رغم ما قدمه المسلمون في الهند من نماذج حضارية، فإن ظاهرة العداء لهم ألقت بظلالها على المجتمع الهندي، حيث تعرضوا لكثير من الاعتداءات والانتهاكات في الفترة الأخيرة سيما بعد وصول حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي المتطرف.
الاستعمار البريطاني تنبه لخطورة الامتزاج بين المسلمين وغيرهم على نفوذه فعمد إلى بث الفرقة
وتعليقاً على هذا الأمر، يقول البروفيسور «تنوير إعجاز»، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دلهي لـ»هيئة الإذاعة البريطانية»: «العنف الطائفي ليس ظاهرة حديثة، لكنه يتوافق مع إستراتيجيات من هم في السلطة وبالتجييش السياسي، ثم أضاف: ومما يثير الأسى أنه لا يزال مقترفو الهجمات ضد المسلمين بلا عقاب وسط اتهامات بأنهم يتمتعون برعاية سياسية من حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف»، وفي هذا المقال، سنلقي الضوء على بعض مظاهر الحضارة التي قدمها مسلمو الهند.
بداية، يقول المؤرخ «جوستاف لوبون»، في كتابه «حضارة الهند»: «الحق أن دور الهند التاريخي لم يبدأ إلا بعد المغازي الإسلامية في القرن الحادي عشر بفضل مؤرخي المسلمين»، واستكمالًا لما سبق، نجد دور علماء المسلمين الهنود فيما كتبوا وصنفوا حيث مثل مشاعل هداية في ميادين العلم والصناعة والاجتماع.
وقد دخل الإسلام الهند مبكراً، حيث توجهت الفتوحات إليها بقيادة المهلب بن أبي صفرة عام 44هـ في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، ثم تتابع الفتح بعد ذلك على يد محمد بن القاسم الثقفي عام 93هـ، تلك البلاد التي تعد أشبه بقارة متعددة الأعراق والديانات والمذاهب، وقد حافظ المسلمون على تواجدهم محصنين بقيم ومبادئ دينهم رغم ما تعرضوا له من محن وويلات كادت تنهي الوجود الإسلامي بأكمله، لكن كانت نظرة الفاتحين المسلمين لهذه البلاد بأنها موطنهم لا يبغون عنه حولاً، يخدمون أهلها بكل ما وهبوا من ذكاء وبراعة، وما تمثلوه وتخلقوا به من آداب الإسلام من عدل وتسامح ومساواة جعلتهم موضع القدوة من غيرهم، عكس ما اقترفه الاستعمار من استعباد ونهب لخيرات الهند.
وقد امتاز التواجد الإسلامي في الهند بميزتين:
أولاهما: المحافظة على الشخصية الدينية الأساسية التي نشأت عليها بتأثير الدعوة المنتشرة في جميع أنحاء الهند.
ثانيتهما: مساهمة الدعوة الإسلامية وأخلاق المسلمين وما قدمه روادهم في بناء البلاد ورقيها حضارياً في ميادين الأدب والاجتماع والعمران؛ حيث الامتزاج الثقافي والعقلي، ونشأت للمسلمين هوية اعتبارية تفرق بينهم وبين غيرهم من النماذج البشرية المتواجدة معهم، ولقد تنبه الاستعمار البريطاني لخطورة الامتزاج بين المسلمين وغيرهم من الهنود على نفوذه وسيطرته فعمد إلى بث الفرقة والاحتراب.
وقد قاوم المسلمون الهنود كل عوامل الذوبان عن طريق:
– المدارس العلمية في الهند.
– رجالات النهضة العلمية وتأثيرهم.
الحضارة الإسلامية بالهند تركت معالم ضخمة تمثل أفضل ما قدمته العمارة الهندسية حول العالم
أعلام ومؤلفات
عرفت الحضارة الإسلامية في الهند عدداً من الأعلام والرواد الذين أثروا الحياة العلمية هناك، نذكر منهم:
– الشيخ العلامة عبدالحي الحسني (ت 1341هـ/ 1923م)، مدير ندوة العلماء الأسبق الذي يعد مكتبة كاملة في تاريخ الهند؛ حيث قام وحده بدور يكاد يقارب ما تقوم به المجامع العلمية؛ فألف في تراجم أعيان الهند كتابه «نزهة الخواطر» في ثمانية مجلدات تشتمل على خمسة آلاف ترجمة، وكتب في تاريخ الهند العلمي والعقلي كتاب «عوارف المعارف»، الذي صدر عن المجمع العلمي العربي بدمشق باسم «الثقافة الإسلامية في الهند».
