1- مولد عبدالرحمن الداخل
هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، كنيته: أبو المطرف، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو سليمان، ولد سنة 113هـ/ 13 نوفمبر 731م، في خلافة جده هشام بن عبد الملك، في بلاد الشام عند قرية تعرف بدير حنا، وقيل: ولد بالعليا من أعمال تدمر، توفي أبوه شابًا عام 118هـ في خلافة أبيه هشام بن عبد الملك، فنشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأُموي بدمشق؛ حيث كفله وإخوتَه جدُّه هشام.
أسَّس عبد الرحمن الدولة الأموية في الأندلس عام 138هـ، بعد أن فرَّ من الشام إلى الأندلس في رحلة طويلة استمرَّت ست سنوات، بعد سقوط الدولة الأموية في دمشق عام 132هـ.
دخل الأندلس وهي تتأجج بالنزاعات القبلية والتمرُّدات على الولاة، فقضى عبد الرحمن في فترة حكمه التي استمرت 33 عامًا، على هذه النزاعات في شتى أرجاء الأندلس، تاركًا لخلفائه إمارة استمرت نحو ثلاثة قرون.
قرر عبد الرحمن أن يبدأ في التجهيز لدخول الأندلس بعد أن كوَّن جيشًا قويًّا والتف حوله مؤيدوه فأرسل أحد رجاله ويُدعى بدر إلى الأندلس لدراسة الموقف، ومعرفة القوى المؤثرة في الحكم فيها والوضع في الداخل الأندلسي، كما راسل كل مؤيدي الدولة الأموية في الأندلس، وأعلن عبد الرحمن خطته لبعض زعماء البربر الذين وافقوه على خطته وعلى دخول الأندلس لحقدهم وغضبهم من يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي عاملَ البربر بقسوة شديدة، مما كان له أكبر الأثر في تسهيل دخول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس، وفي ربيع الثاني سنة 138هـ استطاع عبد الرحمن الداخل العبور بجيشه مضيق جبل طارق إلى داخل الأندلس بدون مقاومة، وانضمَّ إليه أنصاره، وأخضع كافة البلاد في طريقه، وزحف إلى أشبيلية واستولى عليها وبايَعَه أهلُها، ثم نجح في دخول قرطبة العاصمة، بعد أن استطاع هزيمة جيش يوسف بن عبدالرحمن الفهري في موقعة المصارة في 10 من ذي الحجة سنة 138هـ ليُسيطِر على كافة أرجاء الأندلس، وقد علا شأن عبد الرحمن الداخل عندما أوقف شارلمان وجيشه عما كان يصبو إليه من احتلال الأندلس، وله العديد من الأعمال أيضًا؛ حيث أنشأ عددًا من قواعد بناء السفن في طرطوشة وقرطاجنة، كما بنى عبد الرحمن قصر الرصافة في أول حكمه، كما أقام سور قرطبة الكبير، الذي حصَّن به قرطبة، واستمر العمل به لأعوام، وأسس المسجد الجامع في قرطبة، حتى بلغ عدد مساجد قرطبة في عهده 490 مسجدًا، كما أنشأ دارًا لصكِّ العملة، تضرب فيها النقود بحسب ما كانت تضرب في دمشق في عهد بني أمية.
وكان يقال له صقر قريش، وذلك أنّ أبا جعفر المنصور قال لأصحابه: أخبروني عن صقر قريش من هو؟ قالوا: أمير المؤمنين الذي راض الملك، وسكّن الزلازل، وحسم الأدواء، وأباد الأعداء، قال: ما صنعتم شيئا. قالوا: فمعاوية. قال: ولا هذا، قالوا: فعبد الملك بن مروان، قال: ولا هذا، قالوا: فمن يا أمير المؤمنين؟ قال: عبد الرحمن بن معاوية، الذي عبر البحر، وقطع القفر، ودخل بلدا أعجميا مفردا، فمصّر الأمصار، وجنَّد الأجناد، ودوَّن الدواوين، وأقام ملكا بعد انقطاعه، بحسن تدبيره، وشدّة شكيمته، إنَّ معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان وذللا له صعبه، وعبد الملك ببيعة تقدّم له عقدها، وأمير المؤمنين بطلب عشيرته واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفرد بنفسه، مؤيد برأيه، مستصحب لعزمه(1).
