أثار الموقف الرسمي المصري بالتصويت ضد روسيا في الأمم المتحدة ورفض عدوانها على أوكرانيا، برغم تأييد إعلام السلطة للغزو الروسي وبوتين، تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لذلك.
إذ يبدو أن التصويت المصري الذي يدين روسيا في حربها ضد أوكرانيا هو رد على موقف روسيا تجاه مشكلة “سد النهضة”، في يوليو 2021.
“المجتمع” رصدت آراء مصادر مصرية مرتبطة بالملف المائي بينها مصدر دبلوماسي سابق والخبير المائي هاني إبراهيم حول علاقة موقف مصر بأزمة “سد النهضة”، الذين أكدوا أن القرار مرتبط بالشركاء الدوليين في مفاوضات “سد النهضة”.
وشدد المصدر الدبلوماسي السابق على أن “السياسة مصالح”، مشيراً إلى أن قرار وقوف مصر مع أوكرانيا مرتبط بالشركاء الدوليين في مفاوضات “سد النهضة”، إذ إن روسيا وقفت ضد مصر في مسألة “سد النهضة” الحيوية، عكس أمريكا وأوروبا الداعمين لأوكرانيا.
وأوضح المصدر أن تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي ركز بوضوح على مغازلة موقف مصر من أزمة “سد النهضة”، بأن الغرب سيدعمها ويزيد اهتمامه بالمشكلة عقب انتهاء أزمة أوكرانيا، عكس موقف روسيا المضاد لموقف مصر فيها.
الموقف المصري الأخير مؤشر على قوة العلاقات مع دول مجموعة السبع
وفي لقائها مع وزير الري المصري، أول مارس الجاري، أكدت أنيت وايبر، الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي والبحر الأحمر، أن اهتمام الاتحاد الأوروبي بـ”سد النهضة” سيزداد بعد الحرب الروسية بسبب احتياجنا للطاقة.
لذا يبدو الموقف المصري الأخير مؤشراً على قوة العلاقات مع دول مجموعة السبع، التي أصدر سفراؤها بالقاهرة بياناً مشتركاً طالبوا فيه مصر بالوقوف جانب أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤشر على رضوض مصر للمطالب الأوروبية.
إلا أن مصر ليست متفقة تماماً مع العقوبات ضد روسيا، حيث أكدت، في بيان، عقب التصويت، أنها ترفض منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف.
وقالت: إن ذلك يأتي من منطلق التجارب السابقة التي كان لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، كما حذرت مصر من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الحالية على الاقتصاد العالمي بأكمله، الذي لا يزال يعاني من تداعيات الجائحة.
وترتبط مصر بعلاقات جيدة بالطرفين المباشرين في هذا الصراع حيث تستورد ما يصل إلى 80% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا معاً، كما أن السوقين الروسية والأوكرانية تمثلان قرابة ثلث أعداد السياح الوافدين لمصر.
“سد النهضة” يحسم
هاني إبراهيم، الخبير في الشؤون المائية، شدد على أن واقعة روسيا وأوكرانيا وبعيداً عن موضوع روسيا معنا أم ضدنا والسيناريو الشائك الدائر حالياً، ترتبط تبعاتها بـ”سد النهضة”.
وأكد أن موقف روسيا مؤيد لإثيوبيا في مسألة السد كما ظهر في جلسة سابقة لمجلس الأمن الدولي، والتأييد كان بالتوازي مع توجه لإيجاد موضع قدم لروسيا في السودان وقاعدة عسكرية هناك، وهو ما ترفضه مصر.
وأوضح إبراهيم عبر سلسلة تغريدات على “تويتر” أن الأربعة الكبار المتحكمين فعلياً في السياسة العالمية وأزمة “سد النهضة” هم البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وأمريكا والأمم المتحدة، وجميعهم ضد الموقف الروسي، عكس الموقف الروسي ضد مصر.
مصدر دبلوماسي سابق: قرار وقوف مصر مع أوكرانيا مرتبط بالشركاء الدوليين في مفاوضات “سد النهضة”
وقال: لأن روسيا لها نفوذ أو مصالح في حوض النيل لذا كانت أصوات عدد كبير من دول الحوض معها سواء برفض قرار الأمم المتحدة بشأن أوكرانيا، كما فعلت إريتريا، أو الامتناع عن التصويت من بعض الدول مثل السودان وجنوب السودان أو من إثيوبيا التي غابت أصلاً عن حضور جلسة مجلس الأمن، بل إن رئيس الاتحاد الأفريقي (السنغال) امتنع عن التصويت رغم بيان الاتحاد الأفريقي ضد العدوان الروسي.
