في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، يعيش أكبر عدد من الأقلية المسلمة في البلاد تحت التهديد بالقتل والاستهداف من قبل تحالف القوى الديمقراطية التابع لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وفي الوقت نفسه يشتبه في أنهم متحالفون مع هذا العدو، وإن كانوا يعانون كغيرهم من الكونغوليين من هجماته، إضافة إلى الوشايات الكاذبة والاعتقالات التعسفية من قبل السلطات.
يقول موقع “أفريك 21” (Afrique xxi)، المتفرع عن موقع “أوريان 21” الفرنسي: إن المسلمين الذين اغتيل عدد من أئمتهم قدموا إلى النيابة العسكرية بمدينة موباندا في ولاية بيني شكوى ضد مجهول في مسيرة سلمية، ولكنهم في خضم زوبعة انعدام الأمن التي تجتاح المنطقة يخشون من أن السلطات السياسية والعسكرية لم تدرك بالكامل ما يهدد مجتمعهم.
وفي مقال حكيم مالودي بالموقع، ذكّر بأن الشيخ علي أميني اغتيل برصاصة في رأسه أثناء صلاة العشاء، في مايو 2021، قبل 5 أيام من إعلان حالة الحصار التي أصدرها الرئيس فيليكس تشيسيكيدي لمحاربة انعدام الأمن في شمال كيفو وإيتوري.
وهذا الإمام المؤثر في المنطقة كان كرّس خطبة الجمعة قبل وفاته للتحدث عن أيديولوجية المقاتلين الإسلاميين في تحالف القوات الديمقراطية، تلك الجماعة المسلحة التي ولدت عام 1995 في أوغندا وانضمت إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في أفريقيا، وبعد 3 أسابيع من هذه المأساة قتل أيضاً الشيخ جمالي موسى، إمام ورئيس المجتمع المدني في باتانغي مباو (إقليم بيني) في مافيفي.
وكان التجار العرب السواحليون من زنجبار -قبل وصول عملاء دولة الكونغو الحرة في نهاية القرن 19- سيطروا على النصف الشرقي من البلاد، من إكواتور إلى إيتوري، ومن سانكورو إلى كيفو، ومن كاتانغا حتى بحيرة تنجنيقا.
ونظم هؤلاء التجار أراضيهم في سلطات صغيرة تحكمها تجارة المواد الخام والعاج والرقيق، قبل أن يهزمهم البلجيكيون خلال “حملات الكونغو العربية” بين عامي 1892 و1895، ليفر كثير منهم من اضطهاد المستوطنين بحثاً عن ملجأ نحو الشرق، آخذين معهم لغتهم السواحلية ودينهم الإسلام.
تعايش مهدد
ولذلك، فإن الإسلام في إيتوري وبيني ليس ديانة مجهولة، ورغم الاضطرابات الديموغرافية الأخيرة المرتبطة بتدفق النازحين من جنوب السودان أو شمال كيفو، فإن السلطات الإسلامية في إيتوري تدعي أنها أحصت ما يقرب من 80 ألف مسلم في الإقليم الذي يبلغ عدد السكان فيه أكثر من 3.5 مليون، ومع أنهم ظلوا يتعايشون دائماً في سلام مع المسيحيين، فإن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بدأت تتوتر على نحو مطرد وعلى مر السنين، خاصة مع تطور التهديد من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة.
وعلينا أن نتذكر -كما يقول الكاتب- أن التمرد الأوغندي لتحالف القوى الديمقراطية تأسس في إيتوري عام 1995 من قبل جميل موكولو الذي اعتقل عام 2015 في تنزانيا وهو الآن محتجز في أوغندا، واشتهر تنظيمه المسلح ذو الميول الإسلامية بارتكاب مذابح ضد السكان المدنيين في إقليم بيني، حيث ركز قتاله في الكونغو وتخلى تدريجياً عن أوغندا.
يقول إمام -الذي طلب عدم ذكر اسمه- من أوشا (عاصمة إقليم بيني): إن الأمور اختلفت منذ عام 2013 عندما بدأت قوات هذا التنظيم عمليات القتل على نطاق واسع في بيني، وأصبح إخواننا المسيحيون يشكون فينا، خاصة عندما افتتحنا مسجداً جديداً، فهم يتهموننا لفقرنا بالاستفادة من أموال التنظيم.
