بعد قرابة أربعة أشهر من تنصيبه رئيساً للحكومة المغربية، يواجه الملياردير عزيز أخنوش حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب برحيله، وذلك تزامنا مع الارتفاع المطرد للأسعار في كل المواد الأساسية وفي المحروقات، تفاقم مع الآثار الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا، ومع شبح موسم جاف بانقطاع الأمطار والثلوج لم تعرفه المملكة منذ عقود.
ولم يتوقف الاحتجاج الشعبي في العالم الافتراضي حيث يتصدر هاشتاك “أخنوش ارحل” منصاته لأيام، بل نزل المواطنون في تظاهرات احتجاجية يوم الأحد الماضي، في الذكرى العاشرة لانطلاق الحراك المغربي الذي خرجت أولى احتجاجاته يوم 20 فبراير 2011م، رافعين لافتات مطالبة بالرحيل وبالحق في العيش الكريم.
رئيس الحكومة عزيز أخنوش أحد أثرياء المملكة، وهو أيضاً الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس مجموعة اقتصادية كبيرة في البلد سبق أن تعرض إلى حملة مقاطعة لمنتجات شركاته كانت لها تأثير كبير على أرض الواقع، وقد وعد حزبه المغاربة في الانتخابات التي جرت يوم 8 سبتمبر الماضي بالزيادة في الأجور وخلق ملايين فرص العمل، وصرف معونات للفئات المعوزة وغير ذلك.
وقابل أخنوش موجة الاحتجاجات بالتجاهل منذ انطلاقها، سوى تدوينة كتبها يوم الأحد يبرر فيها الزيادة في الأسعار بالظرف العالمي والمناخ، ثم بعقد ندوة الأغلبية الحكومية يوم أمس الثلاثاء إلى جانب الأمين العام لكل من حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، وهما الحزبان اللذان يشكلان التحالف الحكومي إلى جانب التجمع، ولم يقدم الثلاثة إجابات شافية على الأزمة الحالية، حيث بدا على وجوههم وجوم كبير تدوولت صوره على نطاق واسع لخص ما تعيشه الحكومة من استمرار الارتباك الذي بدأ منذ ولادتها وبصمته بأسرع تغيير حكومي.
وفي إطار انتقاد غلاء المعيشة استغرب محمد الزويتن نائب الأمين العام لنقابة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (تربطها شراكة مع حزب العدالة والتنمية ولها نفس المرجعية) في تصريح لـ ” المجتمع”، الصمت الحكومي وتجاهل دعوات تدارك الوضع الاجتماعي المحتقن، والذي زادت حدته مع تهديد شبح الجفاف الذي يخيم على البلاد خلال الموسم الحالي مع ضعف مقومات السياسة المائية الناجعة.
وفيما أبرز القيادي النقابي أن نقابته تدعم الدينامية الاجتماعية، نضالاً واحتجاجاً، لمناهضة تردي الأوضاع الاجتماعية، يرى الزويتن أن على “حكومة أخنوش” سن إجراءات حمائية، تحصن القدرة الشرائية للمغاربة وتوقف نزيف لهيب الأسعار وتداعياته الاجتماعية، منتقداً انتهاج سياسة عمومية تعاكس كل مقومات الدولة الاجتماعية، ولا تستجيب للوعود الانتخابية والشعارات التي رفعها أحزاب الحكومة طيلة الحملة الانتخابية خصوصاً ما تعلق بالزيادة في أجور المدرسين والأطباء وأقساط التعاقد.
أما حزب العدالة والتنمية المعارض فقد وجد الفرصة مواتية للتعبير عن موقفه ليس فقط من الوضع السياسي والاجتماعي المحتقن، بل أيضاً من المطالبة برحيل رئيس الحكومة، وذلك خلال انعقاد المجلس الوطني يومي السبت والأحد 19 و20 فبراير.
وفي كلمة له بثت مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وتابعها المغاربة بشكل كثيف كما هي العادة، انتقد الأمين العام للحزب الإسلامي عبد الإله ابن كيران حملة المطالبة بالرحيل هذه ونسبها إلى جهات تريد أن تخدم أجندات خاصة لا سيما أن البعض طالب برحيل أخنوش وتعويضه بشخصية أخرى (مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة السابق والقيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار) بعيداً عن صناديق الاقتراع.
