شهدت مدينة إسطنبول مؤخراً فعاليات مؤتمر “شباب التغيير” تحت شعار “عقد من النضال وخطوة نحو المستقبل”، على مدار 3 أيام، للحديث عن حراك الشعوب في بلدان “الربيع العربي” بعد أكثر من عقد على انطلاقتها.
وشارك في المؤتمر شخصيات سياسية وثورية وهيئات ومنظمات عربية لبحث مستقبل وفرص التغيير في الوطن العربي والتحديات التي يواجهها، وكذلك مسيرة الثورات العربية والعقبات التي واجهتها ومآلات التغيير، إضافة إلى التفاعلات الدولية والداخلية، وقدرة الشباب العربي على كسر حواجز الخوف والوعي الشعبي بأبعاد الثورات.
الأمل في الشعوب
بداية، أكد رئيس المؤتمر رئيس مؤسسة ميدان، السياسي والبرلماني المصري رضا فهمي، أن مرور 10 سنوات قاسية على “الربيع العربي” غيرت الكثير، وجعلت الشعوب توقن أكثر بعدالة قضيتها بعد توحش الثورات المضادة في محيطنا العربي، التي حولت حياة الناس إلى جحيم؛ ولكنها لم تمنع من انطلاق موجات ثورية جديدة، حيث أدرك الشباب العربي أن كُلفة القيام بثورة أقل بكثير من العيش في ظل أنظمة استبدادية قمعية.
وأوضح فهمي أن الرهان على الشعوب هو الأمل لصناعة مستقبل المنطقة العربية، داعياً إلى رؤية الأمل الكامن في نفوس الشعوب الإسلامية، لافتاً إلى معركة “سيف القدس” التي أكدت تدهور سيطرة الغرب ومعه تراجع الكيان الصهيوني، وتأكيد بدء صعود الأمة الإسلامية مستقبلاً لأنها مؤهلة لتشكيل بديل حقيقي للغرب عندما تنتصر شعوب “الربيع العربي”، داعياً لبذل الغالي والنفيس من أجل التأهل للنصر القريب.
ومن جانبه، أكد نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مصطفى شان، أن شعوب الأمة خرجت للبحث عن هويتها وحريتها عندما مرت بظروف عصيبة؛ ما يجعلنا نفرح بالبحث عن الأمل في هكذا مؤتمرات، ترصد الداء وتصف الدواء.
وأضاف شان أن الأمة الإسلامية تُبقي آمالنا حية وحبلى بنتائج مثمرة؛ ولا سيما مع جيل الشباب بما لديه من حماسة وروح تعتمد على العلوم الاجتماعية والتكنولوجيا لتقديم رؤية شبابية للمستقبل، داعياً المهاجرين إلى تركيا من بلدان “الربيع العربي” بين إخوانهم الأتراك أن يتقنوا لغتها ويندمجون فيها بإنشاء بنية اجتماعية باعتبار تركيا مقرهم الدائم.
وتابع أن هذا البلد (تركيا) هو وطنكم، داعياً إلى أن تكون لدى الشباب خطة للعودة إلى بلدانهم، وختم بالقول: لا يمكنكم ترك وطنكم للآخرين، مكانكم هنا في قلوبنا وفوق رؤوسنا، ولكن يجب ألا يبقى الحال هكذا، لا يمكنكم ترك بلادكم للأجانب والظلمة.
في حين، أكد رئيس الدائرة السياسية في هيئة علماء العراق د. مثنى حارث الضاري، أن شعوبنا العربية قادرة على التغيير إن أرادت، وإن الأمل قائم عليها لأنها شعوب ثائرة بطبيعتها، مشيراً إلى أن هناك عيوباً ذاتية في الحركات الساعية إلى التغيير حيث تفتقد القدرة على إنجاز تغيير جذري.
وأضاف أن أهمية هذا المؤتمر تكمن في أنه المؤتمر العربي الأول عن الثورات بعد مرور 10 سنوات وناقش حالة التغيير، وهل ما زالت مستمرة؟ وهل الشعوب لديها القدرة على الاستمرار؟ وما أثر الشباب في المرحلة الثورية المقبلة وإعادة ترميمها؟ وهل سيحرك المؤتمر راكداً بالساحة العربية أم لا؟
وشدد الضاري على الحفاظ على روح الأمل والتفاؤل رغم ما حدث مع كافة الثورات من أجل النهوض أمام الموجات المضادة، وعدم السماح بتسرب رُوح اليأس إلى الشعوب العربية الثائرة، والسعي لإعادة روح الأمل وتعزيز ثقة الأمة بالله وبنفسها وبشبابها وبثوراتها.
