يرى محللون أن الهجمات الفردية، التي يشنها فلسطينيون، بمعزل عن المُنظمات التقليدية، تُشكل تحديا للكيان الصهيوني، من حيث صعوبة التنبؤ بزمانها ومكانها وشخوصها، وكذلك سُبل الرد عليها، وهو ما يمسّ بشكل مباشر بما يعرف بـ”قوة الردع” الإسرائيلية.
ومن هنا، يعتقد المحللون أن أي عمل عسكري صهيوني واسع، ردا على هذه الهجمات، لن يأتي بنتيجة فورية، نظرا لعدم وجود ارتباط واضح، بين المنفذين والفصائل الفلسطينية.
ومؤخرا، شن فلسطينيون، هجمات على الكيان الصهيوني، أسفرت عن مقتل 13 شخصا، كان آخرها مساء أمس الخميس، حيث أطلق فلسطيني النار في مدينة تل أبيب، ما أسفر عن مقتل صهاينة اثنين، وإصابة 9 آخرين.
وقالت قناة “كان” الرسمية، نقلا عن جهاز الأمن العام “الشاباك” إن منفذ الهجوم “ليس لديه سوابق أمنية كما أنه لا ينتمي إلى أي تنظيم”.
وسبق هجوم مساء الخميس، 3 عمليات، آخرها كان بتاريخ 29 مارس/آذار الماضي، في مدينة بني براك، وأدى إلى مقتل 5 أشخاص، وقبلها أطلق فلسطينيان النار بمدينة الخضيرة (شمال) وقتلا شخصين؛ وسبقها هجوم شنه فلسطيني في مدينة بئر السبع وأدى إلى مقتل 4 إسرائيليين.
**لا يوجد حل سحري
وتطرق خبراء إسرائيليون، في مقالات صحفية، إلى موجة العمليات الأخيرة، مشيرين إلى صعوبة التصدي لها.
وفي هذا الصدد، يقول يوسي يهوشع، المحلل في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في مقال نشره الأسبوع الماضي: “يجب الاعتراف: مثل هذه الموجة من الإرهاب ليس لها حل سحري”.
وأضاف يهوشع: “لا يوجد عنوان يمكن مهاجمته بقوة، مثل غزة أو مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، من الصعب جدًا جني الثمن؛ لا توجد عوامل ضغط على العدو، لأنه من الصعب تحديده”.
أما عاموس هرئيل، الكاتب في صحيفة “هآرتس”، فكتب مقارنا بين العمليات التي كانت تستهدف الاراضي المحتلة خلال انتفاضة الأقصى التي انطلقت عام 2000 وقادت إلى اجتياح الضفة، والعمليات التي تنفذ اليوم.
وأضاف أنه في حين شارك آلاف الفلسطينيين من كافة التنظيمات في أعمال مقاومة عنيفة و”نشاط إرهابي” كانت هناك مجموعة مُنظمة، ونشر الجيش خمس فرق في الضفة الغربية، بما في ذلك عشرات الآلاف من الجنود، واغتال العشرات من النشطاء الآخرين بين قادة وعناصر.
أما اليوم، فإن الوضع مختلف بالنسبة لأجهزة الأمن الصهيونية ، وفق الصحفي الصهيوني فـ “المنظمات أصغر وأكثر محلية”.
وأضاف أن هذه المنظمات قد تكون “فرقا مرتجلة تجمعت معاً لشن هجوم، أو أفرادا تصرفوا بمفردهم، وغالباً ليس لديهم أي انتماء تنظيمي محدد”.
وتابع أن الجيش، لا يمتلك حاليا أهدافا في الضفة الغربية، على غرار عملية “السور الواقي” عام 2002، والتي تم خلالها اجتياح كافة مدن الضفة الغربية.
**معضلة
من جهته، يقول الصحفي المختص بالشأن الصهيوني، وديع عواودة، إن المؤسسة الأمنية الصهيونية تقر وتعترف بـ “معضلة” العمليات الفردية، سواء تلك التي وقعت خلال الأيام الماضية أو موجة الطعن عام 2015.
وأضاف: “القلق الإسرائيلي نابع من صعوبة رصد هذه العمليات، وتوقعها، لاتخاذ إجراءات استباقية”.
ويقول إن “إسرائيل” “لا تستطيع التعرف على منفذي هذا النوع من العمليات من خلال مصادرها البشرية، أو عن طريق المتابعات التكنولوجية، فالمنفذ نفسه قد لا يكون متأكدا من مكان وزمان تنفيذ عمليته”.
ويشير الصحفي عواودة إلى أن تكرار هذا النوع من العمليات “يشكل تحديا أمنيا كبيرا لإسرائيل، لأنها تجعل الدولة تبدو فاقدة للردع”.
ويذكر من الحلول التي تسعى إليها إسرائيل للحد من هذه العمليات: نشر مزيد من الحواجز الفجائية، فتح العيون أكثر على شبكات التواصل الاجتماعي، دعوة الإسرائيليين لحمل السلاح ومؤازرة رجال الأمن.
**قرار لحظي وفشل استخباراتي
من جهته، يقول الكاتب المتابع للشأن الإسرائيلي محمد أبو علان، إن موجة العمليات الفردية “تُشكل فشلا مضاعفا لجهاز (الأمن العام-المخابرات الداخلية) الشاباك الإسرائيلي”.
ويشير أبو علان هنا، إلى أن ثلاثة من المنفذين كانوا معتقلين سابقا “وحسب قواعد الشاباك يفترض أنهم متابَعون من قبله، لكنهم نجحوا في تنفيذ عمليات”.
ويضيف أنه من الصعب “الكشف عن ومتابعة منفذين فرديين، كون المنفذ يتخذ قراره الفردي وربما بشكل لحظي، فلا مؤشرات ولا متسع من الوقت لدى جهاز الشاباك للوصول إليهم ومنع هذه العمليات”.
من هنا يقول أبو علان إن جهاز الشاباك يتابع “نشاط شبكات التواصل للكشف عن منفذين مُحتملين للعمليات”.
**ليست موسمية
أما الخبير العسكري، اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي، فيرجّح أن يزداد تحدي العلميات الفردية أمام إسرائيل مستقبلا.
كما استبعد أن تستطيع إسرائيل احتواءها “فهي ليست موسمية أو ترتبط بأحداث بعينها، بل هي عملية مستمرة باستمرار الاحتلال”.
في حين رأى الكاتب الصحفي نجيب فرّاج، من جانبه، أن العمليات الفردية “تعكس فشلا استخباراتيا، نظرا لصعوبة التنبؤ بنوايا الفرد، وبالتالي صعوبة توقيفها”.
ورجّح فراج استمرار هذا النوع من العمليات “ما دام الصراع قائما ومفتوحا، وما دامت إسرائيل تتنكر لحقوق الفلسطينيين”.
وتابع أن رد الفعل الإسرائيلي في العمليات الفردية ينحصر في استهداف المنفذ وعائلته أو أصدقائه على أبعد تقدير، دون مواجهة التنظيمات السياسية أو خلايا عسكرية، وهو ما يجعل منعها “شبه مستحيل”.