1- نزول السيدة نفيسة مصر(1)
هي نفيسة بنت أبي محمد الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، القرشية الهاشمية، كان أبوها نائباً للمنصور على المدينة النبوية خمس سنين، ثم غضب المنصور عليه فعزله عنها وأخذ منه كل ما كان يملكه وما كان جمعه منها، وأودعه السجن ببغداد، فلم يزل به حتى توفي المنصور فأطلقه المهدي وأطلق له كل ما كان أخذ منه، وخرج معه إلى الحج في سنة ثمان وستين ومائة، فلما كان بالحاجر توفي عن خمس وثمانين سنة.
حياتها
ولدت السيدة نفيسة يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الأول عام 145هـ بمكة المكرمة، وبقيت بها حتى بلغت خمسة أعوام، درجت فيها محاطة بالعزة والكرامة، حتى صحبها أبوها مع أمها زينب بنت الحسن إلى المدينة المنورة؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه، حتى حصلت على لقب “نفيسة العلم” قبل أن تصل لسن الزواج، ولما وصلته رغب فيها شباب آل البيت، فكان أبوها يردهم ردًّا جميلاً، إلى أن أتاها “إسحاق المؤتمن” ابن جعفر الصادق رضي الله عنه، وتزوجا في بيت أبيه، وبزواجهما اجتمع نسب الحسن والحسين، فالسّيدة نفيسة جدُّها الإمام الحسن، وإسحاق المؤتمن جدّه الإمام الحسين رضي الله عنهما. وأصبحت السيدة نفيسة كريمة الدارين، وأنجبت لإسحاق ولدًا وبنتًا هما القاسم وأم كلثوم.
نزولها مصر
حجت السيدة نفيسة ثلاثين حجة وفي الحجة الأخيرة توجهت مع زوجها إلى بيت المقدس، فزارت قبر الخليل إبراهيم، وأتت مع زوجها مصر، وكان لقدومها إلى مصر أمر عظيم، وكان ذلك في السادس والعشرين من شهر رمضان من عام 193هـ/ 16 يوليو 809م، ونزلت السيدة نفيسة بدار سيدة من المصريين تُدعى “أم هانئ” وكانت دارًا رحيبة، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فطلبت الرحيل إلى بلاد الحجاز فشق على أهل مصر ذلك وسألوها الإقامة فأبت، فركب إليها السري بن الحكم أمير مصر وسألها الإقامة فقالت: إني امرأة ضعيفة وقد شغلوني عن عبادة ربي ومكاني قد ضاق بهذا الجمع الكثيف، فقال لها السري: أما ضيق المكان فإن لي داراً واسعة بدرب السباع فأشهد الله أني قد وهبتها لكِ وأسألك أن تقبليها مني، وأما الجموع الوافرة فقرري معهم أن يكون ذلك يومين في كل أسبوع وباقي أيامك في خدمة مولاكِ فجعلت لهم السبت ويوم الأربعاء إلى أن توفيت، ولما ورد الشافعي مصر أحسنت إليه وكان ربما صلى بها في شهر رمضان. وحين مات أمرت بجنازته فأدخلت إليها المنزل فصلت عليه.
وفاتها وقبرها
في شهر رمضان 208هـ، توفيت السيدة نفيسة رضي الله عنها، “ولما ماتت عزم زوجها إسحاق بن جعفر على حملها إلى المدينة ليدفنها هناك، فسأله المصريون بقاءها عندهم، فدُفنت في الموضع المعروف بها اليوم في القاهرة، وكان يُعرف ذلك المكان بدرب السباع، فخُرِّب الدرب ولم يبق هناك سوى المشهد”.
قال الذهبي: ولجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف، ولا يجوز مما فيه من الشرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس دعاة العبيدية(2)، وقال ابن كثير: إنهم يطلقون فيها عبارات بشيعة مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك، وألفاظاً ينبغي أن يعرفوا أنها لا تجوز، وربما نسبها بعضهم إلى زين العابدين وليست من سلالته، والذي ينبغي أن يعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات، وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام(3).
2- العودة من تبوك
في 26 رمضان 9هـ/ 5 يناير631م كانت عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، وفي طريق العودة من تبوك إلى المدينة مر المسلمون بالحِجْرِ، وهي في ديار ثمود الذين امتحنوا بالناقة فنحروها فأخذتهم الصيحة لعتوهم وعصيانهم وقد سارع الناس إلى دخول بيوت الحِجْرِ فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: “لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم إلا أن تكونوا باكين”(4)، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي، كما نهاهم عن شرب الماء من بئرها أو الوضوء منه، وأن يعلفوا إبلهم ما عجنوه من عجين بمائها، وقد اشتكى المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أصاب إبلهم من الجهد في طريق العودة فدعا ربَّه: “اللهم احمل عليها في سبيلك، فإنك تحمل على القوي والضعيف، والرطب واليابس في البر والبحر” فنشطت بهم حتى أبلغتهم المدينة ولم يشتكوها، وفي طريق العودة حاول المنافقون وهم متلثمون لا يعرفون تنفير دابة الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى الثنايا لتطرحه، ففطن لهم وأمر بإبعادهم، ولما اقترب الجيش من المدينة خرج الصبيان إلى ثنية الوداع يتلقونه صلى الله عليه وسلم بالأناشيد، ودخل المدينة فصلى في مسجده ركعتين ثم جلس للناس، وجاءه المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا بشتى الأعذار، فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، وجاء كعب بن مالك وقد سبقه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع، وقد أقر الثلاثة بأنه لا عذر لهم في تخلفهم عن الغزوة، ولم يرضوا أن يضيفوا إلى ذنب التخلف ذنباً جديداً وهو الكذب فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام مع الثلاثة، فاجتنبهم الناس خمسين ليلة وأمرت نساؤهم باعتزالهم، فذهبن عند أهلهن إلا زوجة هلال إذ كان شيخاً كبيراً فبقيت لخدمته فقط بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ضاقت بهم الدنيا، وحاول ملك الغساسنة استغلال الموقف فراسل كعب بن مالك ليلحق به، لكن كعب بن مالك أحرق الرسالة وقال إنها زيادة في امتحانه، واستمرت المقاطعة حتى نزل القرآن الكريم يعلن توبة الله عليهم، قال تعالى: (وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ) (التوبة: 118).
__________________________
(1) بتصرف من موقع “قصة الإسلام”.
(2) شمس الدين الذهبي: سير أعلام النبلاء، 106/10 طبعة الرسالة 1985م.
(3) ابن كثير، البداية والنهاية 286/10.
(4) صحيح مسلم – تحت رقم: 2980