ليس البيع والشراء وقفاً على التجار، فنحن جميعاً نقوم بدور الباعة في كل يوم من أيام الحياة، وكلما فطن المرء إلى ذلك، وعمد إلى التفنن في اجتذاب المشترين والابتكار والتجديد في عرض ما لديه من سلع أحسن في اختيارها، كان احتمال نجاحه في الحياة كبيراً.
كم من أذكياء وعباقرة أخفقوا في ميادين العمل لأنهم تجاهلوا هذه الحقيقة، فهذا عالم يضع أنفه في السماء، فينفر منه الناس، وتسد أمامه منافذ النجاح.
وهذا أديب يعيش وحده في برج عاجي، فلا يكتب لعامة الناس، ولكنه يكتب لنفسه وللخاصة منهم، فيقل قراؤه يوماً بعد يوم.
وهذا سياسي فذ يأبى أن يتعاون مع الآخرين، فتظل عبقريته كنزاً دفيناً لا يفيد منه أحد.
وهذا طبيب نابغة، ولكنه يجهل فن التعامل مع المرضى فيتفوق عليه كثير من الأطباء العاديين الذين يعرفون كيف يبيعون أفكارهم وخدماتهم.
وإليك أهم العوامل التي يشترط توافرها لنجاح حركة البيع والشراء بين الناس.
عندما يجوع المرء يُقبل على الأكل، وعندما يعطش يبحث عن الماء، وأنت لا تستطيع أن ترغمه على الأكل أو الشرب في حالتي الشبع أو الارتواء.
ويعرف الطهاة وتجار الحلوى كيف يثيرون شهية الناس، فهم فضلاً عن تفننهم في جعل مذاق الأطعمة شهياً مستساغاً ورائحتها زكية طيبة، يعرضونها عرضاً مغرياً، يسيل اللعاب، كما يعمدون إلى تغيير رائحتها ولونها –ولو تغييراً طفيفاً– من حين إلى آخر، حتى لا تسأمها النفس.
وكذلك إذا أردت أن يفعل الناس شيئاً اعرض فكرتك عليهم بطريقة تحفزهم إلى إمعان النظر فيها، وضعها أمامهم واضحة جلية بحيث يسهل عليهم استيعابها، فيخيّل لهم أنها فكرتهم ومذهبهم، وأنها تتضمن شيئاً جديداً يختلف عما ألفوه، شيئاً يجعل حياتهم أهنأ وأسعد، وعيشهم أرغد وأيسر.
ادرس أحلام الناس، فهذا يحلم بالجاه والقوة، وذاك بالمال والجمال، وثالث بالسعادة والراحة النفسية، وهم جميعاً يسعون إليك ويجرون وراءك إذا أقنعتهم أنك تعينهم على تحقيق أحلامهم.
وبعد أن تدرس أحلامهم، ادرس مطالبهم من الحاجات التي لا غنى عنها كي يسير المرء مرفوع الرأس في موكب الحياة.
وبعد ذلك تعرف على الكابوس الجاثم فوق صدور أحبابك وزملائك وطلابك وجميع أصحابك، وهذا الكابوس يرمز إلى المخاوف التي تؤرق الناس وتحطم أعصابهم وتقضي على هنائهم، ثم حاول أن تزيل هذه المخاوف، فكلما أبعدت جانباً منها، عملت على أن يكون صاحبها سعيداً، فحاول هو بدوره أن يجعلك سعيداً.
إن من يسعى إلى الظفر في معركة الحياة، ينبغي أن يضع أحلام الناس ومطالبهم ومخاوفهم نصب عينه، وأن يحرص على أن يتضمن كل عمل يؤديه، تحقيق حلم أو توفير مطلب، أو تبديد سبب من أسباب الخوف والقلق.