استطاعت الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) خلال استجواب وزير الدفاع حمد جابر العلي أن تؤسس مبادئ جديدة في العمل السياسي لم تكن الساحة السياسية المحلية تعرفها، فقد تعودنا أن نصنف كل من يصوت مع طرح الثقة بالوزير المستجوب بأنه وطني ومعارض، بينما كل من يصوت ضد طرح الثقة بأنه حكومي متخاذل ومحترق سياسياً!
لكن في هذا الاستجواب، استطاعت «حدس» أن تغير من رد فعل الشارع عندما أقنعته أن تحقيق مصلحة عامة للناس أهم من سقوط وزير، خاصة إن لم يكن مصنفاً من ضمن وزراء الفساد، كما أن النائب المستجوب لم يتمكن من إقناع معظم النواب بوجود فساد في وزارة الدفاع يتحمل تبعاته الوزير المستجوب، لذلك كان رد فعل الناس إيجابياً تجاه تصرف «حدس»، واستقبلت الكثير من الثناء والمديح على هذا الطرح البنّاء بعيداً عن المساومات الرخيصة.
كما أن «حدس» أثبتت أنها حركة ذات مبدأ تستحق عليه احترام خصومها لها، عندما لم تمارس الابتزاز السياسي الذي يمارسه بعض النواب والتيارات مع الحكومة في مثل هذه الحالات، فلم تطلب شيئاً لها أو لرموزها أو مؤسساتها، بل طلبت حل مشكلة لآلاف المواطنين الذين لا تعرفهم بعد أن عجزت الحكومة عن عمل شيء لهم.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا الذي مارسته «حدس» سنراه مع كل استجواب؟
الجواب طبعاً ليس بالضرورة، فلو واجهنا استجواباً مستحقاً، وتمكن النائب من إثبات تورط الوزير بقضايا فساد أو تجاوزات، هنا لا يجوز للحركة ولا لغيرها إلا إسقاط الوزير، لأن استمراره في وزارته قد يكون أكثر كلفة من استمرار مشكلة يعاني منها بعض المواطنين، مع أن للاستجواب شقين؛ فني قانوني، وسياسي.
من الملاحظات الغريبة بعد انتهاء طرح الثقة وانتصار المصلحة الشعبية وبروز «حدس» كتيار وطني ذي مبدأ إسلامي، لم يستطع بعض الليبراليين كتم غضبه وحقده عندما لم يجد ما يعبر به عن شعوره إلا لوم الحكومة؛ لماذا أعطيتم الحركة فرصة لكسب تأييد الشعب؟! ولسان حاله يقول: اتركوا المواطنين في معاناتهم وآلامهم، «بس المهم لا تعطون فرصة لـ”حدس” لتكسب»! ومع الأسف أن تياراً إسلامياً تعودنا على تأييده لكل خطوات الحكومة، عبر بعض رموزه عن رفضهم لما آلت إليه الأمور بعد الاستجواب، منتقدين تفاهم «حدس» مع الحكومة ومتهمينهم بالابتزاز السياسي! ونقول لهم: نعم الابتزاز الذي ينتج عنه فقط مصلحة الشعب، بينما أنتم طوال مسيرتكم تتفاهمون مع الحكومة ضاربين بالمصلحة العامة عرض الحائط!
البعض تساءل في حينها: لو كان الوزير مستحقاً طرح الثقة لتورطه بقضايا فساد، فهل كنتم تستمرون في هذه المساومة؟ الجواب طبعاً لا.
طيب، وإذا كان الوزير لا يستحق طرح الثقة فيه لبراءته من كل الاتهامات ورفضت الحكومة عرضكم، فهل كنتم ستقفون مع المعارضة وتسقطون الوزير؟ الجواب أيضاً لا.
الشيء الذي كان خافياً على الكثير، أن النائب المجتهد الصقعبي بسبب عمله في اللجنة الإسكانية علم أن هناك فائضاً في ميزانية صندوق التنمية، فطلب تحويلها لبنك الائتمان، والشيء الأهم أن النائب المحترم علم كذلك أن هناك مبلغ نصف مليار دينار لدى البنك يجهزها لإرجاعها لصندوق التنمية، بعد أن اقترضها منه قبل عدة سنوات، فطلب من الحكومة إعادة جدولتها كقرض جديد لمصلحة البنك، وهنا تمكن النائب من جمع ما قيمته 800 مليون دينار كافية لتمويل جميع قروض المواطنين في عدة مناطق سكنية.
فقط معلومة قبل أن أختم، ميزانية صندوق التنمية ليست من الميزانية العامة للدولة، لأنه يموّل نفسه بنفسه؛ لذلك تباكي البعض عندنا على إهدار المال العام، نتيجة جهلهم المطبق بالشؤون المالية والاقتصادية.
____________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “القبس” الكويتية.