توفي عبدالرحمن الداخل في 24 ربيع الآخر 172هـ وترك من الولد أحد عشر ولدًا منهم: سليمان، هشام، المنذر، يحيى، سعيد، عبدالله، كليب، ومِن البنات تسع، وقد دفن في قصر قرطبة بعد أن صلى عليه ولده عبدالله، وخلفه من بعده ولده هشام الملقب بهشام الرضا بناءً على أنه ولي العهد، واستمرت سيرة عبدالرحمن الداخل تصدح في سماء التاريخ لدرجة أن مؤرخي أوروبا سموه عبدالرحمن الأول وعبدالرحمن المؤسس.
2- مذبحة اللد
في 5 رمضان 1367هـ/ 11 يوليو 1948م، بدأ الهجوم الصهيوني على مدينتي اللد والرملة الواقعتين في منتصف الطريق بين يافا والقدس التي ترك رجالها يواجهون الآلية العسكرية الصهيونية ببنادقهم القديمة الفارغة من الرصاص بعد نفاده بسب القتال الطويل والمنهك لأيام عدة.
بدأ الهجوم الصهيوني على اللد؛ وهي العملية المعروفة بـ”حملة داني”، وسعى الصهاينة من خلالها إلى عزل المدينتين عن أي مساعدة تأتي من الشرق، فتقدم إلى شرقي اللد والرملة لواءان صهيونيان أحدهما من الجنوب، حيث دخل قرية عنّابه صباح 10 يوليو، ثم قرية جمزو، وثانيهما من اتجاه تل أبيب في الشمال الغربي، واحتل هذا اللواء مطار اللد، وباحتلاله عزلت سرية الجيش الأردني في الرملة والعباسية واليهودية، وهكذا اكتمل تطويق المدينتين وعزلهما، ولم يستطع المناضلون في القرى المذكورة ومطار اللد الصمود أمام الهجمات من قبل الدبابات والمدفعية المنسقة.
تعرضت المدينتان أثناء ذلك لقصف جوي كثيف وجه إلى مركز شرطة الرملة وقصف مدفعي شمل الأحياء الآهلة بالسكان، واستمر ضغط الصهاينة على امتداد واجهة القتال، وركزوا هجومهم على مدينة اللد أولا، فشنوا عند الظهر هجوما من الناحية الشرقية عند قرية دانيال، ولكن مجاهدي المدينة استطاعوا أن يصدوا الهجوم بعد معركة دامت ساعة ونصفا، خسر الصهاينة فيها 60 قتيلاً، ثم شن الصهاينة هجوما آخر بقوات أكبر تدعمها المدرعات، وتمكنوا من دخول اللد واحتلالها، وهم يطلقون النار على الأهالي دون تمييز.
بعد ذلك اخترقت وحدة تابعة للجيش الأردني مدينة اللد وفي أعقاب هذا الاختراق ارتفعت معنويات سكان المدينة، ومن أجل إخمادهم ومنعهم من التحرك، قامت العصابات الإرهابية الصهاينة بإطلاق النار الكثيفة على جميع من وجد في الشوارع، وخلال بضع ساعات قتل 250 فلسطينيا، فكانت “مجزرة”؛ لكن الرقم الحقيقي يبدو أعلى من ذلك بكثير فقد بلغ وفقا لأرقام فلسطينية وعربية نحو 426 شهيداً منهم 176 شهيداً في مسجد “دهمش” في المدينة، وفي رواية أخرى بلغوا 335 شهيداً، 80 منهم في مسجد “دهمش”.
وكان الرجال قد احتموا بمسجد “دهمش” وسط المدينة، وبعد ساعات قليلة من القتال نفدت ذخيرتهم واضطروا للاستسلام، لكن القوات الصهيونية المهاجمة أبادتهم داخل المسجد.