– الشيخ أبو الحسن الندوي (ت 1420هـ/ 1999م)، ويعد من أكثر علماء الهند شهرة في العصر الحديث؛ حيث شارك في بث الحياة بالحركة الإسلامية في الهند متأثراً بحركة المد والصحوة التي عمت العالم الإسلامي، وله عدة مؤلفات، منها «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟»، «ردة ولا أبا بكر لها»، «روائع إقبال»، أسس مركزاً للتعليمات الإسلامية عام 1943م، وله جهود كثيرة في المؤسسات والمجامع العلمية بالهند.
ومن أعلامهم وروادهم أيضاً علي الهويري، والشيخ معين الدين الأجميري، وعلي بن الشهاب الهمداني الكشميري.
ومن جملة مؤلفات علماء الهند:
– كتاب «العباب الزاخر» للإمام حسن ابن محمد الصغاني اللاهوري من رجال القرن السابع الهجري، وهو من مراجع فقه اللغة.
– كتاب «كنز العمال» للشيخ علي بن حسام الدين المتقي البرهانفوري المتوفى عام 975هـ، وهو ترتيب جمع الجوامع للسيوطي من الكتب التي اعتنى بها علماء الحديث، وقد اشتهر علماء الهنود بالعناية بالحديث النبوي وبرزوا في هذا المجال.
– كتاب «كشاف اصطلاحات الفنون» للشيخ محمد أعلى التهانوي من رجال القرن الثاني عشر الهجري الذي يعد معجماً للمصطلحات العلمية في موضوع لم يكن فيه كتاب كبير على شدة الحاجة إليه في باب تصنيفه.
– كتاب «حجة الله البالغة» للإمام ولي الله الدهلوي المتوفى عام 1176هـ، كتاب مرجع في أسرار أحكام الشريعة وفلسفة التشريع.
– كتاب «تاج العروس في شرح القاموس» لمرتضى بن محمد البلكرامي المشهور بالزبيدي اليمني المتوفى عام 1205هـ، حيث ولد في الهند في بلدة بلكرام.
اهتمامهم باللغة العربية
وعلى كثرة كتبهم المؤلفة في الفقه والحديث والأحكام، والرد على الفرق والمذاهب المخالفة وما تموج به الساحة الهندية من آراء مخالفة للعقيدة الإسلامية كالبهائية والقاديانية، لا يزال المسلمون الهنود يدرسون اللغة العربية، ويطلقون على مدارسهم المدارس العربية.
وقد أصدروا في فترات من تاريخهم مجلات وصحفاً عربية تدل على عظيم اهتمامهم بلغة القرآن الكريم وهديه ووحيه، منها:
– مجلة «البيان» التي كانت تصدر من لكنهؤ.
– صحيفة «الجامعة» الأسبوعية، صدرت من كلكتا، وكان رئيس تحريرها مولانا أبو الكلام آزاد، رئيس المؤتمر الوطني، وزير المعارف في الحكومة المركزية بعد ذلك.
– مجلة «البعث الإسلامي»، كان صاحب فكرة إنشائها أ. محمد الحسني، وقد بارك هذا الأمر الشيخ أبو الحسن الندوي، وصدر العدد الأول منها في عام 1375هـ/ أكتوبر 1955م.
وقد تركت الحضارة الإسلامية في الهند معالم ضخمة تمثل أفضل ما قدمته العمارة الهندسية حول العالم، أصبحت شاهدة على التراث الثقافي الإسلامي الهندي، منها:
– القلعة الحمراء (أو الحصن الأحمر): من أهم مباني الهند الإسلامية في دلهي، أنشأها الإمبراطور المغولي شاه جهان في القرن الـ16، وكانت مقر إقامة الحكام ومقر عاصمة المغول حتى انتهاء العصر المغولي.
– قطب منار: معلم تاريخي هندي يقع بالقرب من دلهي، تعتبر منارته الأطول من نوعها في الهند، وثاني أطول المنارات في تاريخ العالم الإسلامي بعد منارة الجيرالدا في إشبيلية، ويعتبر قطب منار أول مسجد في الهند بناه السلطان قطب الدين أيبك التركي الأصل عام 1193م.
– المسجد الجامع: يعود إلى العصر المغولي في دلهي، ويعرف بالمسجد الملكي لشاه جيهان باد، أكبر مساجد الهند على الإطلاق، وهو آية في تاريخ العمارة العالمية، وقد كان معقلاً لمقاومة الاحتلال الإنجليزي حتى عام 1857م.
– تاج محل: يعد أهم نماذج العمارة الإسلامية الشهيرة، وكان يصنف ضمن عجائب الدنيا السبع، شيده الإمبراطور شاه جهان ليكون ضريح زوجته الإمبراطورة ممتاز محل، وهو يعتبر من أجمل نماذج العمارة الإسلامية؛ حيث يعرف على نطاق واسع بأنه جوهرة الفن الإسلامي الهندي، أدرجته منظمة «اليونسكو» عام 1983م كأثر من التراث العالمي.