زيارة حميدتي لروسيا
وتوجه نائب رئيس مجلس السيادة السوداني حميدتي إلى روسيا في أوج أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وسط تساؤلات حول سبب الزيارة التي قال معارضون سودانيون: إن هدفها إخراج السودان من أزمته المالية مقابل تمرير اتفاق القاعدة البحرية.
وتوقف حميدتي بمطار القاهرة في طريق عودته من روسيا، والتقى باللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات المصرية، وقال: إنه بحث معه ملف “سد النهضة”، في إشارة لاهتمام القاهرة بمعرفة الموقف الروسي منها.
وأكد حميدتي في مطار الخرطوم عقب عودته من موسكو والقاهرة أنه “لا مشكلة لديه” في الموافقة على إنشاء قاعدة عسكرية لروسيا أو غيرها في السودان.
وقال: إذا كانت هناك مصلحة للسودان وشعبه من إقامة القاعدة (الروسية)، وفائدة لإقليم شرق البلاد، فلا توجد موانع.
وأضاف: لدينا 730 كيلومتراً على البحر الأحمر، لو أرادت أي دولة أن تقيم قاعدة عسكرية، ولدينا معها مصلحة، ولا تهدد أمننا القومي، فليست لدينا مشكلة أن نتعامل مع روسيا أو غيرها.
مستقبل منطقة حوض النيل
وحول القادم في منطقة حوض النيل، أكد إبراهيم أن العالم رأى الحرب (في أوكرانيا) ولا يحتمل نشوب حرب جديدة (في حوض النيل) لأنها إذا حدثت فسوف تشتعل المنطقة بالكامل.
لذا، فالافتراض الأول المتوقع هو محاولة إيجاد اتفاق يضمن على الأقل ترحيل قضايا خلافية لن تجد سبيل للتوافق حالياً وترحيلها إلى فترة لاحقة.
والافتراض الثاني محاولة إيجاد اتفاق نهائي بين الدول الثلاث مع توفير منافع للدول الثلاث من دعم اقتصادي يعوض كل طرف عن جزء من الأضرار التي تلحق به جراء الاتفاق في محاولة لإنهاء الأزمة على الأقل خلال عقد من الزمان.
ويوم 10 سبتمبر 2021، دعت روسيا القوى الغربية والأمم المتحدة إلى التوقف عن ممارسة الضغوط على إثيوبيا فيما يتعلق بـ”سد النهضة”.
وقال السفير الروسي لدى إثيوبيا إيفجني تركين: إن القوى الغربية التي تتآمر للضغط على إثيوبيا برعاية الأمم المتحدة، بشأن “سد النهضة” يجب أن تمتنع عن ذلك.
ويوم 8 يوليو 2021 قال المندوب الروسي في جلسة مجلس الأمن حول “سد النهضة”: نرفض التهديد (المصري) باستخدام القوة، ولا بديل عن التفاوض.
وعبر بذلك عن موقف بلاده تجاه الأزمة، وهو ما اعتبره كثير من المصريين انحيازًا فجًا وصريحًا ضد المصالح المصرية المصيرية، وتبنيًا لكامل الرواية الإثيوبية، بحسب صحيفة “المصري اليوم”.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الموقف الروسي انتقاد للموقف المصري، عبر التلميح إلى حديث عبد الفتاح السيسي، في عدة تصريحات سابقة له، بأن مصر لن تفرط في حقها في المياه.
وذكرت أن الموقف الروسي شغل بال الملايين من المصريين، الذين عولوا كثيرًا على موقف موسكو، ولم يتخيلوا أن ينحاز بهذا الشكل الذي يصل إلى حد الصفاقة، حسب وصف بعضهم، فماذا الذي جرى بالضبط؟
وتحدثت الصحيفة عما قالت: إنه 10 أسباب لانحياز روسيا لإثيوبيا رصدتها دراسة بحثية متعمقة أعدتها وحدة الدراسات الروسية بمركز الدراسات العربية الأوراسية، حينئذ.