رغم كون بلادهم من أفقر دول العالم، لا يزال أهالي قرية “مابونجسي” بمنطقة “مويامبا” بالعاصمة السيراليونية “فريتاون” يتقاسمون طعامهم مع الأيتام، وخاصة الأطفال الذين فقدوا ذويهم في الحرب الأهلية الطاحنة التي شهدتها البلاد في الفترة بين عامي 1991 و2002.
وبدأت هذه العادة بمبادرة من أحد سكان القرية ويدعى داودا باه الذي كان يواصل تعليمه في العاصمة فريتاون وقت اندلاع الحرب.
وبعد انتهاء الحرب والنزاعات الأهلية، قرر باه العودة إلى قريته، وقطع وعداً لنفسه بألا يترك الأطفال اليتامى دون معين، فأطلق هذه المبادرة لمساعدتهم.
نظم باه اجتماعات لسكان القرية وأهالي المنطقة التي تعاني أصلاً من الفقر وقلة الإمكانات، وشرح لهم مبادرته وبدؤوا في إسكان الأطفال اليتامى في أكواخ مصنوعة من الأشجار بعد ذلك تم إسكانهم في غرف صغيرة كان يستخدمها الجنود.
وكما تمكن باه وأهالي القرية من حل مشكلة المأوى للأطفال اليتامى، قاموا أيضاً بتقاسم طعامهم الشحيح معهم، حتى إن بعض العائلات كانت تتقاسم مع الأطفال الوجبة الوحيدة التي يتناولونها في اليوم، وبفضل هذه العادة المستمرة منذ سنوات، تمكن أهالي القرية من إنقاذ حياة مئات الأطفال اليتامى.
وعلمت “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” (İHH) بالمبادرة وبالتضحيات التي يقدمها أهالي القرية فقررت بناء عدة منشآت لخدمة الأطفال الأيتام.
وتضم المنشآت داراً للأيتام بسعة 130 سريراً ومسجداً ومدرسة ومطبخاً، وقد اكتمل 98% من أعمال البناء.
وسيواصل باه وأهالي القرية مهمة الاعتناء بالأطفال الأيتام بعد حل مشكلة المأوى والطعام، وستقوم هيئة الإغاثة التركية بتقديم المساعدات للأطفال من وقت لآخر.
وقامت هيئة الإغاثة بذبح 22 بقرة لمواصلة برنامج الإفطار من أجل أهالي قرية “مابونجسي” وأهالي المناطق المجاورة الذين اعتنوا بالأيتام.
نتناول الطعام مرة واحدة في اليوم
وفي حوار مع وكالة “الأناضول”، قال باه مطلق المبادرة: إنه عندما عاد إلى قريته رأى أن هناك أعداداً كثيرة من الأطفال فقدوا ذويهم بسبب الحرب، ولم يعد هناك من يعتني بهم، وإن أقرباء بعض الأطفال لا يزالون على قيد الحياة إلا أن إمكاناتهم المادية لا تسمح لهم بالاعتناء بالأطفال وتلبية احتياجاتهم ولذلك عقد اجتماع مع وجهاء القرية وشرح لهم فكرته.
وأضاف أنه في ضوء القرارات التي اتخذوها في الاجتماع، قرروا إسكان الأطفال الأيتام في الثكنات التي كان الجنود يستخدمونها وقت الحرب.
وأشار إلى أن الجميع كانوا يرغبون في مساعدة الأطفال، إلا أن الوضع كان صعباً للغاية، ولم يكن لدى أهل القرية نقود تكفي للاعتناء بالأطفال.
وأوضح باه أنهم قرروا تنظيم دورة لكرة القدم واستخدموا الأموال التي دفعها المشتركون في الدورة، والأموال التي دفعها مشاهدو المباريات في شراء الطعام للأطفال.
ولفت إلى أن دورة كرة القدم كانت حلاً مؤقتاً لأنه لا يمكن تنظيمها يومياً.
وأضاف: بعد ذلك بدأنا في أخذ صحن من كل طعام يُطهى في أي بيت بالقرية لإطعام الأطفال.
وحول صعوبة الأوضاع في القرية، ذكر باه أن بعض الأسر في القرية لم تكن تجد الطعام كل يوم، وبسبب سوء الأحوال المادية كانوا يتناولون الطعام مرة واحدة في اليوم.
وتابع: أحب الأطفال كثيراً، وهناك آيات قرآنية وأحاديث نبوية تتحدث عن الاهتمام باليتامى، وأشعر أنني أصبحت أفضل منذ أن بدأتُ في مساعدة هؤلاء الأطفال، وبدأت حياتهم أيضاً تتحسن للأفضل.
الطفلة مارياما باه (15 عاماً) قالت: إن داودا باه تبناها منذ أن كان سنها 5 سنوات، وإن حياتها كانت صعبة للغاية عندما فقدت والديها، إلا أنها الآن في حال أفضل وتواصل تعليمها.
وأعربت مارياما عن رغبتها في أن تصبح طبيبة في المستقبل.