ورأى ابن كيران عدم الجدوى من إرباك الحكومة في هذا الوقت، مقترحاً أن يمنح أخنوش على الأقل سنة واحدة، إما أن يستطيع تحمل مسؤوليته كاملة ويواجه الأزمة الحكومية ويحلها، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة بأمر من الملك محمد السادس، وهو ما فهم منه أنه يدافع عن رئيس الحكومة.
ويعرف عن أخنوش أنه سنة 2016م، وقف في وجه ابن كيران ضد ترأسه للحكومة من جديد في ولاية ثانية، واشترط عدم تخصيص دعم للفقراء من خلال إتمام إصلاح صندوق المقاصة وقد أمضى ما يقارب عشرين سنة في تدبير وزارة الفلاحة الغنية. ويرى مراقبون أنه رجل تجارة جيء به إلى عالم السياسية دون أن تكون له مقومات ذلك، وهو ما يكرره ابن كيران في كل مناسبة.
وأوضح البيان الختامي للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية موقف الحزب، معبراً عن تعاطف الأمين العام مع التعبيرات الشعبية العفوية على إثر بعض القرارات الحكومية المتسرعة وارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية، مستغرباً بعض الدعوات لإسقاط الحكومة التي تدعو إليها جهات مجهولة، مذكراً بالموقف الثابت للحزب بوقوفه إلى جانب المطالب الشعبية المشروعة وضد التلاعب بالمؤسسات باعتباره موقفاً مبدئياً يقوم على رفض كل الدعوات والحملات المشبوهة التي ترمي إلى تبخيس العمل السياسي والحزبي والمؤسساتي وليست دفاعاً عن أحد، معتبراً أن تصحيح أزمة مشروعية رئيس الحكومة وأدائها على إثر ما جرى في انتخابات 8 سبتمبر 2021م وفشلها في الوفاء بوعوده الغليظة، بعد إعطائه مهلة معقولة بطبيعة الحال، لا يمكن أن يتحقق إلا بانتخابات جديدة حرة ونزيهة وشفافة وعبر صناديق الاقتراع وليس بتغيير شخص بآخر.
وفي تعليقه على هذه الأحداث يرى الأكاديمي المغربي والمحلل السياسي علي فاضلي، في تصريح لـ “المجتمع” أن القول بدفاع ابن كيران عن أخنوش فيه الكثير من السذاجة، مبرزاً أن ما قام به بنكيران هو تمييز دقيق بين حق المجتمع في الإعلان عن رفضه لسياسات الحكومة، وبين الحملات المشبوهة التي تقودها بعض الجهات والكائنات الوظيفية.
ويضيف فاضلي أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وضع الأصبع على مكامن الجرح بدقة بالغة، حين تحدث على أن الحل يتمثل في انتخابات مبكرة لا استبدال أخنوش بشخصية أخرى، وهذا المطلب هو مطلب كل ديمقراطي وكل شخص يؤمن بأحقية الشعب في اختيار من يمثله، وبهذا يكون بنكيران قد أفسد خطة الانقلاب على مكتسبات دستور 2011م والتي تحققت نتيجة نضال وتضحيات جسيمة قدمها المغاربة على مدى عقود.
ويشدد فاضلي على أن بنكيران تحدث عن الأعطاب الحقيقة في المغرب وفي تدبير شؤون الدولة، وهي أعطاب تتمثل في عدم الحسم مع تبني الديمقراطية وتبعات بلوكاج 2016م، والالتزام باحترام الوثيقة الدستورية، معتبراً أن حزب العدالة والتنمية أسهم في تدبير شؤون الدولة 10 سنوات، وهي تساوي تقريباً نصف مدة تولي الملك محمد السادس للحكم. وهو أمر غير مسبوق في تاريخ المغرب، بل وفي تاريخ المنطقة العربية.
ويحذر فاضلي من أن حملة المطالبة برحيل أخنوش في هذا الوقت القصير تفتح أبواب جهنم السياسية على المغرب في المستقبل، وعلى الأحزاب الإصلاحية الديمقراطية خصوصاً، حين تتحول المطالب لإسقاط الحكومات والمنتخبين أشهراً قليلة بعد الانتخابات للعبة مكلفة للفاعل الإصلاحي الديمقراطي وللدول كما وقع في دول عربية أخرى.