يعود اسم الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق لملك الأردن عبدالله، ليحتل من جديد العناوين الكبرى في وسائل الإعلام الأردنية والعربية وحتى الدولية، بعد أسابيع قليلة على رسالة طلب فيها “الصفح” من الملك عبدالله، التي فجرت الجدل داخل المملكة الهاشمية وخارجها، يفاجئ الأمير مجدداً الرأي العام في بلاده بإعلانه في بيان عبر تغريدة على “تويتر” هذه المرة التخلي عن صفة أمير.
وتأتي هذه الرسالة، التي تتواصل ردود الفعل حولها في محاولات لفهم غاياتها، بعد قرابة العام من اتهام الأمير بالمشاركة في زعزعة أمن المملكة ونظام الحكم، واتهمت الحكومة الأردنية في أبريل 2021 الأمير بالتورط فيما عرف بـ”إحداث الفتنة”، ووضع منذ ذلك الحين قيد الإقامة الجبرية.
وفي نفس القضية، أصدرت محكمة أمن الدولة في يوليو الماضي حكما بالسجن 15 عاماً بحق رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد.
وكان الديوان الملكي الأردني أعلن، في الثامن من مارس الماضي، أن الأمير قدم “اعتذاراً” إلى الملك عبدالله الثاني وطلب “الصفح”.
وحسب نفس المصدر، قال حمزة بن الحسين في رسالة الاعتذار: “أخطأت يا جلالة أخي الأكبر، وجلّ من لا يخطئ، (….) إنني، إذ أتحمل مسؤوليتي الوطنية إزاء ما بدر مني من مواقف وإساءات بحق جلالة الملك المعظم وبلدنا خلال السنوات الماضية وما تبعها من أحداث في قضية الفتنة، لآمل بصفحك”.
التخلي عن لقب أمير
“من باب الأمانة لله والضمير لا أرى سوى الترفع والتخلي عن لقب الأمير”، هكذا لخص حمزة بن الحسين في رسالته دواعي خطوته، لوضع القطيعة رسمياً مع القصر، التي أثارت ذهول واستغراب الأردنيين.
وفي عبارات سابقة من نفس الرسالة، يوضح أكثر أسباب هكذا قرار بالقول: “بعد الذي لمست وشاهدت خلال الأعوام الأخيرة، قد توصلت إلى خلاصة بأن قناعاتي الشخصية والثوابت التي غرسها والدي في، والتي حاولت جاهدا في حياتي التمسك بها، لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا”، قبل أن يعبر عن اعتزازه بما قدمه لبلده: “كان لي الشرف العظيم بخدمة بلدي المفدى وشعبي الغالي بهذه الصفة على مدى سنوات عمري، وسأبقى كما كنت دائما وما حييت مخلصاً لأردننا الحبيب”.
وإن اكتفى القصر الأردني بالصمت حتى الآن إزاء هذا القرار الجديد للأمير، فقد سبق وأن اعتبر في بيان، رداً على رسالة “الصفح” السابقة، أن “إقرار الأمير حمزة بخطئه واعتذاره عنه يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق العودة إلى دور أصحاب السمو الأمراء في خدمة الوطن وفق المهام التي يكلفهم بها جلالة الملك”، ويفهم من ذلك أنها كانت البداية في عودة المياه إلى مجاريها بين الطرفين واستعادة الأمير لموقعه داخل الأسرة الحاكمة، لكن الأمير أكد برسالة التخلي عن لقب أمير أن الخلاف لا يزال قائما بل وبلغ مستويات عالية.
وسمى الملك عبدالله الأمير حمزة ولياً للعهد عام 1999 بناء على رغبة والده الراحل عندما كان نجله الأمير حسين في الخامسة من العمر، قبل أن ينحيه عن المنصب عام 2004 ويعين عام 2009 ابنه ولياً للعهد.
