وجوب زكاةِ الفِطْر
متى تجب زكاة الفِطْرِ؟
تجب زكاة الفطر بثلاثة أشياء(1):
1- الإسلام؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»(2).
2- غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان؛ لأنها مضافة إلى الفطر، والفطر منه، كما سبق في لفظ الحديث.
3- وجود الفضل عن قوته وقوت عياله في ذلك اليوم؛ كل من لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ليلة العيد ويومه ما يخرجه في الفطرة؛ فهو معسر، غير قادر، والمعسر لا زكاة عليه، و(لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، ويزكي المسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته من المسلمين؛ صاعاً من قوت بلده، وقدره 5 أرطال وثلث بالعراقي؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: «كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر»(3)، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون»(4).
حكم تقديمها
هل يجوز تقديم زكاة الفطر قبل وقتها؟
اختلفت أقوال الفقهاء في هذه المسألة على النحو التالي:
الأول: يجوز تقديمها قبل العيد بيومين، ولا يجوز أكثر من ذلك، وهو مذهب أحمد، ومالك.
الثاني: يجوز تقديمها من بعد نصف شهر رمضان، وهو قول بعض الحنابلة.
الثالث: يجوز تقديمها من بداية شهر رمضان، وهذا قول الشافعي، وأصحابه.
الرابع: يجوز تقديمها من أول الحول، وهذا قول أبي حنيفة.
الخامس: لا يجوز تقديمها عن وقتها، وهو مذهب الظاهرية.
أما حُجَّةُ من جَوَّزَ قبل العيد بيوم ويومين؛ فحديث ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح البخاري (1511)، قال نافع: وكان ابن عمر يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم، أو يومين.
وفي «الموطأ» (1/ 285) عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة، وأخذ بزيادة الثلاثة بعض المالكية.
وأما حجة من أجاز تقديمها من نصف الشهر؛ فقياسًا على تقديم أذان الفجر، والدفع من المزدلفة بعد نصف الليل.
وأما حجة من أجاز تعجيلها من أول الشهر؛ فلأنَّ الصوم من أسبابها كما في حديث ابن عباس.
وأما حجة من أجازها من أول الحول؛ فقياسًا على زكاة المال.
وأما حجة من منع؛ فلأنها عبادة مؤقتة، ولا تجب على الإنسان حتى يأتي وقتها، والمنع من إخراجها قبل وقتها هو الصواب؛ إلا إذا احتيج إلى ذلك؛ لبعد الفقراء عنه فلا بأس بتقديم اليوم واليومين، وأما إخراج الصحابة قبل العيد بيوم أو يومين، فكانت تخرج لجمعها لا للفقراء كما ذكر ذلك البخاري، فإذا أُخرِجت للجمع فلا بأس كما فعل الصحابة، والله أعلم(5).
زكاة الفطر عن الجنين
هل تجب زكاة الفطر عن الجنين؟
لا تجب زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وبه قال أكثر أهل العلم، وحكي فيه الإجماع، والدليل على ذلك حديث ابن عمر قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين».
ووجه الدلالة: أن الحديث يدل على أن زكاة الفطر تجب على الصغير، والجنين في بطن أمه لا يصدق عليه اسم الصغير لا لغة ولا عرفاً، وأن الأصل عدم الوجوب، والجنين لا يثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية، بشرط خروجه حياً، والحمل غير محقق، ولا يعرف حياته.
مصارفها
لمن تُصرف زكاة الفطر؟
اختلف الفقهاء في المصارف التي تُصرف لها زكاة الفطر، ويُمكن جمع أقوالهم على النحو التالي(6):
الأوّل: ذهب الحنفيّة إلى أنّ زكاة الفطر تُصرَف لأيّ صنفٍ من الأصناف الثمانية، ويجوز أن يُخصَّ بها الفقراء، وقد استدلّوا بقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 60)، إذ إنّ الآية عامّةٌ في صرف الصدقات بعمومها لهذه الأصناف، وزكاة الفِطْر من قَبيل الصدقات، فتدخل في عموم الآية.
الثاني: ذهب الشافعيّة في المشهور عنهم، وابن حزم الظاهريّ، والإمام أحمد بن حنبل إلى أنّ زكاة الفطر يجب أن تُصرف للأصناف الثمانية، وتُقسَم بينهم بالتساوي؛ استدلالاً بقول الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وقالوا: إن الآية دلّت على وجوب أداء الصدقات للأصناف المذكورة بالتساوي، وقال ابن حزم: إنّ مصرف العاملين عليها يسقط إن وزّعها المُزكّي بنفسه، كما يسقط سهم المُؤلَّفة قلوبهم؛ لأنّ أمرهم راجعٌ إلى الإمام.
الثالث: ذهب المالكيّة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيّم إلى أنّ زكاة الفِطْر تُصرف للفقراء والمساكين فقط، دون غيرهم من مصارف الزكاة الأخرى، واستدلّوا بما رواه عبد الله بن عبّاس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال في زكاة الفطر: «زكاةُ الفطرِ طُهْرَةٌ للصائِمِ مِنَ اللغوِ والرفَثِ، وطُعْمَةٌ للمساكينِ»(7)؛ فإعطاؤها للفقراء والمساكين يتماشى مع طبيعة هذه الصدقة وهدفها(8).
حكم عدم إخراجها
ما حكم من كانت لديه الاستطاعة في إخراج زكاة الفطر ولم يخرجها؟
يجب على من لم يخرج زكاة الفطر أن يتوب إلى الله عز وجل، ويستغفره؛ لأنه آثم بمنعها، وأن يقوم بإخراجها إلى المستحقين، وتعتبر بعد صلاة العيد صدقة من الصدقات(9).
_________________________
(1) إتحاف الأريب بشرح الغاية والتقريب، الفقه الشافعي، ص145.
(2) رواه البخاري (1432)، ومسلم (984).
(3) رواه البخاري (1439).
(4) رواه الدارقطني (2078)، و«تمونون»؛ أي: تلزمُكم مؤونتهم ونفقتُهم.
(5) إتحاف الأنام بأحكام ومسائل الصيام، أبو عبد الله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني، ص283-284. انظر: «المغني» (4/ 300)، «المجموع» (6/ 142)، «الفتح» (1511)، «المحلى» (718).
(6) محمد عبدالفتاح النبهاوي، زكاة الفطر وآثارها الاجتماعية، ص47-48، بتصرّف.
(7) أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827) وصححه الألباني.
(8) فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، ص958، بتصرّف.
(9) «فتاوى اللجنة الدائمة» (9/ 386).