1- وفاة الإمام ابن ماجه:
في الثاني والعشرين من رمضان 273هـ/ 20 من فبراير 886م، وفاة الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، صاحب سنن ابن ماجه، أحد كتب الصحاح الستة، التي تشمل: صحيح البخاري ومسلم، وسنن النسائي والترمذي، وأبي داود وابن ماجه.
نسبه وموطنه
هو الإمام الحافظ الكبير أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القَزْوِينِيُّ، وُلد بقزوين سنة تسعٍ ومائتين من الهجرة، قال ابن خَلِّكان: “ماجه بفتح الميم والجيم وبينهما ألف، وفي الآخر هاء ساكنة”.
تربيته وحياته
نشأ ابن ماجه في جو علمي، ومن ثَمَّ شبَّ محبًّا للعلم الشرعي عمومًا، وعلم الحديث خصوصًا؛ فحفظ القرآن الكريم، وتردد على حلقات المحدثين التي امتلأت بها مساجد قزوين، حتى حصَّل قدرًا كبيرًا من الحديث، وقد هاجر سنة ثلاثين ومائتين من الهجرة في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، فرحل إلى خراسان، والبصرة والكوفة، وبغداد ودمشق، ومكة والمدينة، ومصر، وغيرها من الأمصار، متعرفًا على العديد من مدارس الحديث النبوي الشريف؛ إذ أتاحت له هذه الفرصة أن يلتقي بعدد من الشيوخ في كل قطر، وفي كل بلد ارتحل إليها.
شيوخه
نظرًا لكثرة أسفاره ورحلاته، فكان له شيوخ في كل قطر وكل مصر ذهب إليه، فكان من شيوخه علي بن محمد الطنافسي الحافظ، وقد أكثر عنه، وإبراهيم بن المنذر الحزامي المُتوفَّى سنة ست وثلاثين ومائتين من الهجرة، وهو تلميذ البخاري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة بن المغلس، وهو من قدماء شيوخه، وعبد الله بن معاوية، وهشام بن عمار، ومحمد بن رمح، وداود بن رشيد، وخلق كثير، وقد ذكرهم في سننه وتأليفه، ثم بعد رحلة شاقة استغرقت أكثر من خمسة عشر عامًا عاد ابن ماجه إلى قزوين، واستقر بها، منصرفًا إلى التأليف والتصنيف، ورواية الحديث بعد أن طارت شهرته، وقصده الطلاب من كل مكان.
تلامذته
لم يكن ليقتصر النشاط العلمي لابن ماجه على التأليف فقط، بل تعداه إلى التعليم وإلقاء المحاضرات والدروس، وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده علي بن سعيد بن عبد الله الغداني، وإبراهيم بن دينار الجرشي الهمداني، وأحمد بن إبراهيم القزويني جَدّ الحافظ أبي يعلى الخليلي، وأبو الطيب أحمد بن روح المشعراني، وإسحاق بن محمد القزويني، وجعفر بن إدريس، ومحمد بن عيسى الصفار، وأبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني الحافظ، وغيرهم من مشاهير الرواة.
مؤلفاته
لم يُخَلِد الزمان من كتبه غير كتابه (سنن ابن ماجه) أحد الصحاح الستة؛ فقد ضاعت مصنفاته مع ما ضاع من ذخائر تراثنا العظيم، فكان له تفسير للقرآن وصفه ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) بأنه “تفسير حافل”، وله أيضًا كتاب في التاريخ أرَّخ فيه من عصر الصحابة حتى عصره، وقال عنه ابن كثير بأنه “تاريخ كامل”.
“سننه” ومنهجه فيه
طبقت شهرة كتاب “سنن ابن ماجه” الآفاق، وبه عُرف ابن ماجه واشتهر، واحتل مكانته المعروفة بين كبار الحفاظ والمحدثين، وهو من أَجَلِّ كتبه وأعظمها وأبقاها على الزمان، وقد عُدَّ الكتاب رابع كتب السنن المعروفة، وهي سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ومتمم للكتب الستة التي تشمل إلى ما سبق صحيح البخاري ومسلم، وهي المراجع الأصول للسنة النبوية الشريفة وينابيعها، وكان منهج ابن ماجه في كتابه هذا هو أنه رتبه على كتب وأبواب، حيث يشتمل على مقدمة وسبعة وثلاثين كتابًا، وخمسمائة وألف باب، تضم أربعة آلاف وثلاثمائة وواحدًا وأربعين حديثًا، ومن هذه الأحاديث اثنان وثلاثة آلاف حديث اشترك معه في تخريجها أصحاب الكتب الخمسة، وانفرد هو بتخريج تسعة وعشرين وثلاثمائة وألف حديثٍ، وهي الزوائد على ما جاء في الكتب الخمسة، من بينها ثمانٍ وعشرون وأربعمائة حديثًا صحيح الإسناد، وتسعة عشر ومائة حديثًا حسن الإسناد، وهذا ما أشار إليه ابن حجر بقوله: “إنه انفرد بأحاديث كثيرة صحيحة”، وقد أحسن ابن ماجه وأجاد حينما بدأه بباب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق فيه الأحاديث الدالة على حجية السنة، ووجوب اتباعها والعمل بها.
