الصوم هو تجربة روحية عميقة أقرتها العقيدة الإسلامية، لكن الخبراء الطبيين يشيرون أيضًا إلى الفوائد العصبية والغذائية التي يهديها الصوم لجسم الإنسان ودماغه.
يجلب رمضان، الشهر الذي يصوم فيه المؤمنون من شروق الشمس إلى غروبها، الكثير من البهجة للمسلمين في جميع أنحاء العالم.
وتشير الدلائل العلمية، التي تعود إلى القرن السابع، إلى أن لشهر الصيام فوائد صحية، تشتد الحاجة إليها في هذا الزمان.
يقول مراد علمدار، أستاذ مساعد في طب الأعصاب في جامعة سكاريا التركية: الفرد الذي يهتم بالنوم المنتظم والتغذية المنظمة وغيرها من آليات الحياة المنتظمة، سوف يستفيد من الصيام في رمضان أكثر من غيره.
لكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أنماط حياة غير منتظمة واضطرابات في النوم والتغذية سيكون لديهم حزمة فوائد محدودة من صيام رمضان، كما يقول علمدار.
وقد أجرى علمدار بحثًا مكثفًا حول كيفية تأثير الصيام على أنشطة الدماغ البشري، وخلص إلى أنه يوفر فوائد كبيرة للناس كيما يعيشوا حياة صحية أكثر.
رمضان يمد يد العون للدماغ
جادل العلماء من مختلف الأديان والخلفيات منذ فترة طويلة من الزمن بأن الصيام يمكن أن يساعد عملية الأيض على تجديد نفسها، مما يؤدي إلى إزالة السموم من جسم الإنسان.
ويمكن أن تكون عملية الإصلاح هذه أكثر صحة بالنسبة لوظائف الدماغ البشري، حيث يمكن أن يؤدي الصيام إلى إطلاق عامل التغذية العصبية المشتقة من الدماغ (BDNF)، وهو أمر بالغ الأهمية لإنتاج الخلايا الجذعية.
وهذه الخلايا هي الوحدات الأساسية لعملية التمثيل الغذائي البشري التي تعمل إلى حد كبير مثل قسم إصلاح الجسم مع قدرتها على تجديد وإصلاح الأنسجة التالفة، كما أنها تنتج خلايا دم بيضاء جديدة، وتقوي جهاز المناعة ضد أعداء الجسم الخارجيين.
وقد صرح علمدار بأن هناك روابط بين الصيام وزيادة مستويات الإفراز في نشاط التغذية العصبية المشتقة من الدماغ، وهذا يزيد من إنتاج الخلايا الجذعية للدماغ، قائلاً: إن المزيد من خلايا الدماغ ستساعد أيضًا مركز الجهاز العصبي على العمل بشكل أفضل.
ويساعد الصيام الدماغ أيضاً على الراحة في فترة تكون فيها أعضاء الجسم الأخرى مثل المعدة أقل استخدامًا؛ لأن الأكل والشرب والتدخين والأنشطة الأخرى ذات الصلة تتوقف في رمضان، وفقًا لعلمدار.
في فترة الصوم عندما تدخل كمية أقل من التغذية إلى جسم الإنسان، يؤدي ذلك إلى إرسال أعضاء أخرى إشارات أقل بكثير إلى الدماغ (حيث يتواصل أكثر من 100 مليار عصب مع بعضهم بعضاً باستمرار لضمان عمل الجسم بالشكل المناسب)، وهذا يساعد الجسم على أن يستريح أكثر قليلاً من الأوقات الأخرى.
وبالمعنى الروحي، يفرح الدماغ أيضًا عندما يعتقد الجهاز العصبي أن شيئًا مهمًا للحياة قد تحقق عن طريق الصيام، كما يقول علمدار.
ويؤكد علمدار أنه من المعروف أن الشعور بالسلام بسبب المهمة المنجزة في مجال العبادة يجلب الهدوء، ويخلق تأثيرات إيجابية في الدماغ البشري.
زيادة التركيز الذهني
يساعد التركيز العقلي لشهر رمضان أيضًا على تحسين أداء الدماغ؛ لأن الصيام لا يقتصر فقط على التوقف عن العادات الغذائية والأنشطة الجنسية، ولكن أيضًا حول الابتعاد عن التفكير السلبي وإعادة تصور حياتنا وعلاقاتنا والأمور العائلية بطريقة روحية، وفقًا للخبراء.
