يوم 10 مارس 2022 نشر الباحث ستيفن كوك مقالاً في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية حول مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة العربية، يشدد في عناوينه على أن “الاسلام السياسي جاهز للعودة”، وقال: “لقد تم تضخيم موت الإسلام السياسي في الشرق الأوسط بشكل كبير”.
“كوك” قال بوضوح إنه من الخطأ تصور أن الإسلام السياسي قد انتهى، وأن الوصول إلى مثل هذه الاستنتاجات لدى السياسيين ومتخذي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية “سوف يكون استنتاجاً خاطئاً”، وأوضح أنه ما دامت الأسباب التي أدت إلى ظهور تيارات الإسلام السياسي موجودة فإن فرص عودتها في المستقبل مرة أخرى تظل مرتفعة؛ بل إنها هذه المرة قد تكون أكثر تشدداً وتطرفاً من المرات السابقة، وفق قوله.
أهمية ما قاله كوك أنه باحث مشهور بخبرته في الشؤون العربية، وله تاريخ من التوقعات التي ثبت صدقها؛ فبالإضافة إلى كتابه الشهير “تحكم لكنها لا تدير.. التطورات العسكرية والسياسية في مصر والجزائر وتركيا”، الذي ركز فيه على أدوار المؤسسة العسكرية في الحكم والإدارة في ثلاث من دول المنطقة.
كما أنه صاحب التقرير الشهير الذي نشر في أغسطس 2009 في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية بعنوان “الاضطراب السياسي في مصر”، والذي تنبأ مبكرا ببدء عملية انتقال سياسي في مصر، وتوقع حينئذ أن مصر قد تشهد أحد سيناريوهين: الأول: أن يتدخل الجيش بشكل مباشر بسبب مشاكل في انتقال السلطة على طريقة “انقلاب القصر”. والثاني: أن يصل الإسلاميون إلى السلطة من خلال تعظيم القوة السياسية لهم؛ وهو ما حدث بثورة يناير، ثم انقلاب الجيش.
ليس الوحيد
لم يكن مقال “كوك” هو الوحيد الذي عاد لمناقشة فرضية عودة الإخوان المسلمين، والحديث عن مستقبلهم باعتبارهم أكبر جماعة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي؛ فقد تصدر ذلك النقاش العام في مصر ودول أخرى، خصوصا مع تصاعد الغضب الشعبي، وتوقع بديل لنظام السيسي ضمن دورية “الجيش والإخوان”، بسبب ضعف باقي القوي السياسية.
لم يكن مقال “كوك” هو الوحيد الذي عاد لمناقشة فرضية عودة الإخوان المسلمين، والحديث عن مستقبلهم
الصحفي أنور الهواري -المحسوب سابقا على الإخوان، ورئيس تحرير “المصري اليوم” و”الأهرام العربي” السابق- شارك في هذ النقاش بسلسلة من المقالات عن الإخوان المسلمين بدأها بسؤال أساسي: هل للإخوان مستقبل سياسي؟
ورغم أن “الهواري” غلب على تحليله خلافه السابق مع الجماعة؛ فقد خلص من خلال مقالات متعددة عبر موقع “مصر 360” يناير 2022 إلى استنتاج مفاده أنه: من الوارد جداً أن يعود الإخوان على المدى القريب كفاعل مؤثر في المشهد السياسي على المدى البعيد. وقال: “الإخوان لهم مستقبل بالمعنى القريب؛ أي أن تتغير الظروف السياسية، وتظهر الحاجة لهم من جديد، سواء مصلحة الحكم أو مصالح إقليمية ودولية، فيتم رفع الحظر عنهم بمقدار الحاجة إليهم، وهم بدورهم يبدؤون بالقدر المُتاح، ثم يستغلون مهاراتهم الاتصالية والتنظيمية وإمكاناتهم التمويلية في إعادة بناء التنظيم من جديد من الإسكندرية إلى أسوان في أقل مدى زمني ممكن”.
أما رئيس تحرير صحيفة “الشروق” السابق الكاتب الليبرالي عبد العظيم حماد فتناول أيضا مستقبل الإخوان المسلمين في مقال نشره بنفس الموقع (مصر 360) بتاريخ 10 فبراير 2022، لكنه بدلاً من الإجابة المباشرة على السؤال بطريقة نعم أو لا تحليلاً، تناول العوامل التي يمكن أن تساهم في تشكيل إجابة هذا السؤال.
والعوامل التي ذكرها “حماد” لعودة الإخوان هي التطورات الداخلية في مصر، والتطورات الإقليمية، والتطورات داخل جماعة الإخوان المسلمين، وأخيراً المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة. وقال بأن هذه العوامل يمكن أن تتفاعل مع بعضها البعض بأشكال مختلفة، بل يمكن لكل عامل منها أن يسير في مسارات متباينة؛ بحيث يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تشكيل إجابة السؤال الأساسي عن مستقبل الإخوان المسلمين السياسي.
جزء من التاريخ
لكن الباحث أحمد محسن -باحث دكتوراه في العلوم السياسية- فقد ساهم أيضا في نفس النقاش حول مستقبل الإخوان المسلمين بمقال في موقع “عربي بوست” بتاريخ 18 مارس 2022، ومشروع بحثي بموقع “التحفيز” بتاريخ 12 ديسمبر 2021 لكنه ركز فيهما على “أسباب فشل الإخوان في إدارة التغيير السياسي في مصر”. لكن بخصوص مستقبل الجماعة السياسي، فوصل لاستنتاج مفاده “أن الأدوار السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر هي جزء من التاريخ، ولن تكون جزءاً من المستقبل”؛ حيث قال إن “فقدان الإخوان المسلمين للفاعلية السياسية مستقبلاً لا يعني بالضرورة اختفاء الجماعة في المستقبل؛ فقد تستمر الجماعة بفاعلية مستقبلاً في الجانب الدعوي أو في الجانب المجتمعي أو في الإصلاح الديني والعلمي، لكنه لن يكون لديها في الأغلب نفس هذه الفاعلية في الجانب السياسي”.
وأشار إلى أنه يمكن “لأفراد من الجماعة” أن يكونوا فاعلين سياسيين مستقبلاً لكن دون أن تُحسب هذه الفاعلية على الجماعة، ومفتاح هذه الفاعلية ستكون في قدرة هؤلاء الأفراد في الانتقال إلى مستوى مختلف يحتاج إلى متطلبات جديدة.
وذهب إلى أن الفاعلية السياسية للإخوان المسلمين في المستقبل أو لأي تيار أو حركة سياسية في مصر مرتبطة بأمرين رئيسين أظهرتهما الدراسة، هما: وجود مشروع سياسي واضح المعالم ومتفق عليه بين الحركة السياسية الجماهيرية، وامتلاك القدرة على تقديم حلول وسياسات عامة للمشاكل التي تعاني منها مصر حالياً، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.