في خطوة مفاجئة، وقعت الحكومة الفرنسية شهادة وفاة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ومن ثم عدم التعامل معه، وذلك بعد نحو 19 سنة من الشراكة، وهو القرار الذي قوبل برفض واستهجان من قبل هذا المجلس، الذي يرأسه الفرنسي من أصل مغربي، محمد موسوي.
توقيع القرار من قبل وزير الداخلية الفرنسي
القرار أعلنه وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، في حصة يبثها بالشراكة كل من راديو وتلفزيون لوكسمبورغ “آر تي آل” وقناة “آل سي إي” وصحيفة “لوفيغارو” الفرنسيين. وقال المسؤول الفرنسي: “لقد مات المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية، التمثيل القنصلي للإسلام ـ المغربي والجزائري. لم يعد المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، موجودا بالنسبة للسلطات الفرنسية، لم يعد هو الممثل للجالية المسلمة بالنسبة للجمهورية”.
القرار قوبل بالرفض من قبل المجلس، الذي أصدر بيانا هاجم فيه وزير الداخلية الفرنسي: “هذا التصريح غير مقبول، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون”، وقدّر البيان بأن قرارا من هذا القبيل، لا يمكن أن يحسم فيه وزير في رد على سؤال صحفي.
مجلس الديانات يرفض القرار
وأوضح مجلس الديانة في البيان الذي وقعه رئيسه محمد موسوي، أنه لم يتلق إخطارا بهذا القرار، واعتبر الأمر معيبا في تعامل السلطات العمومية مع هيئة تمثيلية للدين الإسلامي، وشدد على أن المجلس سيبقى ممثلا للديانة الإسلامية أمام مختلف اللجان الوطنية والأوروبية، وكذا بقية الديانات الأخرى، وسيستمر في التواصل مع السلطات العمومية في القضايا التي تهم الديانة الإسلامية، والاحتفاليات الرسمية، وفق البيان.
هذا وقد توالت ردود الأفعال الغاضبة في أوساط الجالية المسلمة في فرنسا، بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أيام عزم بلاده على تشكيل منتدى الإسلاملي عوض المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية الناشط منذ عشرين سنة.
غير أن السلطات الفرنسية تعتبره اليوم غير قادر على تمثيل الإسلام الذي تريده ووجب تعويضه بهيكل آخر يتماشى ونظرتها المغايرة للإسلام.
قرار مستفز اعتبرته عديد الجمعيات الاسلامية ورجال الدين في فرنسا ولا يرى فيه البعض غير خلفية سياسية قبيل الانتخابات الرئاسية بشهرين يسعى من خلالها ماكرون إلى استمالة الخزان الانتخابي لليمين المتطرف المعروف بمعاداته للمهاجرين والإسلام.
الحريات الشخصية لمسلمي فرنسا
وقال أستاذ الجغرافيا والعلوم السياسية عماد الدين الحمروني:”هذا الأمر موجه بالتحديد لتضييق على الحريات الشخصية لمسلمي فرنسا وهذا ما تراه اكثر جمعيات ومؤسسات الإسلامية هنا في فرنسا وهذا القانون في حقيقته يخدم الحملة الإنتخابية الرئاسية القادمة لسيد إيمانويل ماكرون”.
في المقابل تحذر جمعيات اسلامية أخرى من خطر الوقوع في شراك استفزازات السلطات الفرنسية وتدعو إلى انتهاج لغة العقل والحوار .
بدوره قال رئيس منظمة مسلمي فرنسا غالب بالشيخ:” الحوار يجب ان يكون مبني على نقاط موضوعية بكل برودة أعصاب وبكل حكمة ودراية وكفائة على المسؤولين ورؤساء الجمعيات وائمة المساجد ان يتحلوا بصفتين، الأولى ان يكونوا احسن سفراء لدينهم وحضارتهم”.
يبدو أن الجالية المسلمة في فرنسا ستلعب دورا حاسما في تحديد نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة وتعمل مختلف الأحزاب على توجيه رأيها سواء بالإستمالة أوالاستهداف.
ومعلوم أن مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا، تم إنشاءه في عام 2003، ويضم مختلف فدراليات المساجد، غير أنه دخل في أزمة صراعات، منذ إعلان الحكومة الفرنسية عن رغبتها في إنشاء ميثاق مبادئ للإسلام في فرنسا، يحظر تدخل الدول الأجنبية (…) في إدارة الشأن الإسلامي في فرنسا، وكذا سعي باريس إلى قولبة الإسلام بما يتماشى وحساباتها السياسية، وهو الميثاق الذي تم رفضه من قبل بعض الفدراليات، قبل أن تنسحب من المجلس.
ويأتي القرار المفاجئ للسلطات الفرنسية، بعد نجاح مسجد باريس الكبير، الذي يرأسه الجزائري شمس الدين حفيظ، وثلاث منظمات إسلامية فرنسية في انتخاب “المجلس الوطني للأئمة”، وذلك بالرغم من رفض المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.
ووصف الإنجاز الذي حققه مسجد باريس بـ”التاريخي” حينها، واعتبر تحد ناجح للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي عبّر عن رفضه لهذه الخطوة، التي سحبت منه إمكانية تنصيب مجلس مواز في 12 ديسمبر الجاري، وقد حاول عرقلة تنصيب المجلس المنتخب، عن طريق العدالة، غير أنه فشل.
المجلس يعيش لحظة عصيبة
هذا وقد قالت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية إن هذه الفترة حاسمة بالنسبة للإسلام في فرنسا، بعد أن أصبح المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية على وشك التفكك لصالح هيئة جديدة كالنموذج الألماني، تسمى “منتدى الإسلام الفرنسي” قد تعلنها الحكومة الأسبوع المقبل.
وأوضحت الصحيفة -في تحقيق بقلم جان ماري غينوا- أن المجلس الذي يعيش لحظة عصيبة كان من المقرر أن يتولى قيادته الرئيس الحالي لمسجد باريس شمس الدين حافظ يوم 20 يناير/كانون الثاني الحالي، مع أنه كان في حالة تمرد على التنظيم منذ عام، بسبب مشروع ميثاق لإمام المجلس يراه محبا للإسلام، ولكنه ليس جمهوريا بدرجة كافية.
وفي هذا السياق، يقول كامل قبطان -رئيس جامع ليون الكبير وأحد مؤسسي المجلس- إن “القول إن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية مات ليس من دور الدولة، وهو متروك للمسلمين لقول ذلك. المنتدى اكتشف أشخاصا جيدين، وهذه بداية جيدة لمديري المستقبل”، ولكنه يحذر من أن الاعتراف يحتاج إلى تمثيل حقيقي، مما يعني أنه “عاجلا أم آجلا سيتعين على كل دائرة انتخاب ممثليها”.
ويقول الباحث والمرجع في المركز الفرنسي للبحث العلمي فرانك فريغوسي إن “اختفاء المجلس يناسب الجميع، لكنه لا يحل المشكلة، وتأثير الإعلان عن إنشاء المنتدى لن يمحو شكوك العديد من المساجد التي لم تلتزم بالمجلس ولا الشباب المسلم الذي يرفض التبعية التي تريدها الحكومة للمسلمين”.
وانتهى الكاتب إلى أن هناك خطرا آخر أشار إليه حكيم القروي، الذي يدعو إلى إسلام فرنسي، عندما قال إن “الإعلان عن وفاة المجلس إذا كان أمرا جيدا، فلا ينبغي مع المنتدى تكرار خطأ البحث عن “شرعية الممثلين، لأنه لن يكون هناك إجماع على من يمثل الإسلام في فرنسا”.