مرة أخرى، يعود الفيلم الفكاهي “الإرهاب والكباب”، الذي عرضته السينما المصرية عام 1992م، إلى واجهة الأحداث، وهو الفيلم الذي كتبه الراحل وحيد حامد، وكان من أبرز ممثليه عادل إمام، وكمال الشناوي.
وتدور أحداث الفيلم في مجمع التحرير الشهير، وتبدأ برغبة مواطن نقل طفليه من مدرسة إلى أخرى، ولكنه يتعثر في تحقيق رغبته بسبب الروتين الحكومي، فيضطر بسبب العقبات المتلاحقة إلى إشهار السلاح وسط المواطنين، ويتخذ بعضهم رهائن ويناصره بعضهم الآخر، فتأتي قوات الشرطة وتحاصر المكان، وتجري مفاوضات بحضور وزير الداخلية الذي يتابع الموقف عبر مكبر صوت، ويفاجأ بأن مطالب المحتجين شخصية بحتة، فيأمرهم الوزير بإطلاق الرهائن وإلا سيهاجم المكان بكل من فيه بمن في ذلك الرهائن، فيترك المسلح الرهائن، ولكنهم يرفضون تركه حتى لا يواجه الموت، ويطلبون منه الخروج معهم، بعد أن شعروا أن مطلبه يمثل مطالبهم جميعاً في البحث عن الوطن العادل، وعقب خروجهم من المبنى تدخل الشرطة ولا تجد أحداً غير جندي وماسح أحذية، وكأن المكان لم تكن به عملية إرهابية منذ لحظات!
في الفيلم مفارقات وطرائف البيروقراطية الحكومية، وتصوير مقزز لبعض الملتحين كعادة المؤلف الذي لم يكن يملّ من تصوير المتدينين تصويراً مقززاً وقبيحاً ودموياً في معظم أفلامه ومسلسلاته التي تضمنت شخصيات إسلامية، كما رأينا، على سبيل المثال، في “طيور الظلام”، و”الإرهابي”، و”حد السيف”، و”العائلة”، و”الجماعة”، و”أوان الورد”.. وغيرها.
وقد جاء ذكر فيلم “الإرهاب والكباب” على لسان رئيس الجمهورية في الاحتفال بتدشين ما سمي بمشروع تنمية الأسرة المصرية، يوم الإثنين الماضي، فقد رأى أن الفيلم صوّر البلد كأنها خصم للمواطن، مع أن سلبية المواطن هي الخصم! وذلك في سياق تحميل المواطنين مسؤولية المشكلات المزمنة، وعدم القيام بواجباتهم، واستهانتهم بالمشكلة السكانية حيث يكثرون النسل حتى تجاوز عدد السكان مائة مليون، ورتب على ذلك أنه لا يحق للمواطن أن يشكو أو يتبرم من الأزمات المتوالية، ورأى أن ثورة يناير 2011 أوشكت أن تدمر البلد لولا فضل الله! (نسي سيادته أن ثورة يناير هي التي جاءت به وزيراً للدفاع!)، وأكد أن المواطن الذي لا يعمل هو الخصم.
يُذكر أن الفيلم في نهايته أظهر قبضة السلطة الباطشة، حيث قال وزير الداخلية: إن من لا تعجبه سياسة الحكومة فليذهب إلى مجلس الشعب، ومن لا يعجبه مجلس الشعب يخبط رأسه في الحائط، وذلك بعد أن هدد بنسف مجمع التحرير بمن فيه!
ويلاحظ أن المؤلف الراحل وحيد حامد كان حريصاً دائماً على تلميع صورة السلطة وأجهزة الأمن، وتحميل الأخطاء والمفاسد لبعض الصغار من الضباط والمسؤولين، بعيداً عن طبيعة النظام ومكوناته الاستبدادية.
وقد رأينا ذلك بوضوح وتكرار في فيلم “اللعب مع الكبار”، فالمؤلف ابن النظام، والنظام هو الذي منحه كثيراً من الامتيازات والفرص، واستثمر موهبته الفائقة في كتابة الأفلام والمسلسلات ليكون نموذجاً للنقد والمعارضة المستأنسة، التي تهجو الإسلام، وصغار المسؤولين، دون الدخول في الأعماق!