وتُعَد عملية اللد أشهر مذبحة نفذتها عصابات “البالماخ” الصهيونية في فلسطين عام 1948، فقد صدرت تعليمات بإطلاق الرصاص على أي شخص يشاهد في الشارع، وفتح جنود “البالماخ” نيران مدافعهم الثقيلة على جميع المشاة، وأخمدوا بوحشية هذه الثورة الوليدة خلال ساعات قليلة، وأخذوا يتنقلون من منزل إلى آخر، يطلقون النار على أي هدف متحرك.
ونشرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية عام 1972 التفاصيل التي أوردها العقيد احتياط موشيه كالمان عن مجزرة اللد، وأن القوات الصهيونية اقتحمت المدينة في ساعات بعد الظهر بالتنسيق مع طابور موشيه ديان، ورفعت المدينة الأعلام البيضاء، وقد تدفق السكان إلى المسجد الكبير والكنيسة المجاورة له، وأقيم مقر قيادة الكتيبة الصهيونية في منزل القسيس قبالة بوابة المسجد.
يقول كالمان: “طلبنا من السكان تسليم أسلحتهم، واكتشفنا في الصباح أنه لم يتم وضع أية قطعة سلاح من جديد، وأعدنا توزيع المدافع، وعند الظهر تقدمت نحو المدينة (عدد سكانها 20 ألفاً) مدرعات الفيلق الأردني التي كانت في منطقة محطة سكة الحديد، واقتحمت المدرعات الأردنية المنطقة، فبدأت بإطلاق النار وأصبح وضعنا حرجا، ولم يستطع اللواء التقدم لنجدتنا، ولأنه لم يكن هناك خيار، صدرت الأوامر لرجالنا بإطلاق النار على أي هدف، وسقط خلال المعركة ضحايا كثر، واستطعنا خلال بضع ساعات السيطرة مجددا على المدينة، ووصل الضحايا من المدينة إلى 250 قتيلاً”.
وذكر مراسل صحيفة “الهيرالد تريبيون”، كينيث بيلبي، الذي دخل اللد يوم 12 يوليو، أن موشيه دايان قاد طابورا من سيارات الجيب في المدينة كانت تُقل عددا من الجنود المسلحين بالبنادق والرشاشات من طراز ستين والمدافع الرشاشة التي تتوهج نيرانها، وسار طابور العربات الجيب في الشوارع الرئيسة، يطلق النار على كل شيء يتحرك، ولقد تناثرت جثث العرب، رجالا ونساء، بل جثث الأطفال في الشوارع في أعقاب هذا الهجوم وعندما تم الاستيلاء على الرملة أُلقي القبض، في اليوم التالي، على جميع من بلغوا سن التجنيد من العرب، وأُودعوا في معتقلات خاصة.
ومرة أخرى تجولت العربات في المدينتين، وأخذت تعلن، من خلال مكبرات الصوت، التحذيرات المعتادة.
وفي يوم 13 يوليو أصدرت مكبرات الصوت أوامر نهائية، حددت فيها أسماء طرق معينة للخروج من المدينة.
كان الهدف من “عملية داني” تنفيذ سياسة التهجير الجماعي للفلسطينيين التي كان يتبعها الصهاينة في ترحيل وطرد جميع الأهالي الفلسطينيين، والذي أمر بتنفيذ العملية وطرد السكان الفلسطينيين هو رئيس الوزراء الصهيوني ديفيد بن غوريون، وكلف بها عددا من قادة الحركات الصهيونية مثل موشيه دايان قائد العملية، الذي أصبح رئيس أركان ووزير حرب ووزير خارجية، وكذلك اسحق رابين، الذي احتل منصب رئيس أركان ثم رئيس حكومة ووزير حرب، وأيضاً يغائيل يادين، الذي أصبح رئيس أركان ونائب رئيس وزراء.
وعلى إثر هذه المذبحة ترك معظم السكان واللاجئين المدينة، وقٌدِّر عدد الباقين في المدينة بألف نسمة فقط، حسب شهادات بعضهم، أما بحسب تقرير المؤرخ الصهيوني بيني مورس فإن الجنود الصهاينة وبعد انتهاء المعارك قتلوا 167 شخصاً من سكان اللد بعد أن جمعوهم في مسجد “دهمش”، وبقي المسجد مغلقا لسنوات طويلة حتى تم ترميمه وافتتاحه في عام 2002.
_____________________
(1) العقد الفريد (5/229).