مع مرور 28 عاماً على مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، التي راح ضحيتها 29 شهيداً فلسطينياً، بعد أن فتح المستوطن الصهيوني الإرهابي “باروخ غولدشتاين” نيران حقده على أجساد المصلين في منتصف شهر رمضان المبارك، الذي كان يصادف حينها 25 فبراير 1994م، ما زالت مع مرور تلك السنوات فصول المجزرة بحق الحرم الإبراهيمي مستمرة، وذلك بأشكال مختلفة، منها منع الصلوات وتقسيم الحرم الإبراهيمي ومحاولة السيطرة عليه بالكامل لإقامة كنيس على أنقاضه، على الرغم من قدسية المكان لدى المسلمين وإدراجه من قبل منظمة “اليونسكو” على قائمة التراث المادي الإنساني، في انتهاك فاضح لكل الأعراف والقوانين الدولية.
أبو عرام: الاحتلال استولى على 63% من مساحة الحرم الإبراهيمي ويمنع إقامة الصلوات فيه
يستذكر الفلسطينيون والعالمان العربي والإسلامي والعالم أجمع كل عام فصول المجزرة البشعة والمروعة التي ارتُكبت يوم الجمعة 25 فبراير 1994م، التي نفذها المستوطن الإرهابي “باروخ غولدشتاين”، بمساعدة من قوات الاحتلال الصهيوني عندما دخل إلى الحرم الإبراهيمي مدججاً بالأسلحة النارية الأوتوماتيكية وقت صلاة الفجر، وأطلق النار على أجساد المصلين أثناء صلاتهم وسالت دماؤهم الطاهرة بغزارة؛ حيث تحولت باحات الحرم لبركة دماء، وقد تعمدت قوات الاحتلال الصهيوني حينها إغلاق أبواب الحرم ساعة المجزرة لمنع المصلين من الخروج، كما منعت من هم خارج الحرم من الوصول إليه لإنقاذ الجرحى، وعرقلت وصول سيارات الإسعاف وفرق الدفاع المدني للحرم الإبراهيمي في تواطؤ واضح ومفضوح مع المستوطن الذي تمكن عدد من المصلين من قتله، بعد أن نفذ مجزرته البشعة، لتنطلق بعدها شرارة الغضب الفلسطيني والمواجهات مع قوات الاحتلال الصهيونية التي فتحت نيرانها على جموع الجماهير الغفيرة في مدينة الخليل، التي شيعت جثامين 29 شهيداً من شهداء المجزرة ليرتقي 21 شهيداً آخرون أثناء عملية التشيع، بالإضافة إلى مئات الجرحى والمعتقلين.
وقد امتدت شرارة الانتفاضة والغضب الفلسطيني لكل الأرض الفلسطينية المحتلة، وقابلت قوات الاحتلال تلك الانتفاضة بوابل من الرصاص بمختلف أنواعه؛ ما أسفر عن استشهاد 60 فلسطينياً وإصابة المئات.
وما زالت المجزرة بفصولها مستمرة؛ حيث نتج عنها تقسيم الحرم الإبراهيمي والسيطرة على 63% من باحاته، وتحويل البلدة القديمة في الخليل لثكنة عسكرية، يتم التحكم فيها من قبل المستوطنين الذين أقاموا عشرات البؤر الاستيطانية في قلب مدينة الخليل المحتلة من خلال بوابات إلكترونية تنتشر على عدة طرقات في البلدة القديمة في الخليل.
