منذ بدء الغزو الروسي على أوكرانيا تنامت المخاوف في تايوان من انتقال عدوى الغزو إلى الصين، وفق تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.
وأشار التقرير إلى أن المسؤولين في تايوان يعملون بشكل مكثف للتقليل من شأن العبارات التي انتشرت منذ الأسبوع الماضي، وأبرزها “اليوم أوكرانيا، وغدا تايوان”.
وأضاف أن الصين تزعم أن تايوان يجب أن تكون تحت حكمها، في مشهد يشابه الوضع في أوكرانيا حيث يسعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى احتلال كييف.
ويلفت تقرير واشنطن بوست إلى أن فرص استخدام الصين للقوة ضد تايوان سترتفع إذا تمكنت روسيا من كسب الحرب في أوكرانيا.
وأوضح التقرير أن تايوان تتعرض منذ سنوات لتهديدات بكين وترهيبها، وتشهد اختراقات صينية لمجالها الجوي، ناهيك عن إجراء تدريبات ومناورات صينية تحاكي هجمات على تايوان.
ونقل التقرير عن مصدر عسكري تايواني سابق، أن المخاوف تنبع من فكرة أن تمتد حرب روسيا وأوكرانيا إلى تايوان، وهو ما سيترك البلاد أمام خيار واحد بالدفاع عن نفسها من دون الاعتماد على الدول الغربية.
وتتشابه أزمة تايوان مع أوكرانيا. ففي حين ثمة رئيس مثل فلاديمير بوتين في روسيا يسعى إلى إعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي، تمتلك الصين الرئيس شي جين بينغ، الذي يريد إعادة توحيد تايوان مع الصين، بحسب الصحيفة.
ولفت التقرير إلى أن تايوان تمتلك بعض الاختلافات عن أوكرانيا، فهي تمتلك حاجزا بحريا طوله 100 ميل مع الصين، ناهيك عن دورها الأساسي في سلاسل التوريد عالميا، وهي تمتلك رصيدا لا يستهان به من التحالفات مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان.
وأشار التقرير إلى أن قلة من السكان في تايوان يعتقدون أن هجوم الصين أصبح وشيكا، إلا أن مشاهدة الدمار الذي لحق بمدن أوكرانية يترك أثرا كبيرا في نفوس المواطنين بتايوان.
وبحسب تقرير بثته وكالة فرانس برس تعتبر واشنطن أكبر حليف ومزود أسلحة لتايوان رغم أنها تعترف دبلوماسيا ببكين وليس بتايبيه منذ عام 1979.
ومنذ وصول الرئيسة التايوانية، تساي إنغ ون إلى السلطة في 2016، من حزب تعتبره بكين معاديا تقليديا، ضاعفت جمهورية الصين الشعبية جهودها لعزل الجزيرة على نطاق أوسع، من الناحية الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.
وفي نهاية فبراير، دانت رئيسة تايوان روسيا لإصدارها أوامر بدخول قواتها إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في أوكرانيا. ومن دون أن تشير بالاسم إلى النظام الشيوعي قالت إن “قوى خارجية تحاول التلاعب بالأوضاع في أوكرانيا والتأثير على معنويات المجتمع” في تايوان.
واستنكرت الصين تشبيه رئيسة تايوان التطورات التي تشهدها أوكرانيا بالوضع الذي تعيشه الجزيرة التي تسعى بكين لاستعادتها.
وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هويا تشونييغ بالقول إن “تسليط السلطات التايوانية الضوء على القضية الأوكرانية” وإبداءها القلق إزاء الأوضاع هناك، “مناف للمنطق”.
وأضافت أن “تايوان بالتأكيد ليست أوكرانيا. تايوان كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من الأراضي الصينية. هذه حقيقة تاريخية وقانونية لا يمكن دحضها”.
وتهدد بكين بانتظام باستخدام القوة في حال إعلان استقلال تايبيه رسميا أو التدخل الخارجي، لا سيما الأميركي.
