بمبضع الجراح الحاذق يلقي د. جاسم المهلهل الياسين الضوء على بناء الأسرة المسلمة في ظلال الكتاب والسُّنة، مبيناً في سلسلة من المقالات القواعد التي يجب أن يلتزم بها كل من أراد أن يبني أسرته على الإسلام، وكانت “المجتمع” قد نشرت هذه السلسلة في عام 1995، ولأهمية هذه المقالات نعيد نشرها.
إن الإسلام دين يحث على بناء الأسرة ويقرر تبعة المؤمن في أسرته، وواجبه في بيته، والبيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة، وهو الخلايا التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي.
المجتمع الإسلامي
إن البيت الواحد قلعة من قلاع الإسلام، ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها، وواجب المؤمن أن يؤمّن هذه القلعة من داخلها، وأن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيداً، ولا بد من الأم المسلمة، فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة، لا بد من أب وأم ليقوما كذلك على الأبناء والبنات، وهذا عرض موجز لنظام الأسرة المسلمة في ضوء الكتاب والسُّنة.
لم يعرف العالم نظاماً للأسرة أسعد من النظام الإسلامي، وإليه يرجع الفضل في بناء الأمة الإسلامية واستعصائها على الفناء، رغم ما قاسته من نوازل وخطوب، وما زالت الأسرة المسلمة حتى اليوم تؤدي واجبها في المجتمع تثبت دعائمه، وتقوي بنيانه، شاهدة على صدق الرسالة المحمدية، وإصلاحها للحياة في كل زمان ومكان.
وفي هذا العصر يشتد الهجوم على الإسلام ديناً بعد نجاح أعدائه في حربه دنيا، إن نجاحهم في تمزيق كتلته، وتوهين قوته، وخفض رايته، أغراهم بالهجوم عليه وطعنه عقيدة وشريعة.
الهجوم على الأسرة
وكان نظام الأسرة في الإسلام هدفاً لطعن خبيث وهجوم دائب، هذا يشنع على إباحة تعدد الزوجات ويستنكره، وآخر يستفظع إباحة الطلاق ويستهوله، وهذه تصرخ من تقرير قوامة الرجل وتفزع، وأخرى ترفض الحجاب الإسلامي، وتقول: رجعية وجمود، وليعلم الكارهون لهذا النظام الناقمون عليه أنهم يحاولون عبثاً ويطلبون محالاً، حين يتوهمون أن من الممكن أن تفقد الأسرة المسلمة كيانها، وأن تنبذ الأمة الإسلامية نظامها، وتنقض عهدها، فإن هذه الأمة قد جربت هذا النظام قروناً عديدة، وعاشت به أجيالاً سعيدة، وما زالت معجبة به متحمسة له، ترى غيره من الأنظمة باطلاً، وتشاهد من مآسي الأمم والشعوب الأخرى ما تحمد به نظامها، وتمسك به! بل إن محاولة تطبيق نظام غيره في هذه الأمة لا تفلح، ولو صارت قانوناً نافذاً، وأمراً واقعاً، والشواهد على ذلك في تلك الدول التي فرضت أنظمة مسخت بها النظام الإسلامي للأسرة، فما يزال سواد الشعب هناك ينفذ قواعد الإسلام للأسرة، ويحرص عليها، رغم نبذ تلك الدول لها.
فإن الأسرة التي ينشدها التشريع الإسلامي في الأسرة الطيبة، التي تكون نواة المجتمع الطيب الذي يقوم على أسس قوية من الكتاب والسُّنة، ويؤسس على الإيمان والحب في الله والتواد والتراحم، وإخلاص النوايا وغرس القيم الدينية وآداب التربية الشرعية التي نص عليها الكتاب، وبينتها السُّنة المطهرة، لقد حث الإسلام على بناء الأسرة المسلمة ودعا الناس إلى أن يعيشوا في ظلالها، إذ هي الصورة المثلى للحياة المطمئنة التي تلبي رغائب الإنسان وتفي بحاجات وجوده، ولهذا وضع التشريع الإسلامي قواعده التنظيمية في بناء الأسرة ونوجز في ذكر تلك القواعد:
القاعدة الأولى: النهي عن زواج المسلم بمشركة: قال الله تعالى: (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ) (البقرة: 221)، وذلك لأن الحياة الزوجية حالة امتزاج واندماج واستقرار، ولا يمكن أن تقوم إذا انقطعت العقيدة والإيمان، وهما قوام حياة القلب الذي لا تقوم مقامه عاطفة.
القاعدة الثانية: إباحة زواج الكتابيات: قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة: 5)، ونقول: لا يتزوج المسلم بالكتابيات إلا إذا دعت المصلحة إلى الزواج بهن، لِما في ذلك من أضرار اجتماعية قد تلحق الأمة الإسلامية، ونحن نرى اليوم أن هذه الزيجات شر على البيت المسلم والأسرة من الداخل، فالذي لا يمكن إنكاره واقعياً أن الزوجة اليهودية أو النصرانية تصبغ بيتها وأطفالها بصبغتها، وتُخرج جيلاً أبعد ما يكون عن الإسلام.. وبخاصة في هذا العصر الجاهلي الذي نعيش فيه، الذي لا يمسك من الإسلام إلا بخيوط واهية!
القاعدة الثالثة: حرية المرأة في اختيار الزوج: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تنكح الأیم حتى تستأمر” (رواه البخاري) فالتشريع الإسلامي يمنع إكراه البالغة على النكاح بكراً كانت أو ثيباً، وكم للإكراه من بلايا وعواقب وخيمة، وخير شاهد على ذلك قصر العدل هنا!