالمواقف والتفاهمات الدولية حيال القضية السورية، وبسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، خصوصاً بعد قانون قيصر، الذي انتظر منه السوريون الكثير على صعيد إبقاء الدول على مسافة من النظام السوري، وكف يد إيران عن التدخل السافر في سورية.
بينما تبدو إدارة الرئيس جو بايدن متجهة نحو تطبيق استثناءات قانون قيصر قبل تفعيلها للقانون نفسه عملياً، فقد منحت كلاً من الأردن ولبنان استثناءات مهمة، بذريعة حل أزمات لبنان المستفحلة، خاصة في مجال الطاقة، وبهدف تقديم عوائد وفوائد مالية واقتصادية إلى الأردن، الذي يبحث عن حلول لتدهور أوضاعه الاقتصادية والمعيشية، نتيجة الأزمات الخانقة التي تعصف به، بحسب تحليل لوكالة “الأناضول” التركية.
تباين خليجي من التطبيع مع الأسد
انخرطت دول الخليج في المسألة السورية منذ الأيام الأولى للثورة السورية، بعد أن اختار بشار الأسد مواجهة الاحتجاجات الشعبية بالنار والقتل والتعذيب والترهيب، وكان لها دور مؤثر فاعل على الساحة السورية، اعتراه الضعف بعد الخلافات الخليجية، ثم تضاءل مع التدخل العسكري الروسي في سورية.
تحتفظ دول الخليج بوزن سياسي واقتصادي حيوي، وتتمتع بعلاقات متينة مع الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وبالدول الأوروبية، والدول الفاعلة على الساحة الدولية، مما يتيح لها لعب دور سياسي فاعل يسهم في حل مشكلات المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية.
لكن، وعلى الرغم من امتلاك دول الخليج أوراق ضغط عديدة تؤهلها لممارسة دور سياسي نشط، من خلال الدفع باتجاه تفعيل الحل السياسي في سورية، فإن الخلافات البينية، وغياب إستراتيجية موحدة تجاه القضية السورية، وتباين المواقف تجاه إيران، أسباب مجتمعة جعلت الدور الخليجي معطَّلاً مشلولاً، مقتصراً على الجانب الإنساني فقط.
ما موقف الولايات المتحدة؟
تعتمد الإستراتيجية الأمريكية في سورية بالدرجة الأساسية على ما تسميه محاربة التنظيمات الإرهابية، لأجل ذلك لم ترَ واشنطن بأساً في عقد حلف إستراتيجي مع مليشيات “PYD”، الفرع السوري لمنظمة “PPK” الانفصالية، هذا أولاً.
وتسعى ثانياً، إلى خفض التوتر، ومنع الحسم العسكري، ووقف الاشتباك بين الأطراف المتصارعة، وفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية.
وثالثاً، منع فتح ملف الإعمار إلا بعد الشروع في حل سياسي، لذلك باءت جميع محاولات الروس الرامية إلى فتح هذا الملف بالفشل.
ورابعاً، اصطدمت محاولات بعض الدول الخليجية بالتطبيع الاقتصادي مع نظام الأسد بـ”الفيتو” الأمريكي.
ماذا ترى الدول الأوروبية؟
أما الموقف الأوروبي تجاه مسألة التطبيع مع نظام الأسد، فهو واضح وثابت إلى حد كبير، وهو يربط إعادة الإعمار وإعادة العلاقات الدبلوماسية، بالحل السياسي في سورية، وهو بذلك يتماهى بشكل شبه تام مع الموقف الأمريكي.
في المحصلة يبدو أن إدارة بايدن تؤيد تطبيعاً إقليمياً مع نظام بشار الأسد، لذلك لم تبدِ معارضة تجاه الاندفاع العربي نحو تطبيع العلاقات مع دمشق، والذي ارتفعت وتيرته مؤخراً.
فرنسا بوريس جونسون بريطانيا
بل إن بايدن أعطى تأكيدات صريحة بأنه لن يُعاقب المُطبِّعين مع نظام الأسد بموجب “قانون قيصر”، بحجة أن 10 سنوات من العزلة والضغط على الأسد لم تسفر عن أي تقدُّم في التسوية السياسية، فيما أدت العقوبات إلى تفاقم معاناة السوريين، وأن “الانخراط العربي يمكن أن يُضعف القوة الإيرانية في سورية”.
ثمة سعي حثيث من طرف إدارة بايدن نحو ترتيب عملية (سياسية) جديدة في سورية، وشرق الفرات على وجه الخصوص، تجلَّى ذلك بوضوح من خلال حفاوة استقبال الأمريكان لوفد “قسد” برئاسة إلهام أحمد، مقابل تجاهل شبه تام لوفد المعارضة السورية، المشكَّلة من الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض.
وبهذا السياق ربما تذهب واشنطن لجهة التعامل مع بعض الشخصيات داخل نظام الأسد، ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، مقابل الضغط على النظام لكي يتخلص من عناصره الذين ارتكبوا جرائم حرب.