“سننه” في ميزان النقد
قال الإمام الذهبي: “سنن أبى عبد الله كتاب حسن لولا ما كَدَّرَهُ بأحاديث واهية ليست بالكثيرة”، وقال الحافظ ابن حجر: “كتابه في السنن جامع جيد، كثير الأبواب والغرائب، وفيه أحاديث ضعيفة جدًّا حتى بلغني أن السَّرِيَّ كان يقول: مهما انفرد بخبر فيه هو ضعيف غالبًا، وليس الأمر في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديث منكرة، والله تعالى المستعان”.
شروح “سننه”
ولقيمة هذا الكتاب ومكانته، فقد أولاه كبار الحفاظ والمحدثين عناية خاصة، فراحوا يسهبون في شروحه ويضعون عليه من تعليقاتهم، ومن ذلك:
– “شرح سنن ابن ماجه” للحافظ علاء الدين مغلطاي، المُتوفَّى سنة اثنتين وستين وسبعمائة من الهجرة.
– “مصباح الزجاجة في شرح سنن ابن ماجه” للجلال الدين السيوطي، المتوفَّى سنة إحدى عشرة وتسعمائة من الهجرة.
– “شرح سنن ابن ماجه” للمحدث محمد بن عبد الهادي السِّندي، المتوفَّى سنة ثمانٍ وثلاثين ومائة وألف من الهجرة.
وقد أفرد زوائد السنن العلامة المحدث شهاب الدين أحمد بن زين الدين البوصيري في كتابٍ وخرَّجها، وتكلم على أسانيدها بما يليق بحالها من صحة وحسن وضعف.
آراء العلماء فيه
نال ابن ماجه إعجاب معاصريه وثقتهم؛ إذ كان معدودًا في كبار الأئمة وفحول المحدثين، فقال عنه ابن خَلِّكان: “كان إمامًا في الحديث، عارفًا بعلومه وجميع ما يتعلق به”، وقال الإمام الذهبي عنه: “كان ابن ماجه حافظًا، ناقدًا، صادقًا، واسع العلم”.
وفاته
بعد عمر حافل بالعطاء في الحديث النبوي الشريف درايةً وروايةً، دارسًا ومدرسًا ومؤلفًا، تُوفِّي ابن ماجه (رحمه الله) في الثاني والعشرين من رمضان سنة ثلاثٍ وسبعين ومائتين من الهجرة الموافق 20 من فبراير 886م(1).
2- مولد الداعية أحمد ديدات:
ولد أحمد حسين ديدات يوم 22 رمضان 1336هـ/ 1 يوليو 1918م
في تادكهار (ولاية كوجرات) بالهند لأسرة بسيطة تعمل في الزراعة، وهاجر والده إلى جنوب أفريقيا بُعيد ولادته فاشتغل خياطا، وتوفيت أمه وهو في سن التاسعة فسافر للعيش مع أبيه 1927م.
الدراسة والتكوين
لم يدخل المدرسة إلا بعد بلوغه العاشرة، ومع ذلك حقق تميزا بين الطلاب، وبعد إكماله الابتدائية عام 1934م، ترك الدراسة لعجز والده عن دفع الرسوم المدرسية، لكنه واصل تحصيله العلمي بمطالعاته، وكان يتحدث الإنجليزية والعربية ولغة الزولو والكوسا ولغات أخرى، وفي أواخر الأربعينيات التحق بدورات تدريبية للمبتدئين في صيانة الراديو وأسُس الهندسة الكهربائية.