ولاحظ علمدار أن الصيام يحرر الدماغ من العديد من الأنشطة اليومية الأخرى، ويزيد من احتمالات تركيزه على الوظائف الأساسية في الجهاز العصبي، مشيرًا إلى انخفاض القلق في رمضان.
لكنه ينصح أيضًا بأن الصيام في حد ذاته ليس رحلة مجانية للصحة النفسية واستقرارها، ويحث الناس على التخطيط لوقتهم بعناية بين الإفطار والسحور.
نحن بحاجة إلى توحيد أنماط النوم والتغذية لدينا بين الإفطار والسحور، ويقترح علمدار أنه إذا كان جسمنا معتادًا على روتين رمضان الجيد، فيمكن أن يساعد ذلك عقولنا على العمل بشكل أفضل.
في رمضان، يستيقظ المسلمون في منتصف الليل لتناول السحور، ونتيجة لذلك ينقسم نومهم، لكن يجب ألا يعني ذلك الحرمان من النوم، كما يقول علمدار، ولذلك ينصح الناس بشدة بالالتزام بساعات نومهم المعتادة حتى في رمضان.
ويقترح علمدار أن يأخذ الناس قيلولة قصيرة في منتصف النهار، تريح الدماغ من أداء وظائفه، مذكراً أن النوم ضروري مثل الطعام، الصوم يساعد أعضاء الجسم الأخرى.
فوائده الصيام للتغذية السليمة
يعمل الصيام أيضًا على تحسين الجهاز الهضمي؛ لأن الجسم سيكون لديه فرصة نادرة على مدار العام لإزالة السموم من الأعضاء الداخلية، حيث إن اتباع نظام غذائي خفيف يجبر الجسم على استخدام احتياطيات الدهون لمواصلة العمل في غياب التغذية، مما يؤدي إلى قتل السموم الضارة المخزنة في رواسب الدهون.
أجسامنا تقضي الكثير من الوقت في الهضم في حياتنا اليومية، لأننا نستهلك الكثير من الطعام، وأثناء الصيام، يعمل الجهاز الهضمي بشكل أقل، مما يسمح للجسم بالتركيز على مجالات أخرى مثل تقوية جهاز المناعة وتقليل مستويات العدوى، كما تقول سيرين كوكوكفاردار، اختصاصية التغذية التركية.
تلاحظ كوكوكفاردار أن الصيام يمكن أن يساعد الجسم أيضًا على مقاومة حالات مثل الإجهاد التأكسدي، الذي يمكن أن يزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان، ويبطئ من سرعة انتشار الخلايا السرطانية.
لكن بالنسبة للعديد من خبراء التغذية، فإن أهم مكسب للصيام يمكن أن يكون فقدان الوزن، وفقًا لـكوكوكفاردار.
تقول كوكوكفاردار: عندما تتناول كمية أقل من الطعام، فهذا يعني أيضًا أنك تقلل من مستويات الأنسولين (هرمون يتحكم في كمية السكر في الدم)، ويقلل من الدهون.
وهذا في رأي كوكوكفاردار يحسن حالة الكبد بشكل ملحوظ لأنه يقلل من الدهون.
ووفقًا لدراسات مختلفة، يساعد الصيام على خفض نسبة الكوليسترول الضار وتقليل الأنسجة الدهنية المفرطة، مما يقلل من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية.
لدينا هرمون في أجسامنا يسمى ديبونكتين، مهم لحماية صحة القلب والحفاظ على مستويات الجلوكوز منخفضة، والصيام وفقًا لبعض الدراسات يزيد من هذا الهرمون، كما تقول كوكوكفاردار.
وترى كوكوكفاردار أنه نتيجة لذلك، يمكننا القول: إن الصيام يحمي صحة القلب.
لكنها تحذر أيضًا من أن الصائمين يحتاجون إلى توخي الحذر بشأن عاداتهم الغذائية خلال شهر رمضان.
وتحذر قائلة: إذا تناولنا الكثير من الطعام أثناء الإفطار فقد يؤدي ذلك إلى أمراض في المعدة والأمعاء، مقترحة تقسيم الإفطار إلى فترتين مختلفتين؛ أولاً: تناول الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية مثل الحساء والجبن، ثم استراحة لمدة 15 دقيقة، تنصح بعد ذلك بالانتقال إلى الطبق الرئيس.
___________________
المصدر: “تي آر تي”.