يسأل التونسيون هذه الأيام حول ما إذا كان البلد العربي الثاني الذي سيعلن إفلاسه تونس إلى جانب فرضيات أخرى تتعلق ببعض الدول العربية في منطقة المغرب الكبير.
ورغم أن بعض وزراء حكومة نجلاء بودن قد استبعدوا السيناريو اللبناني، فإن عدداً من الخبراء يرون أن الدخول في حالة لبنان أمر وارد، ووارد بشدة، كما يذهب إلى ذلك وزير المالية السابق فاضل عبدالكافي، يعزز ذلك تراجع الدينار أمام العملات الرئيسة بشكل متواصل، منذ 25 يوليو الماضي.
وجه الشبه
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي رضا شكندالي أن سعر الصرف لا يتحكم به القطاع الموازي مثلما وقع في لبنان، مضيفاً أن هناك اختلافات بين البلدين، لكن الأرضية في تونس موجودة لتصل إلى السيناريو اللبناني.
وتابع الأستاذ الجامعي، في منشور على صفحته بـ”فيسبوك”، أن نسبة المديونية في لبنان تصل إلى 128%، في حين أنها تصل في تونس إلى 100%، أما على مستوى هيكلة النسيج الاقتصادي، فإن تونس لديها نسيج اقتصادي، في حين أنه غائب في لبنان، والنسيج الاقتصادي التونسي موجود لكنه معطل.
وأردف: المصدر الرئيس للعملة الصعبة في لبنان تحويلات جاليتها ومداخيلها من السياحة، وهذا ما تشترك فيه مع تونس خاصة في نسبة المداخيل السياحية، ويشترك الطرفان كذلك في الترقيم السيادي.
صحيح أن تونس ليست مثل لبنان، لكن الأرضية مهيأة لتصل إلى وضعيتها في صورة عدم إنقاذ الموقف، كما يقول الشكندالي الذي بدا متأكداً من أن الحوار مع المنظمات سيفضي إلى انسداد مع صندوق النقد الدولي، وسيدفع إلى حوار مع جميع الأطراف، فلماذا نخسر الوقت؟
وأكد الأستاذ الجامعي أنه لا يمكن الحديث عن صلابة اقتصادية إلا من خلال استقرار سياسي، نظراً إلى أن المستثمر يبحث عن الاستقرار الاجتماعي والسياسي والجبائي.
تصنيف “فيتش”
وبخصوص التدحرج إلى السيناريو اللبناني، توقّع الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أن تتجاوز نسبة التضخم في تونس الـ10% مع نهاية السنة الجارية التي تبلغ حالياً 7.2%.
وأوضح سعيدان، في تصريح لإذاعة “شمس إف إم” الخاصة، الخميس الماضي، أن التضخم يعني ارتفاعاً في معدل الأسعار وتدنياً في مستوى المعيشة، وبيّن أن التضخم يدفع المواطنين للمطالبة بزيادة الأجور، وهو الأمر المستحيل تحققه في ظل الوضع الحالي.
تأتي هذه التصريحات بعد أيام قليلة من كشف الخبير المالي والوزير الأسبق محسن حسن أنّ تصنيف وكالة “فيتش” الأخير يضع البلاد في أعلى درجات المخاطر.
وقال، في تصريحات إعلامية: إنّ هذا التصنيف يؤكد أنّ السندات تنطوي على مخاطر ائتمانية كبيرة، وتظل إمكانية التخلف عن سداد الديون احتمالاً حقيقياً؛ وهو ما يعني مزيداً من تعقيد المشهد في البلاد، التي تعاني أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
وكانت وكالة “فيتش” قد خفضت، بداية الشهر الحالي، تصنيف تونس من “بي سالب” إلى “سي سي سي”؛ ما يعني وجود مخاطر مالية متزايدة تعود إلى تأخير اعتماد برنامج مالي جديد مع صندوق النقد الدولي، بعد التغييرات السياسية الحاصلة في تونس منذ يوليو 2021.
واعتبرت “فيتش” أنّ البرنامج المالي مع صندوق النقد الدولي أمر ضروري لتونس للوصول إلى دعم الميزانية من جهات التمويل الدولية.
تراجع مخزون العملة الصعبة
من التداعيات نحو السيناريو اللبناني تراجع مخزون تونس من العملة الأجنبية، حيث بلغت قيمة الموجودات الصافية من العملة الأجنبية، بتاريخ 28 مارس 2022، نحو 22770 مليون دينار؛ أي ما يعادل 125 يوم توريد، وفق آخر معطيات للبنك المركزي التونسي.
وبهذا يواصل مخزون تونس من العملة الصعبة الانخفاض والتراجع مقارنة بآخر المؤشرات والأرقام المعلن عنها من مؤسسة الإصدار في نفس التاريخ من السنة الماضية (152 يوم توريد).
وبلغ الحساب الجاري للخزينة يوم 25 مارس نحو 800 مليون دينار، أما الأوراق النقدية والمسكوكات المتداولة فقُدِرت بـ17245 مليون دينار.
قروض تونس
في 22 أبريل 2021، تحدث الموقع الفرنسي “africaintelligence” عن قرض قطري بتسهيلات كبيرة قيمته مليارا دولار توجه بسببه وزير المالية في حكومة المشيشي علي الكعلي إلى قطر في سعي لإتمام الصفقة بوساطة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، لكن الوزير عاد دون إتمام الصفقة بعد إفشالها من قبل أطراف لم يسمها الوزير، لكن الإشارة كانت واضحة إلى الرئيس قيس سعيّد، وكان القرض القطري قادراً على السماح لتونس بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وقد تبين فيما بعد أن الرئاسة التونسية هي التي اتصلت بالدولة القطرية وطلبت منها عدم إتمام الصفقة، وأنها ستعتبر إتمام الصفقة نوعاً من التدخل في الشؤون الداخلية!
واليوم يمني الرئيس سعيّد النفس بأن لو تم الحصول على القرض، بل يسعى إلى تأجيل سداد قرض قطري بـ250 مليون دولار يجب سداده في شهر أبريل الجاري.
أما في أشهر مايو ويونيو وسبتمبر ونوفمبر وديسمبر من العام الجاري، فيجب على تونس سداد قرض قيمته 127 مليون دولار لصندوق النقد الدولي، وانطلاقاً من أبريل الجاري إلى ديسمبر يجب سداد قرض بـ100 مليون دولار للمملكة العربية السعودية، و78 مليون دولار لصندوق النقد العربي، وفي ديسمبر المقبل من هذا العام يجب سداد قرض ياباني قيمته 25 مليون ين ياباني.
إلى جانب الديون الداخلية التي يجب على الدولة سدادها، وهذا يعني إما إفلاس المؤسسات الوطنية التي تطالب بقروضها لدى الدولة، أو تجاوز القضاء التونسي والالتجاء إلى القضاء الدولي، خاصة أن الكثير من المؤسسات البنكية التونسية فيها شراكة أجنبية.