أظهرت عشرات مقاطع الفيديو ضربات مركزة للطائرات المسيرة التركية من طراز “بيرقدار” ضد مدرعات وعربات ونقاط تجمع الجيش الروسي في أوكرانيا مخلفةً خسائر كبيرة ومؤلمة في صفوف الجيش الروسي، وهو ما أكدته حسابات رسمية أوكرانية.
مسيرات “بيرقدار” التركية باتت هي أهم سلاح يعتمد عليه الجيش الأوكراني للصمود في مواجهة الجيش الروسي وتحديداً ضد قوافل الدبابات وبسببه تعرقل دخول روسيا للعاصمة أسبوعاً كاملاً حسبما نقل موفد قناة “كان” العبرية من أوكرانيا إيتي بلومنتال في سلسلة تغريدات.
القوات الأوكرانية تنشر على صفحتها أغنية بعنوان (بيرقدار) تقول: إنها عقوبة للروس على قتلهم أطفال سورية والشيشان والقرم وأوكرانيا.
وكانت مسيرات “بيرقدار” قد لعبت دوراً محورياً في المعارك التي جرت في السنوات الأخيرة، حيث دمرت مئات الدبابات التابعة للنظام السوري والأنظمة الدفاعية الروسية في إدلب شمالي سورية.
كما دمرت بدرجة أساسية أنظمة “بانتسير” الدفاعية الروسية في ليبيا، وكانت بمثابة السلاح الأول الذي ساعد الجيش الأذربيجاني في الانتصار بحرب قره باغ.
وهذه هي المرة الخامسة التي يتم فيها استخدام طائرات “بيرقدار” تركية الصنع بمواجهات دولية، وقد نجحت في مراتها الـ 4 الماضية بحسم المعارك لصالح مستخدميها، والان تسجل نجاحها الخامس.
من هذه النجاحات 4 ضد روسيا أولها في شمال سورية مارس 2020م ضد قوات مدعومة من روسيا، وضد قوات الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا أبريل 2020م، وفي أذربيجان سبتمبر 2020م خلال حربها مع أرمينيا التي استعادت بموجبها أراضيها، ثم أوكرانيا.
ويضاف لذلك استخدام إثيوبيا لها ديسمبر 2021م ضد قوات “تيجراي” التي كانت قد أوشكت على دخول العاصمة أديس أبابا.
وكالة “رويترز” نقلت عن السفير الأوكراني في تركيا “فاسيل بودنار” قوله: إن “الطائرات المسيرة تركية الصنع من طراز بيرقدار أظهرت فاعلية في القتال ضد قوات الغزو الروسي”.
وشارك قائد الجيش الأوكراني، فاليري زالوجني، في عرض فيديوهات تبين قيام طائرة “بيرقدار” أوكرانية تركية الصنع في استهداف أنظمة صواريخ روسية مضادة للطائرات.
وعلى صفحته في “فيسبوك”، أظهر فيديو منشور قبل ساعات قاذفة صواريخ ضمن رتل عسكري، وهي تتعرض لصاروخ تركها حطاماً.
وقال قائد الجيش: “تمكن مشغلو الطائرات من ضرب قوافل أعدائنا، مضيفاً “ليبق الأعداء خائفين، لن يحصلوا على السلام في أرضنا”.
وانتشرت العديد من المقاطع الأخرى لجنود وضباط من الجيش الأوكراني وهم يفتخرون بأداء المسيرات التركية في الحرب الدائرة، وأخرى توعد فيها ضباط أوكرانيون الجيش الروسي “بالجحيم من خلال مسيرات بيرقدار”.
ونقل حساب تابع لرئاسة أركان الجيش الأوكراني على “تويتر” مقطع فيديو يظهر تصويراً من غرفة التحكم للحظة مهاجمة قافلة عسكرية وكتب عليها “أهلا بكم في الجحيم”، لافتاً إلى أن الضربات نفذت بواسطة مسيرات “بيرقدار”.
وطوال الأيام الماضية، أظهرت مقاطع فيديو مختلفة قوافل عسكرية للجيش الروسي تعرضت لضربات جوية مركزة ما أدى إلى تدمير واحتراق عشرات الدبابات والمدافع والعربات المصفحة، وأظهرت مقاطع أخرى جثثاً متفحمة لجنود من الجيش الروسي قتلوا في هذه الضربات، حيث أشارت وسائل إعلام أوكرانية وخبراء عسكريون إلى أن هذه الضربات نفذتها طائرات مسيرة من طراز “بيرقدار” التركية.
وأعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية أن دفاعاتها الجوية دمرت عدداً كبيراً من الطائرات والمروحيات الروسية، فضلاً عن قطار شحن يحمل وقوداً، موضحةً أن تدمير قطار الشحن الروسي تم عبر مسيرة “بيرقدار” تركية الصنع، كما أشارت بيانات عسكرية أخرى إلى تدمير قوافل عسكرية بواسطة مسيرات بيرقدار.