يرى خبراء أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يشجع الصين على مهاجمة تايوان التي تراها مقاطعة ستعمل على ضمها إلى البر الصيني يوما ما. وإزاء ذلك، يتساءل الخبراء عن كيفية رد الدول الغربية في حال قيام الصين بغزو تايوان.
مع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا واستمرار قصف المدن الأوكرانية، يرى خبراء أن هناك حاجة إلى مراقبة رد الفعل الصيني حيال هذه الأزمة بشكل دقيق، خاصة في ظل التشابه بين التحركات الروسية حيال أوكرانيا ومطالب الصين بالسيادة على تايوان.
يتزامن هذا مع استمرار غموض الموقف الصيني الرسمي إزاء الصراع في أوكرانيا، على الرغم من رفض بكين المقارنة بين تايوان وأوكرانيا في تصريحات صدرت على لسان الناطقة باسم الخارجية الصينية هوا تشون ينغ في 23 فبراير/ شباط الماضي. إذ أكدت الناطقة على أن أي مقارنة في هذا السياق تظهر “غياب الفهم الأساسي لتاريخ قضية تايوان”، مضيفة أن “تايوان ليست أوكرانيا، إنها جزء لا يتجزأ من أراضي الصين وهذه حقيقة لا جدال فيها”. واتهمت هوا تشون ينغ السلطات في تايوان بمحاولة استغلال الأحداث المتسارعة في أوكرانيا لصالحها، على حد وصف المتحدثة.
وبغض النظر عن دلالات التصريحات الرسمية الصينية حيال النزاع في أوكرانيا، فإن السلطات التايوانية تتابع بقلق بالغ التطورات في أوكرانيا خاصة وأن الصين لطالما طالبت في عدة مناسبات بسيادتها على تايوان التي تتمتع بحكم ديمقراطي بل وتعهدت بضمها إلى البر الصيني في نهاية المطاف بما في ذلك التلويح باستخدام القوة إذا لزم الأمر.
أوجه التشابه والاختلاف بين تايوان وأوكرانيا
وفور بدء روسيا عملياتها العسكرية في شرق أوكرانيا، أدانت حكومة تايوان الغزو الروسي فيما شددت في الوقت نفسه على الخلاف بين الأوضاع في الجزيرة وأوكرانيا.
وفي ذلك، قالت الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون في بيان صدر في 25 فبراير / شباط المنصرم “أريد التأكيد على أن الوضع في أوكرانيا يختلف بشكل جوهري عن الوضع في مضيق تايوان”. وأضافت “يشكل مضيق تايوان حاجزا طبيعيا، في حين أن تايوان تحظى بأهمية جيوستراتيجية فريدة من نوعها. جيشنا ملتزم بالدفاع عن وطننا ويمضي قدما في تحسين قدرته للدفاع عن البلاد، فيما يساهم شركاؤنا الدوليون في تعزيز أمن منطقتنا ما يقوي ثقتنا في أمن تايوان”.
ورغم رفض الصين المقارنة بين الأزمة في تايوان بنظيرتها في أوكرانيا، إلا أن بعض الخبراء يؤكدون أن بكين تدرس بشكل دقيق رد فعل المجتمع الدولي على الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما أشارت إليه بوني غلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة. وفي مقابلة مع DW ، قالت من المؤكد أن الصين “ستستخلص الدروس (من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا) للاستفادة من ذلك في استراتيجيتها تجاه تايوان”.
وأضافت “ستراقب الصين مدى وحدة وتماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتحالفات الأمريكية الأخرى وأيضا مدى قدرة الحلف والدول الغربية على تحمل تبعات وتكلفة العقوبات على روسيا.”
وقالت غلاسر إن الأمر لن يتوقف على هذا المستوى، مضيفة “سوف تراقب الصين مجريات الحرب في أوكرانيا ومدى تأثير الجمع بين المعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية على أرض الواقع وتشكيل المواقف تجاه الصراع”.