حمدان: هناك حملة صهيونية للنيل من الطراز المعماري والتاريخي للحرم الإبراهيمي
استمرار التهويد والتقسيم
يقول مدير الأوقاف الفلسطينية في الخليل الشيخ جمال أبو عرام لـ”المجتمع”: ما يحدث في الحرم الإبراهيمي استمرار لفصول مجزرة الحرم التي تحل ذكراها الثامنة والعشرون، وما زالت عمليات التهويد مستمرة، من حفريات مكثفة فوق وتحت الأرض، وحتى المنازل المحيطة بالحرم الإبراهيمي أقام الاحتلال تحتها سلسلة أنفاق، يضاف لذلك أن الاحتلال الصهيوني أقام مصعداً كهربائياً ليستخدمه المستوطنون لاستباحة الحرم على مدار الأسبوع، وتم تركيب جسور ضخمة؛ ما تسبب باستيلاء الاحتلال على نحو 360 متراً مربعاً من باحات الحرم الخارجية التي تبلغ 2040 متراً، من مجمل المساحات التي تبلغ 4700 متر، والتي تتعرض لعمليات تهويد مكثفة؛ حيث نصب الاحتلال في باحات الحرم عدة خيام للتغطية على الحفريات، وأدخل معدات حفر صغيرة، تقوم بإخراج التربة من تحت باحات الحرم، ويتم الاستيلاء على الحجارة القديمة ومصادرتها.
وأكد أبو عرام أن الاحتلال الصهيوني قسم الحرم لقسمين، واستولى على 63% من مساحته، ويمنع منذ ارتكاب مجزرة الحرم عام 1994م إقامة الصلوات فيه بحرية، وحتى الأذان منع الاحتلال رفعه العام الماضي أكثر من 700 مرة، وهو ما رد عليها الفلسطينيون بشكل لافت من خلال شد الرحال للحرم الإبراهيمي والمشاركة بشكل كثيف في صلوات “الفجر العظيم”، لحماية الحرم من عمليات التهويد التي تهدف للسيطرة عليه، ويتحدى المصلون الاحتلال الذي ينشر الحواجز العسكرية على الطرق والبوابات المؤدية إلى الحرم ويتوافدون إليه بشكل مكثف، متحدّين فوهات بنادق الاحتلال وعصابات المستوطنين.
أبو الرب: منع إقامة الصلوات وعمليات الترميم صفعة للمجتمع الدولي ومنظماته التي يدير الاحتلال ظهره لها
منع الترميم
بدوره، يؤكد مدير لجنة إعمار الخليل عماد حمدان لـ”المجتمع”، أن هناك حملة صهيونية منظمة للنيل من الطراز المعماري والحضاري والتاريخي للحرم الإبراهيمي، الذي يجب حمايته باعتباره إرثاً حضارياً إسلامياً، يسعى الاحتلال لطمسه وتزييف تاريخه تماماً كما يحدث في المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة، لافتاً إلى أن الاحتلال الصهيوني يمنع كل أشكال الترميم والصيانة في أروقة الحرم، الذي يحتاج لعمليات ترميم مستمرة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن ما يحدث من عمليات تهويد هو مساس خطير بالموروث الثقافي والتاريخي الإنساني، وهو يعد مجزرة بحق التاريخ والحضارة الإنسانية، داعياً “اليونسكو” والمنظمات العاملة على حماية التراث للتدخل العاجل لوقف الانتهاكات والاعتداءات الصهيونية المتصاعدة على المقدسات وتهويدها المستمر للرموز الدينية والحضارية الإسلامية.
من جانبها، أشارت وزارة الأوقاف الفلسطينية، على لسان الشيخ حسام أبو الرب، في تصريح لـ”المجتمع”، إلى أن هناك عدة رسائل عاجلة أرسلت للدول العربية والإسلامية والمنظمات الدولية من أجل وقف عمليات التهويد في الحرم الإبراهيمي، والتدخل العاجل لحمايته من الاعتداءات الصهيونية المكثفة عليه، التي تعد انتهاكاً لكل الأعراف والقوانين الدولية، مؤكداً أن الحرم الإبراهيمي وباحاته ملك خالص للمسلمين لا يملك فيه هذا المحتل ذرة رمل واحدة، وأن الشعب الفلسطيني سيواصل ملحمة الصمود الأسطورية في الدفاع عنه بالدماء والأنفس، ولن يسمح للاحتلال وعصابات المستوطنين بالنيل منه.
وأكد أبو الرب أن منع إقامة الصلوات والزيارات وعمليات الترميم صفعة للمجتمع الدولي ومنظماته التي يدير الاحتلال ظهره لها، خاصة أن الحرم الإبراهيمي مدرج على قائمة التراث العالمي في “اليونسكو”.