ماذا يريد “الأمير”؟
تظهر خطوة الأمير الأخيرة الوجه البارز من شدة التوتر في علاقته بالقصر، “طريقة إرسال هذه الرسالة عبر حساب شخصي وليس عبر قنوات الديوان الملكي فيه إشارة إلى أنه خيار فردي، وهذا يفسر أنه لم يكن هناك تنسيق أو حديث مسبق مع القصر في هذا الموضوع”، يقول المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة، في حديث لموقع “فرانس 24″،
ولا يقوم الأمير بمهام رسمية واضحة في دواليب الدولة، كما يشرح ذلك السبايلة، لكن للقب رمزيته في العائلة المالكة وبالتالي في داخل البلاد وخارجها، ويشخص ما أقدم عليه الأمير بأنه “تعبير عن عدم الرضا عن سياسات، ويميل أكثر إلى مسألة احتجاج على أوضاع”.
وبحسب السبايلة دائماً: “الرسالة تحمل في طياتها الكثير من النقد ونوعاً من الانسلاخ عن الواقع الجديد عندما يتحدث عن سياسات وتوجهات الأردن الحالي، وأنه ينتمي إلى أردن سابق فهناك رغبة في وضع خط فاصل بين أردن مضى، أردن الملك حسين وأردن حالي لا يعتقد أنه يستطيع أن يمثله، ويعزله، ويفسر رغبته في ترك اللقب لأنه لم يعد قادرا أن يخدم في هذه الجزئية”،
ولا يعتقد السبايلة أن الأمير يريد عبر رسالته توجيه نداء استغاثة لأجل استعادة حريته كاملة مع الابتعاد عن السياسة، “فهذه ليست رسالة للخروج من الإقامة الجبرية بل هي رسالة، بلا شك، تحمل في طياتها نقدا لا يمكن اعتباره حالة اعتزال إيجابي” للسياسة.
فما الذي يريده الأمير تحديداً من الملك عبدالله؟ بالنسبة للمحلل السياسي السبايلة: “لا نستطيع الحديث عن رؤية واضحة، لأنه لم يكن جزءاً من المشهد السياسي.. لم يعبر عن أفكار حقيقية وبالتالي لا نعلم فعلياً ما الأفكار التي يريد أن يسوقها أو يعتقد أنها هي الأصلح، فطرحه مبني على النقد أكثر من فكرة تقديم الحلول، والحلول بالنسبة لما عرضه هو مقارنات بالماضي وبطريقة عمل الإدارة السابقة، وبالتالي لا نستطيع القول: إن هناك برنامجاً قام بوضعه أو أخذه بعين الاعتبار”.
ماذا يعني قرار التخلي عن لقب أمير؟
التخلي عن لقب أمير يمكن أن تترتب عنه سيناريوهات جديدة، حسب تفسير أستاذ العلوم السياسية والاستراتيجية الأردني عصام الملكاوي لـ”فرانس24″، “أحدها يعني انسحابه التام من الحياة السياسية في الأردن أو تخليه عما كان يتصور أنه الأقدر على تحقيقه في المشهد السياسي المحلي”.
“أما السيناريو الآخر فقد جاء لكي يعيد خلط الأوراق مرة ثانية، واختار التوقيت في بداية رمضان في عملية استدعاء الاستعطاف الشعبي الأردني، ليقول: إنه ما زال رقماً صعباً في معادلة الحكم في الأردن”، وفق قراءة الملكاوي.
ويضيف: “مثل هذا القرار لا يتخذ ببساطة أو بسهولة أو بانفعال لحظي، لأن دلالته الأولى هي عودة “الأمير السابق” إلى صيغة “مواطن عادي” وبالتالي “المجازفة” بمساءلة محتملة أمام القانون وفقدان “حصانة اللقب” التي دفعت أصلاً، منذ الإعلان عن “فتنة نيسان” الشهيرة العام الماضي، الملك عبد الله الثاني لقرار التعامل مع الجزء المتعلق فيها بشقيقه “ضمن النطاق العائلي”.