الثورات المضادة وحرب الانقلابيين
وأوضح د. عمر الحاسي، رئيس وزراء حكومة الإنقاذ الوطني الليبية الأسبق: أن الثورات واجهت أنواعاً شتى من الحروب؛ أولها إزاحة الأنظمة الدكتاتورية المتعسفة ونجحنا في ذلك؛ بينما نسوا الثورة المضادة وحرب الانقلابيين للثوار، ما كشف عن أزمة تعيشها مجتمعاتنا التي تعاني خللاً إنسانياً عميقاً، مشدداً على أن العاطفة يجب ألا تسرق الثوار؛ لأن الثورة موقف عقلي لا دخل للعاطفة به، وأن الخلط بين العقل والعاطفة يجلب الهزيمة، فلا ينبغي أن نعول على العواطف في فعل الثورات.
وأشار إلى أن كثيراً من النخب العربية -للأسف الشديد- انحازوا إلى الانقلابيين، وقبل ذلك كانوا مع الطغاة، وكانوا يقاتلون من أجلهم حتى فوجئوا أنهم وقعوا في مشروعهم الاستبدادي الإقصائي؛ ما دفع إلى وقوع الصدامات المسلحة والحروب الأهلية بين من يريد أن يعيش بحرية ومن كان يحارب لأجل تجديد ميثاق للعبودية.
شعوب ثائرة بالفطرة
في حين، أكد محمد إلهامي، المؤرخ والكاتب الإسلامي، أن الثورات تواجه استبداداً مدعوماً باحتلال أجنبي من المنظومة الغربية التي هندست الثورات المضادة وبدعم عربي؛ لإبادة وتشريد الملايين في سورية واليمن ليبيا ومصر والعراق؛ لأنهم يحاربون منطقتنا جملة باعتبارها منطقة إسلامية تمثل بديلاً حضارياً يتخوفون منه، ومن سقوط هذه الأنظمة العميلة التي صنعوها لتظل تحت سيطرتهم؛ بينما شعوب أمتنا الإسلامية دائماً وأبداً تثور ضد الاستبداد والقمع المفروض عليها.
وأضاف إلهامي أنه شيءٌ طبيعي أن يحدث ذلك في الجولة الثورية الأولى، فالإنسان رئيس بطبعه، والكرامة مغروسة بالفطرة في الإنسان؛ لأن القضايا الكبرى يتبدل حاملوها، والراية الإسلامية لا تنتهي ولا تخمد، كما أن الشعب المصري خلال الـ200 عام الأخيرة معدل ثورته على الظلم كل 25 سنة انتفاضة، وكل 50 سنة ثورة، فكيف يكون ذلك خنوعاً؟! فغريزة الانتفاضة ضد الظلم موجودة بطبعها في الإنسان المسلم.
ودارت المشاركات في المؤتمر حول عدد من المحاور، أبرزها “تقييم التجارب الثورية في بلدان الربيع العربي”، “حالة المزاج الشعبي تجاه التغيير والنخب بعد عقد من الربيع العربي”، و”سمات الجيل الشبابي الجديد ومعادلة التغيير”، و”فرص انبعاث مشروع الثورة والتغيير وأبرز التحديات”، و”المنطلقات الفكرية والسياسية والتنظيمية لعملية التجديد والانبعاث”.
وخلص المؤتمر إلى التأكيد على هوية الأمة الإسلامية الحضارية، وقدرتها على احتواء جميع الاختلافات الدينية والعرقية واللغوية، ووجوب دعم نضال الشعوب في سعيها نحو استرداد حريتهـا وكـرامتها، مع الإعداد لخوض جولة جديدة للثورة بأفكار وأدوات تناسب طبيعة الصراع؛ حيث ترتبط الثورات العربية ومصـائـرهـا برباط وثيق من بلد لآخر.