وقدم أحد أقارب الشيخ علي أميني (يطلق عليه الكاتب اسم الرشيدي) في بيني شهادة مماثلة، إذ قال: لدينا 3 مشكلات هنا في بيني: العدو الأول هو تحالف القوى الديمقراطية وممارسته إسلاماً ليس إسلامنا، ثم هناك السلطات العسكرية وكذلك بعض الشخصيات السياسية والمجتمع المدني الذي يعتقد أننا كمسلمين ندعم بشكل تلقائي الإرهابيين، وأننا نتعاون معهم من منطلق الأخوة الإسلامية، وأخيراً هناك المواطنون الذين ينشرون إشاعات ضدنا وفي الشارع عندما نذهب إلى المسجد، ويقولون: إننا نرتكب المجازر.
واعترف أحد مقاتلي التنظيم الأسرى أثناء استجوابه بأنه مرّ بالمساجد في شمال كيفو من أجل تجنيد أعضاء جدد، إلا أنه من المعروف أن العديد من المساجد استضافت، في معظم الأحيان دون علم، شباباً تفرقوا لاحقاً في الغابات الشاسعة في إقليم بيني الواقعة على الحدود مع أوغندا، وفي المكان الذي تشن فيه عادة قوات التنظيم هجماتها.
ويقول عضو نشط في الجالية المسلمة في غوما (تحفظ الكاتب على هويته): إن بعض المساجد مخترقة منذ سنوات، حتى إن هناك مسجداً على وجه الخصوص نتوخى الحذر منه، لأنه كان نقطة عبور لبعض المقاتلين، وأخبرتنا القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية أن هؤلاء المسلمين كانوا من بين مقاتلي تحالف القوى الديمقراطية الذين قُتلوا في الغابات في بيني، أو أنهم كانوا من بين الأسرى، ولا يُعرف هل انضموا إلى الإرهابيين طواعية أو أنهم اختطفوا وجندوا قسراً.
مساجد محروسة
وإذا كان مسلمو بيني اليوم يقومون بأنفسهم بحراسة مداخل مساجدهم ويبدون تحفظهم عند وجود مصلين مجهولين أو عابرين، فذلك لأنهم مقتنعون بأن قاتل الشيخ علي أميني كان متسللاً، ويقول الراشدي: إنه على يقين من أن أسلوب العمل الذي استخدم ضد الإمام سيتكرر ضد زعماء المسلمين الآخرين في بيني أو في أي مكان آخر.
وأضاف أنه، في أكتوبر 2021، وصل مصلٍّ مجهول إلى المسجد المركزي ببيني متأخراً عن صلاة الفجر، وطلب التحدث مع الإمام، وطلب منه رقم هاتفه فأعطاه رقماً مزيفاً كإجراء احترازي، إلا أنه بعد أيام قليلة تم اعتقال هذا الغريب، وعند استجوابه اعترف بإخفاء سلاح في الأدغال بالقرب من المسجد المركزي، وقال للجنود: إنه أقام في هذا المسجد، وعقب ذلك عثر على السلاح في المكان المشار إليه وعُدّ الإمام متعاوناً واعتقل.
وفي سياق تواصل هجمات تحالف القوات الديمقراطية، أصبح الاعتقال التعسفي الآن أحد مخاوف الأئمة الذين يتولون مهامهم في شمال كيفو وإيتوري، رغم وطنيتهم الثابتة والتزامهم ضد أيديولوجية “الدولة الإسلامية”، واعتقل ما يقرب من 10 أئمة، بعضهم معروفون جيداً بقتالهم ضد التطرف.
وتذكر هذه الاعتقالات المتسلسلة -كما يقول الكاتب- بأحداث مماثلة وقعت عام 2016، عندما اعتقل 5 أئمة من ذوي النفوذ في بوتمبو وغوما وكيسنغاني، قبل أن يفرج عن معظمهم ويبرؤوا من أي تواطؤ مع تحالف القوى الديمقراطية.
إلا أن السياق مختلف اليوم، والوضع غامض للغاية؛ حيث لم نعد نعرف حقيقة ممن يجب أن نحذر، يقول الزعيم الديني الإيتوري: بين التهديدات بالقتل من تحالف القوى الديمقراطية، واتهامات التعاون معه المعلقة فوق رؤوسنا، والوشايات الكاذبة والاعتقالات التعسفية؛ نواصل الكفاح الوطني من أجل الحوار بين الطوائف والتآخي بين الأديان والوقاية من الجماعات المسلحة.
وأشار الكاتب -في ختام مقاله- إلى أن المجتمع المسلم الكونغولي لم يحمل السلاح مطلقاً ضد الدولة منذ الاستقلال، وأن المسلمين هناك يسعون إلى إثبات أن اتحاد القوى الديمقراطية مجموعة من أصل أجنبي، وإن كان من بين أعضائها كونغوليون غير قياديين، كما أن الأغلبية المسيحية لم تقم بأعمال انتقامية ضد المسلمين وأماكن عبادتهم في البلاد.