أثارت الزيارة الخاصة لرئيس “نادي باريس” إيمانويل مولان إلى تونس الكثير من المخاوف، لا سيما بعد أن أكد موقع “أفريكا أنتيليجنس” الفرنسي أن الزيارة جاءت بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقد أحدثت الزيارة المرتقبة الكثير من الجدل بين من اعتبرها زيارة في إطار العلاقة الثنائية بين فرنسا والسلطة التونسية الحالية، وبالتالي فهي ستكون باعتبار مولان مديرا عاما للخزانة الفرنسية (وهو ما أشار إليه الموقع نفسه)، وبين من اعتبر زيارة مولان بصفته رئيسا لنادي باريس؛ إذ إن الزيارات التي تتم بين الحكومات لا تشمل في الغالب لقاءات مع البنوك المركزية.
في حين أشار التقرير إلى أن مولان سيجلس مع مسؤولين تونسيين، من ضمنهم محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ووزيرة المالية سهام بوغديري نمصية من أجل حث تونس على خوض تجربة إصلاح اقتصادية جديدة مع صندوق النقد الدولي، والحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليارات دولار، في حلقة جديدة من رحلة الاقتراض، فيما لا يُعرف بعد ما إن كانت اللقاءات ستطرح مسألة انضمام تونس إلى “نادي باريس” أم لا.
لكن من المؤكد أن تونس ستدخل نادي باريس إذا ما رفض البنك الدولي تسليم القرض المذكور إلى تونس؛ حيث يشير الخبراء إلى أن شروطه لم تتحقق ومنها تخفيض كتلة الأجور وتجميدها؛ أي عدم الزيادة في الأجور لمدة 5 سنوات، وإصلاح المؤسسات العمومية المملوكة للدولة بالخصخصة أو إدخال شركاء ضمن إدارتها ورأس مالها.
ومن ضمن النقاط المذكورة في برنامج الإصلاح الاقتصادي المقترح من النقد الدولي، وقف التوظيف في قطاع الوظيفة العمومية في البلاد، التي تعاني من ارتفاع نسبة البطالة.
وطالب صندوق الدولي تونس بإجراء “إصلاحات عميقة جدا” من أجل الحصول على دعم مالي، في وقت يعاني فيه البلد من أزمة سياسية على خلفية إجراءات سعيّد؛ ما أثر سلبا على اقتصاد البلاد.
دخول نادي باريس
وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تواترت أنباء حول نية تونس الدخول إلى “نادي باريس” (مجموعة مالية دولية مختصة في إعادة جدولة ديون البلدان المفلِسة)، فيما نفت وزيرة المالية ذلك.
وتُدعى الدول إلى “نادي باريس” -الذي يضم الاحتلال الإسرائيلي كعضو- عند عجزها عن سداد ديونها. ومرت بالنادي دول عدة منها مصر والمغرب والعراق والأردن والسودان الذي تم شطب قسم كبير من ديونه للدول المدينة، خصوصا فرنسا.
وتتم جدولة ديون تلك الدول من قبل النادي بناء على توصية ضرورية من صندوق النقد الدولي، ولا بد من أن تكون الدولة عضوا في الصندوق وأبرمت اتفاقا معه.
وقبل جدولة الديون بواسطة النادي لا بد من أن تكون الدولة قد اعتمدت إجراءات تقشفية وإصلاحية. ويتم اللجوء إلى “نادي باريس” لإعادة جدولة الديون أو شطب جزء منها أو إلغائها بالكامل كملاذ أخير غالباً قبل التعثر في السداد. وتجاوز حجم الديون التي عولجت في إطار “نادي باريس” منذ تأسيسه (في عام 1956) 600 مليار دولار.
ركود اقتصادي
وكشف ممثل صندوق النقد الدولي في تونس “جيروم فاشيه” في وقت سابق، أن على السلطات الساعية للحصول على مصادر تمويل دولية، خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذي يبلغ “أحد أعلى المستويات في العالم”.
وأفاد فاشيه بأن تونس عرفت بسبب جائحة كورونا “أكبر ركود اقتصادي منذ استقلالها” في العام 1956م، وشدد على أن “مشكلات البلاد كانت سابقة للجائحة، ولا سيما العجز في الميزانية والدين العام الذي بلغ حوالي 100% من إجمالي الناتج المحلي نهاية العام 2021م.
ورأى فاشيه أن النمو “يظل ضعيفا وغير كاف بشكل كبير” لاستيعاب معدل البطالة الذي يتجاوز 18%، و”المرتفع أيضا في صفوف أصحاب الشهادات الشباب”. لكنه أشار إلى أن “اليد العاملة المؤهلة والرصيد البشري المرتفع الكفاءة والموقع الجغرافي المناسب” عوامل تشكل أوراقا رابحة للبلاد.
ومنذ تشكيلها في أكتوبر الماضي طلبت حكومة نجلاء بودن من صندوق النقد الدولي برنامج مساعدة جديدا، لكن فاشيه أكد أن المباحثات لا تزال في مرحلة تمهيدية؛ إذ إن صندوق النقد الدولي يريد أولا “معرفة نوايا السلطات على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، لأن ثمة حاجة إلى إصلاحات بنيوية عميقة جدا”.
وعدد فاشيه قضايا ملحة ومنها “الثقل الكبير” لموظفي القطاع العام (16% من إجمالي الناتج المحلي)، وقال إن “أجور الموظفين الرسميين البالغ عددهم 650 ألفا تستحوذ على أكثر من نصف نفقات الدولة السنوية، دون احتساب السلطات المحلية والشركات العامة”.
ومن القضايا الملحة الأخرى بدء “إصلاح عميق للشركات العامة” العاملة في مجالات مختلفة من اتصالات وكهرباء ومياه شرب ونقل جوي، والتي تتمتع في غالب الأحيان بالاحتكار وتوظف ما لا يقل عن 150 ألف شخص”.
وقال المسؤول إن صندوق النقد الدولي يدرك “تأثير” قراراته على الأطراف المانحة الأخرى الوطنية والخارجية العامة والخاصة، علما بأن الاتحاد الأوروبي ودولا كبرى أخرى ربطت تقديم أي مساعدة بضوء أخضر يصدر عن الصندوق.
وأضاف أن ذلك يشكل مسؤولية ملقاة على عاتق الصندوق، لكنه أكد أن “المسؤولية الأكبر تقع على عاتق أصحاب القرار وعليهم التحرك لإيجاد حلول”.