هل ستنطلق شرارة الحرب بين روسيا وحلف “الناتو” حال غزو روسيا لأوكرانيا؟
لا يستطيع أي محلل توقع الحالة العسكرية على الحدود الأوكرانية؛ هل ستنتهي إلى حرب، أم إلى تفاهمات تفاوضية حول الموقع الإستراتيجي لأوكرانيا؟ إما أن تكون قاعدة تهديد للأمن القومي الروسي بانتمائها لحلف “الناتو” ولنصب صواريخ باليستية تصل من كييف خلال 5 دقائق إلى وسط موسكو، أو أن تقع تحت الاحتلال الروسي لقطع الطريق على حلف “الناتو” لكسب ورقة ضغط وتهديد عليها.
والحقيقة أن كل القوى في مأزق الفجوة الإستراتيجية؛ فالحرب مكلفة لكل الأطراف، وتأثيراتها في ظل أوضاع “كورونا” والتأثيرات الاقتصادية واحتياجات الغرب للغاز الروسي كلها عوامل تدعو حلف “الناتو” والولايات المتحدة إلى الاتكاء على العقوبات الاقتصادية ضد روسيا بديلاً عن مواجهة عسكرية.
والاقتصاد الروسي يعاني من أزمة يحاول بوتين حلها بالتوافقات مع الصين وتركيا من أجل صموده إذا ما اتخذ حلاً عسكرياً لأوكرانيا بما يجعله صامداً أمام الإجراءات الاقتصادية الأوروبية بما فيها أزمة التحويلات المالية، إذ سعت روسيا لإيجاد اتفاقية سويفت جديدة تساهم في أزمة التحويلات عبر البنوك العالمية.
كلا الطرفين
أوكرانيا تعمل جادة لتجنب حرب ستقع على أراضيها في ظل وجود حكومة أوكرانية مناهضة لها في الجزء الذي تدعمه روسيا، كما أن الروس يؤكدون أنهم لن يغزوا أوكرانيا، وأكدت أوكرانيا أهمية توقيع اتفاقية التفاهم بينها وبين روسيا لتعزيز حالة السلم في المنطقة.
كما أن الأوكرانيين غير واثقين من حقيقة قدرة “الناتو” على اتخاذ قرار حرب ومواجهة ضد روسيا.
لذا؛ كل الأطراف تسعى للتفاهم أو الاستقرار حول المعالجات السلمية والاقتصادية على ترجيح سيناريو الحرب، وحتى لو اجتاحت روسيا أوكرانيا، فإن الكلفة الاقتصادية والتمسك بالأرض ستضع الروس في حالة استنزاف؛ لذا ستقوم بإيجاد نظام بديل متفاهم مع الروس على أقل تقدير، وتسحب قواتها لو احتلت أوكرانيا؛ بما يعزز الموقف التفاوضي للروس لحل الأزمة الاقتصادية داخلياً وخارجياً، وللتنسيق مع الصين لفتح ملف في بحر الصين الجنوبي كملف تايوان لإشغال الولايات المتحدة به وفتح جبهة تفاوض دولية.
لا يتحمل الاقتصاد العالمي هزة جديدة بعد أزمة “كورونا”، لذلك يسعى الجميع لإبقاء الخطوط التجارية العالمية مفتوحة دون انقطاع أو تهديدات.
لذا؛ فإن الحالة المتوقعة على الحدود الأوكرانية الروسية تبقى تحت تهديد ما يسمى حافة الهاوية لجميع الأطراف:
إما أن يكون احتلالاً سريعاً لأوكرانيا وتقليد نظام سياسي موالٍ لروسيا.
أو تفاهماً تفاوضياً بين “الناتو” والروس بضمانات لكل الأطراف.
أو تظل الأزمة معلقة وتحل ملفات فرعية بين هذه الأطراف أو تتحول كملفات ضغط على بعضها بعضاً دون الوصول إلى حرب بين روسيا وحلف “الناتو”.
وهكذا ستكون تلك الحالة تضعضع النظام العالمي وتدحرجه إلى مزيد من اللا يقين، وتضعف تماسكه كنظام إلى حالة تفرد القوى لتصبح أقطاباً، وهي بداية مرحلة تشكيل حالة من الضبابية لنظام عالمي جديد غير مكتمل النمو، ويجعل الملفات الفرعية تتفلت نحو التطرف الذي يذكي الصراعات المحلية والإقليمية والدولية.