1- بناء مسجد أحمد ابن طولون
يقع جامع ابن طولون في حي السيدة زينب بالقاهرة، ويعد ثالث جامع بُني بمصر، أما عن تاريخ المسجد، فقد أسسه مؤسس الدولة الطولونية أحمد بن طولون الذي كان محبًّا للعلم شغوفًا به، حافظاً للقرآن الكريم، ودارساً للفقه والحديث، وقد بدأ في الشروع في بنائه في 12 رمضان 265هـ/ 11 مايو 879م، في مدينة القطائع بمصر، فوق ربوة صخرية كانت تعرف بجبل يشكر، بمدينته “القطائع”، ليكون مسجداً جامعاً وقت صلاة الجمعة، ويشتهر الجامع الطولوني بمئذنته الوحيدة من نوعها التي لا يوجد مثيل لها بين المآذن في مصر، وصممت المئذنة، التي يبلغ ارتفاعها 40.44 متراً من سطح الأرض، على طراز المئذنة الملوية في مدينة سامراء العراقية، ويلتف حولها سلم خارجيّ يصل إلى سطحها، وتبلغ مساحة المسجد حوالي 6 أفدنة ونصف فدان، ويتوسط المسجد صحن كبير، وهو فناء مكشوف مربع، طول ضلعه 92 متراً، تحيطه 4 إيوانات من الجهات الأربع، وأكبرها وأعمقها إيوان القبلة، الذي ينقسم إلى 5 أروقة.
2- وفاة ابن الجوزي
توفي الإمام عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي المعروف بالإمام ابن الجوزي في 12 رمضان 597هـ/ 22 يونيو 1201م، وينتهي نسب ابن الجوزي إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد برز في علوم كثيرة وصنف حوالي ثلاثمائة مصنف في شتى فروع العلوم.
ولد الإمام ابن الجوزي عام 510هـ، ومات أبوه وعمره ثلاث سنين، فكفله أعمامه وكانوا تجارًا في النحاس؛ لذلك عُرف في شبابه بعبد الرحمن الصفار أي النحّاس، فلما ترعرع جاءت به عمته إلى مسجد محمد بن ناصر الواعظ الحافظ، فلزمه ابن الجوزي وقرأ عليه وسمع منه، ثم جلس لابن الزغواني إمام الحنابلة في وقته، وتفقه على يديه، ودرس الفقه على يد أبي منصور الجواليقي.
إمام الوعظ
أحب الإمام ابن الجوزي الوعظ وحفظ منه أجزاءً كثيرة، وترقى فيه منذ أن كان في العشرين من عمره حتى صار علمًا على هذا الفن، وأستاذه الأول بلا منازع، فلم يسبقه أحد، ولم يلحق شأوه فيه وتفرده في طريقته وشكله وفصاحته وبلاغته، مع عذوبة صوته وحلاوة صياغته وغوصه في المعاني البديعة، وقد سأله يومًا رجل بغيض يكرهه أمام جمع من الناس في بغداد فيهم شيعة وسنة، فقال له: أيهما أفضل أبو بكر أم علي؟ فقال على الفور: “من كانت بنته تحته فهو أفضل”(1)، فظن الشيعة أنه عليٌّ، وظن السُّنة أنه أبو بكر، وحضر مجالس وعظه الخلفاءُ والوزراء والملوك والأمراء والعلماء والفقراء ومن سائر صنوف بني آدم، وأقل من يجتمع لوعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع عنده مائة ألف أو يزيدون.
محنته
كان ابن الجوزي مقربًا عند الخلفاء خاصة الخليفة المستضيء بالله الذي كان يحب ابن الجوزي جدًّا، ويسمع لنصائحه ووعظه، وتاب على يديه، وعلا شأن الحنابلة بسبب حب المستضيء له، ولكن حدث له محنة عظيمة آخر حياته وهو في الخامسة والسبعين من عمره في عهد الخليفة الناصر بالله، وهي وشاية رجل اسمه الركن عبد السلام حفيد الشيخ عبد القادر الجيلي وكان متهمًا على مذهب الفلاسفة، فأفتى ابن الجوزي بحرق كتبه فأُحرقت، وكان ابن الجوزي يحطُّ من شأن الشيخ عبد القادر الجيلي، وأخذ ابن الجوزي مدرسته، فسعى الركن عبد السلام حتى ألّب محتسب بغداد عليه، وكان هذا المحتسب شيعيًّا، فقال له الركن عبد السلام: “إن ابن الجوزي ناصبي من نسل أبي بكر”، فنفى ابن الجوزي إلى واسط، فمكث فيها خمس سنين يخدم نفسه ويطبخ لنفسه(2).
وكان لابن الجوزي ثلاثة أبناء عبد العزيز أكبرهم، مات شابًّا في حياة أبيه سنة 554هـ، وأبو القاسم وكان فاسقًا منحرفًا عاقًّا لوالديه، صديقًا للركن عبد السلام الذي سعى في ابن الجوزي، ولقد تسلط أبو القاسم هذا على كتب أبيه أيام المحنة فباعها بأرخص الأثمان! وولده الأصغر محيي الدين يوسف وهو الذي خلص أباه من محنته؛ لأنه ترقى في المناصب حتى شفع في أبيه، فأعيد مرة أخرى لبغداد وعمره ثمانون عامًا، وأُذن له في الوعظ مرة أخرى، فرجع -كعادته القديمة- في نفس المكان فاجتمع له عشرات الألوف، كانت وفاة الإمام ابن الجوزي ليلة الجمعة بين العشاءين 12 رمضان 597هـ، وله من العمر سبع وثمانون سنة، وحملت جنازته على رءوس الناس، وكان الجمع كثيرًا جدًّا، ودفن بباب حرب عند أبيه بالقرب من مقبرة الإمام أحمد، وكان يومًا مشهودًا، حتى قيل إنه أفطر جماعة من الناس من شدة الزحام وشدة الحر(3).
3- الحريق الثاني للمسجد النبوي
في مثل هذا اليوم 12 رمضان 886هـ/ 13 نوفمبر 1481م، احترق المسجد النبوي الشريف للمرة الثانية، حيث كانت الأمطار تهطل على المدينة المنّورة بغزارة، فضربت إحدى الصواعق المئذنة الرئيسة، حيث كان رئيس المؤذنين الشيخ شمس الدين بن الخطيب بها يؤذن للصلاة، فقضت عليه، وسقط الهلال مشتعلًا، وانشق سقف المنارة، فالتهمت النيران سقف المسجد واحترقت الجدران والكتب والمصاحف، وعجز الناس عن إطفاء النيران، ومات في هذا الحريق سبعة عشر مسلماً، حيث كتب أهل المدينة للسلطان قايتباي في مصر، فأرسل المؤن والعمّال وكل المواد لإعادة عمارته.
_____________________________
(1) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص387.
(2) إحسان عباس: شذرات من كتب مفقودة (1/ 189).
(3) ابن كثير: البداية والنهاية (13/ 36).