في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، في 8 فبراير 2022، قراراً بتعيين قاضٍ مسيحي على رأس المحكمة الدستورية العليا (أعلى هيئة قضائية بالبلاد).
القرار الجديد أثار جدالاً وتساؤلات في مصر حول تداعياته ودلالته، إذ إن القاضي الجديد من حقه أن يصبح رئيساً مؤقتاً لمصر حال تنحية أو إبعاد السيسي لأي سبب من الأسباب، ليكون أول رئيس مسيحي لمصر ولو مؤقت، وهي دولة إسلامية.
ولأنه سبقه صدور قرار جمهوري آخر بإحالة الرئيس الحالي للمحكمة الدستورية العليا، المستشار سعيد مرعي عمرو (67 عاماً)، إلى المعاش، مع إضافة باقي الفترة الزمنية المتبقية له حتى سن السبعين كمدة خدمة استثنائية، فيما يشبه الإقالة لا الاستقالة لأسباب صحية.
قرار إقالة رئيس المحكمة السابق (إحالته للمعاش) أثار تكهنات أخرى حول سبب عزله وإقالته، الذي يعني تغول السلطة التنفيذية (السيسي) رسمياً على “القضائية”.
وسائل الإعلام المصرية أرجعت هذا التغيير إلى وعكة صحية ألمَّت بالمستشار سعيد مرعي عمرو، أعجزته عن مباشرة مهام عمله كرئيس للمحكمة الدستورية العليا، لكن نشطاء تساءلوا: إذا كان السبب هو الوعكة الصحية، لماذا تمت إقالته بطريقة مهينة بدلاً من استقالته؟
وتساءلوا إذا ما كان السيسي طلب من رئيس المحكمة المُقال طلباً قانونياً معيناً مخالفاً للدستور ولم ينفذه مرعي فتمت إقالته بحجة الدواعي الصحية؟
https://twitter.com/OsamaRushdi/status/1491313086447652869
عزله مرسي وأعاده السيسي
كما أثار تعيين هذا القاضي تساؤلات حول إعادة تعيين القضاة الذين تم استبعادهم في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، بموجب دستور 2012، ومنهم رئيس الدستورية المسيحي الجديد.
فبموجب دستور 2012، الذي تم إقراره في عهد الرئيس محمد مرسي، تم تحديد عدد أعضاء المحكمة بـ11 عضواً فقط بدلاً من 17؛ ما أدى إلى استبعاد باقي الأعضاء، وهم المستشارون حمدان فهمي، وبولس فهمي، ومحمود غنيم، وحسن البدراوي، وتهاني الجبالي، وحاتم بجاتو.
ولكن في دستور 2014، تم حذف شرط العدد الأقصى لأعضاء المحكمة الدستورية، مما أتاح للمحكمة ورئيسها الذي أصبح رئيس مصر المؤقت عدلي منصور، اتخاذ قرار بإعادة تعيين اثنين من المستشارين المستبعدين منها سلفاً، منهما المستشار بولس فهمي.
مخالف للدستور
وقد اعتبر قضاة سابقون ونشطاء تعيين قاضٍ مسيحي في أعلى محكمة دستورية مخالفاً للدستور.
وتساءل نشطاء: كيف لدولة مسلمة يفصل في دستورية قوانينها مسيحي لم يدرس الشريعة الإسلامية؟
https://twitter.com/NOOR85shams/status/1491265808202616832
القاضي السابق وليد شرابي أكد أن المادة الثانية من الدستور المصري تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، والمحكمة الدستورية تختص بالنظر في دستورية التشريعات والقوانين بما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
ثم علق على القرار، عبر حسابه على “تويتر”، مؤكداً أن تعيين المستشار بولس فهمي إسكندر رئيساً لتلك المحكمة أمر يحتاج إلى النظر في صحة دستوريته.
https://twitter.com/waleedsharaby/status/1491413388949614593?t=x2ukfpweJ_WDE8yeOwmbbg&s=09
وكتب نشطاء عبر مواقع التواصل يفسرون قرار السيسي تعيين قاض مسيحي على رأس أعلى محكمة مصرية بأنه محاولة من السيسي لإظهار مواقف سياسية ترضي الغرب (المسيحي) عنه بعد سلسلة الانتقادات الأوروبية والأمريكية لملف حقوق الإنسان.
وقالوا: إن القرار يأتي أيضاً لإرضاء مسيحيي مصر الذين دعموا السيسي، ومنه عملية التقنين الواسعة غير العادية الجارية حالياً لكنائس مخالفة بنيت بالمخالفة للقانون ووافقت عليها حكومة السيسي.
ونشرت الجريدة الرسمية، في 13 يناير 2022، قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بالموافقة على توفيق أوضاع 50 كنيسة، و91 مبنى، بإجمالي 141 كنيسة ومبنى، والمقدم بشأنها طلبات دراسة توفيق أوضاعها من طوائف الكنائس المسيحية.
وبذلك ارتفع عدد الكنائس التي بنيت بالمخالفة للقانون وتمت الموافقة على تقنينها حتى الآن إلى 1222 كنيسة، وعدد المباني الكنسية الخدمية الملحقة بها أو المنفصلة إلى 896 مبنى.
وتختص المحكمة الدستورية العليا بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، والفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها ولم تتخلَّ إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها.
كما تختص في الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أي جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها.
ومارست المحكمة الدستورية أدواراً معاكسة للديمقراطية في مصر منذ ثورة يناير 2011، حيث وقفت ضد الرئيس الراحل محمد مرسي وحلت أول برلمان حر منتخب، كما عزلت 15 من قضاة الاستقلال الذين عارضوا إزاحة الجيش للرئيس المنتَخَب مرسي.