وفي هذا السياق، يرى محللون أمنيون أن الصين تدرك الاختلافات اللوجستية بين غزو موسكو لأوكرانيا وأي هجوم محتمل قد تقدم عليه في مساعي ضم تايوان.
بدوره، يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة سوشو في تايوان، تشن فانغ يو، على أن الصين لا يمكنها اجتياح حدود تايوان في سيناريو مشابه لتوغل الجيش الروسي في الأراضي الأوكرانية. وقال في مقابلة مع DW”ستعمل الصين على البحث أين تكمن الفرصة وكيف يمكن الاستفادة من الأزمة الأوكرانية”.
أما ليف ناشمان، الباحث في مركز فيربانك للدراسات الصينية بجامعة هارفارد، فيسلط الضوء على أن الصين ستحاول تحقيق التوازن في إطار تعاطيها مع تطورات الأحداث في أوكرانيا.
وأضاف لـ DW أن الصين تريد أن تحصل على “فسحة دبلوماسية، حيث لا يتوقع كثيرون أن تتصرف الصين بنفس الطريقة العدوانية التي أقدمت عليها روسيا على الأقل على المدى القصير”. وتابع ناشمان بأن الصين إذا رأت “أن الوقت قد حان لاستعادة تايوان فلن تحذو حذو موسكو”.
وضوح الموقف الأمريكي تجاه تايوان
وإزاء كل هذه المعطيات، يطرح الخبراء تساؤلات حيال كيف سيكون رد فعل الدول والحكومات الغربية على أي هجوم صيني محتمل قد يستهدف تايوان. وفي ذلك، يرجح خبراء أن هذا الرد سيكون مختلفا عن الطريقة التي ردت بها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على غزو روسيا لأوكرانيا، حيث فرضت الحكومات الغربية عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا وقامت بتزويد أوكرانيا بالأسلحة لدعمها في صد الهجوم الروسي. ويؤكد على هذا السيناريو ناشمان، بأن “الولايات المتحدة من المرجح أن تتدخل في حالة ما تعرضت تايوان لهجوم صيني”. لكنه شدد على أنه في حال “إقدام تايوان على استفزاز الصين بشكل مفرط” وهو أمر من غير المرجح على حد قوله، فإن “احتمالات الدعم العسكري الأمريكي ستنخفض.”
وقال إن تايوان لم تحصل على “شيك على بياض من الولايات المتحدة بأنها تستطيع فعل ما تريد وسوف تحظى في المقابل بدعم أمريكي”.
أما بوني غلاسر مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة، فترجح انخراط الولايات المتحدة عسكريا إذا ما هاجمت الصين تايوان من دون قيام الأخيرة بأي عمل استفزازي.
وفي هذا السياق، أكد تشن فانغ يو على أن السياسة الأمريكية تجاه تايوان باتت تتضح ملامحها يوما بعد يوم على عكس الغموض الذي اكتنف هذه السياسة منذ وقت طويل في إطار ما أطلق عليه المراقبون “الغموض الاستراتيجي”. وأضاف تشن “منذ تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، أكدت إدارته في العديد من البيانات الدبلوماسية مع حلفاء بلاده على أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان”.
وقال إن هذا التأكيد يظهر أن “واشنطن تولي اهتماما كبيرا بالوضع في مضيق تايوان وذلك على عكس الوضع في أوكرانيا، إذ لم يدل مسؤولو إدارة بايدن بتصريحات مماثلة. فيما لا تزال تصر واشنطن على أنها لن ترسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا”.
وبعيدا عن العاصمة الأمريكية واشنطن، أكدت رئيسة تايوان على أن بلادها تواصل تعزيز دفاعاتها لمواجهة ما وصفته “بالحرب المعرفية” للحيلولة دون استخدام “القوى الأجنبية” الوضع في أوكرانيا لنشر معلومات مضللة بهدف إضعاف الروح المعنوية للشعب التايواني.