ما لفت نظر الخبراء العسكريين أن التكهنات السابقة أشارت إلى أن المسيرات التركية من طراز بيرقدار التي اشترتها أوكرانيا في السنوات الأخيرة لن تتمكن من لعب دور فعال في معركة نظامية مع الجيش الروسي الذي استقدم أحدث منظوماته الدفاعية لأوكرانيا وأن أداء المسيرات التركية لن يكون على غرار ما جرى سابقاً في سورية وليبيا وأذربيجان.
إلا أن التطورات على الأرض تشير إلى أن المسيرات التركية نجحت بالفعل في توجيه ضربات مؤلمة للجيش الروسي.
صمت تركي
رغم ما ينشره القادة الأوكرانيين والنشطاء من فيديوهات توثق الضربات التي تقوم بها الطائرات التركية للفتك بالمدرعات والدبابات والقطارات الروسية، تلزم تركيا الصمت لأن هذه ثان ضربة توجهها لروسيا بعد تطبيق اتفاقية “مونترو” وعرقلة مرور سفن روسيا الحربية.
تحاول أنقرة التوضيح عبر تقارير صحفية أن تركيا لا تُدير الطائرات التي تم شرائها من طرف الدول، وأن أوكرانيا اشترت تقريباً 15 طائرة بيرقدار وهي التي تتحكم فيها وليست تركيا.
وفي محادثة هاتفية جرت في ديسمبر الماضي بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أثار بوتين استخدام الأوكرانيين للطائرات بدون طيار التركية الصنع، واصفاً ذلك بالسلوك “المدمر” و”النشاط الاستفزازي”.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو وقتها :إنه لا يمكن إلقاء اللوم على أنقرة في نشر أوكرانيا للأسلحة.
فحين استخدمت أوكرانيا هذا النوع من الطائرات خلال الحرب ضد الانفصاليين في منطقة دونباس الشرقية، أكتوبر 2021م وتدمير مدفع هاوتزر روسي باستخدام طائرة بيرقدار بدون طيار رد وزير خارجية تركية على امتعاض روسيا، مؤكداً أن أنقرة لا تتحمل مسؤولية استخدامها.
قال في تصريحات نقلتها قناة “تي آر تي” التركية الرسمية: أي سلاح تشتريه دولة ما من تركيا أو غيرها لا يمكن الحديث عنه على أنه سلاح تركي أو روسي أو أوكراني، وإنما يصبح ملكاً للبلد الذي اشتراه، ولا يجب توجيه أي اتهام لأنقرة يتعلق بطريقة استخدام الطائرات المسيرة لأنها أصبحت “سلاحاً أوكرانيا”.
والتزمت تركيا الصمت تجاه هذه الأنباء ولم تتناول وسائل الإعلام الرسمية التركية الأخبار التي تنسب هذه الهجمات لمسيرات بيرقدار أو إبراز دورها في المعارك على غرار ما جرى في مواجهات سابقة في سورية وليبيا وقره باغ.
في مؤشر واضح على وجود رغبة تركية رسمية في عدم تصدر المشهد واعتبار ذلك أنه اصطفاف عسكري مباشر إلى جانب الجيش الأوكراني في الحرب مع روسيا، وذلك في ظل استمرار مساعي أنقره للعب دور الوسيط بين الطرفين.
وباعت تركيا لأوكرانيا قرابة 20 طائرة مسيرة من طراز بيرقدار التي بدأت أوكرانيا بالفعل في استخدامها ضد المتمردين المدعومين من روسيا في دونباس، في حين زعمت موسكو إسقاط 9 منها.
وفجر بيع الطائرات التركية لأوكرانيا غضب موسكو، قبل أن يجري التوقيع خلال زيارة أردوغان لكييف، الشهر الماضي، على اتفاق جديد لصناعة المزيد من هذه الطائرات بشكل مشترك على الأراضي الأوكرانية.
وهو ما يمنح الجيش الأوكراني فرصة امتلاك أعداد أكبر بكثير من هذه الطائرات التي أثبتت قوة أدائها العسكري ضد المنظومات الدفاعية والهجومية الروسية في معارك سابقة في ليبيا وسورية وقره باغ.
وقبيل الحرب، وعلى الرغم من الغضب الروسي المتزايد أكد فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية في تصريحات لشبكة “بلومبرغ” أن بلاده لن توقف بيع الأسلحة إلى أوكرانيا لإرضاء روسيا الغاضبة.
وشدد على أن التعاون الدفاعي بين تركيا وأوكرانيا غير موجه ضد روسيا، لكن هذه التطمينات لم تلق صدى في روسيا التي انبرت وسائل إعلامها وكبار كتابها لاتهام تركيا بـ “النفاق” ودعم أوكرانيا عسكرياً من جانب وادعاء “الرغبة في الوساطة” من جانب آخر.