شركة “توتال” الفرنسية، رابع أكبر شركات التنقيب واستخراج النفط والغاز، هي أكبر ممول للنظام العسكري الحاكم في دولة ميانمار، وتشاركها زميلتها شركة “شيفرون” الأمريكية عملاق الطاقة، وبحسب ما ذكره جون ميدلي، في كتابه “نهب الفقراء”؛ فإن الحكومة الفرنسية حالت دون تطبيق العقوبات على النظام العسكري.
وما ذكره ميدلي منذ أكثر من 10 سنوات عن تأثير شركة “توتال” ما زال قائماً؛ فمؤخراً سحبت الشركة حملتها الدعائية مدفوعة الأجر لجريدة “لوموند” الفرنسية، بعد إجراء الجريدة تحقيقاً كشف علاقة الشراكة بين شركة “توتال” والنظام العسكري الحالي في ميانمار.
علاقة شراكة مصلحية بين الشركات عابرة القارات وحكومات بلادها من جهة، وحكومات الدول النامية، وهذه العلاقة هي امتداد لحقبة الاحتلال المباشر، لكن بوجه حداثي بين المحتل القديم ووكلائه الوطنيين الجدد.
وقد عرف عسكر ميانمار قواعد اللعبة، ومارسوها باحتراف؛ فضعوا أيديهم بقوة السلاح على موارد بلادهم الغنية بالنفط والغاز، وسيطروا على مفاصل الدولة الاقتصادية، وأهمها قطاعات النفط والغاز والاتصالات والغذاء والتشييد والبناء، من خلال شركاتهم هم والمتعاونين معهم.
ثم بنوا علاقات شراكة مع الشركات العملاقة عابرة القارات، الممثِلة للمصالح الغربية، وأجادوا اللعب على تناقضات المصالح الدولية بين الغرب المستفيد من الموارد وصفقات السلاح، وبين الجيران في الصين والهند وروسيا المتربصين للدخول من ثغرة أي فراغ أوروبي.
وكلا المعسكرين الغربي والشرقي المتنازعين على غنيمة الدول المتخلفة، يفضل التعامل مع أنظمة دكتاتورية متحكمة في مفاصل الدولة، تضع شعبها تحت السيطرة، وتعلو فوق المحاسبة، بحيث يتقاسمون معها في صمت وهدوء غنيمة ثروات البلاد المنكوبة.
ومن هنا نستطيع أن نفهم هدوء عاصفة الانتقادات الدولية التي تلت انقلاب العسكر على الرئيسة المنتخبة أونغ سان سو كي، وإيداعها ورفاقها في السجن، وما رافق ذلك من قمع وحشي للمتظاهرين.
وبعد نسمة الديمقراطية العابرة، عاد الشعب بقوة السلاح مرة أخرى تحت السيطرة، وعوام الشعب سكارى على أنغام الأناشيد الوطنية، وشعارات العسكر حامي حمى الوطن، ومخلصه من رئيسته التي أفشت أسرار الوطن! مثلما خلَّصَه من قبل من مظاهرات الرهبان البوذيين حفاظاً على علمانية الدولة، وخلصه من الإرهابيين المسلمين (الروهنجيا)، وطردهم خارج البلاد.
والفئة الباكية على الديمقراطية، كانت بالأمس في موقف المتفرج على قمع الرهبان حفاظاً على علمانية الدولة، وشاركوا مع رئيستهم في دعم العسكر في حملات إبادة المسلمين، واليوم يذوقون من نفس الكأس، فالإنسان ما زال لم يرتقِ لتعلُم حكمة الثور الأبيض الذي اكتشف أنه أُكِل يوم سكت عن قتل أخيه الثور الأسود.
وسيظل شعب ميانمار يشرب بظهر الملعقة، ما دام مشغولاً بمعاركه الوهمية، ومنتشياً باستقواء العسكر على إخوانه من المسلمين الروهنجيا، وغافلاً عن قواعد لعبة “عسكر وحرامية”.