الوظائف والمسؤوليات
بدأ حياته مكافحا فعمل عام 1934م بائعاً بدكان للمواد الغذائية حيث سمع تهجم رواده من المبشرين النصارى على الإسلام فلم يكن يستطيع الرد عليهم لجهله بدينه، ثم أصبح سائقا بمصنع أثاث وترقى في مسؤولياته حتى أصبح مديرا للمصنع، وسافر عام 1949م إلى باكستان طلباً للعمل فاشتغل بمصنع للنسيج ثم عاد لجنوب أفريقيا عام 1952م، وفي عام 1959م ترك عمله ليتفرغ للدعوة في المركز الدولي للدعوة الإسلامية الذي أسسه عام 1957م، كما أنشأ بديربان عام 1968م نواة أول مركز إسلامي بجنوب أفريقيا أسماه “مركز السلام”.
التجربة الدعوية
عثر الشيخ أحمد ديدات في محل عمله خلال مقامه بباكستان على كتاب “إظهار الحق” للشيخ رحمة الله الهندي فغيّر مجرى حياته، إذ وجد أنه كتب خصيصاً لرد مزاعم المنصرين في الهند التي تطابق ما كان يسمعه هو منهم بديربان، وبعد عودته إلى جنوب أفريقيا تعرف على عالم بريطاني يدعى فير فاكس كان أسلم وقدم عدة محاضرات عن المسيحية لمجموعة من شباب ديربان كان ديدات أحدهم، وبدأ ديدات نشر الإسلام داخل الأفارقة حين كان التواصل بين الأعراق المختلفة جريمة يعاقب عليها القانون العنصري بجنوب أفريقيا، وآثر أن ينتقل للعيش مع قبيلة الزولو في ظروف حياتية بسيطة جدا، وعقد دورات متخصصة في دراسة الأناجيل لإعداد الدعاة إلى الإسلام بمركز الدعوة الذي بناه قرب أكبر مساجد جنوب أفريقيا، ليتمكن من دعوة زواره من السياح غير المسلمين إلى الإسلام، وقبل أن يخرج إلى العالم -في أول مناظرة عالمية 1977 بقاعة ألبرت هول في لندن– كانت جنوب أفريقيا كلها تعرفه جيدا بعد أن عاينت فيه مُناظرا متمرسا، وطاف العالم مُحاضرا ومُناظرا لعلماء الديانات الأخرى خاصة النصارى، من أمثال فلويد كلارك وجيمي سواغارت وأنيس شروش، مما دفع الكنائس وجامعات غربية لتخصيص قسم بمكتباتها لمناظراته للرد على الأفكار الواردة بها وإبطال تأثيرها جماهيريا، وكان له دور كبير في إسلام آلاف النصارى في العالم، وقد صار بعضهم دعاة إلى الإسلام.
الإسلام في فكره
يرى ديدات أن “في الإسلام الحل الأمثل والإجابة الشافية لكل جنوب أفريقيا والتفرقة العنصرية والخمر والمقامرة وكل ما يؤثر على الإنسانية من أساليب الهدم، والإسلام كرَّم بني آدم وأوضح لهم السبيل، وأنار لهم طريق الهداية والصراط المستقيم، فهو الحل الوحيد لكل مشاكل الإنسانية”.
مؤلفاته
شرع في التأليف منذ الخمسينيات فأخرج أكثر من عشرين كتابا تركز على شرح رسالة الإسلام، وقضايا العقيدة ومقارنات الأديان، ومن هذه المؤلفات: “ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد صلى الله عليه وسلم؟”، و”الاختيار” وهو متعدد الأجزاء، و”هل الإنجيل كلمة الله؟”، و”العرب وإسرائيل صراع أم وفاق؟”.
وفاته
أصيب أحمد ديدات، في 4 مايو 1996م، بشلل كامل إثر عودته من رحلة دعوية بأستراليا، لكنه استطاع التواصل مع عائلته بإشارات رقمية خاصة، وفي صباح يوم الاثنين الثالث من رجب 1426هـ الموافق الثامن من أغسطس 2005م فقدت الأمة الإسلامية الداعية الإسلامي الكبير الشيخ المجاهد أحمد ديدات، فعليه من الله جزيل الرحمات وواسع المغفرة والكرامات.
_______________________________
(1) مراجع الترجمة: الذهبي: العبر في خبر من غبر – الذهبي: سير أعلام النبلاء – الذهبي: تذكرة الحفاظ – ابن خَلِّكان: وفيات الأعيان – ابن حجر: تهذيب التهذيب – ابن كثير: البداية والنهاية.