شهدت الانتخابات النيابية اللبنانية لأول مرة إعلان رموز تمثل التيار السُّني مقاطعتها لها ما يهدد بأن تستمر هيمنة “حزب الله” على مقاعد البرلمان، حيث كان له ثلث المقاعد مع حلفائه وشكلوا ما يسمي “الثلث المعطل” الذي عرقل تشكيل الحكومة واتخاذ قراراً مصيرية.
الانتخابات التي بدأت بين المغتربين خارج لبنان يوم 6 مايو الجاري سوف تشهد أهم معاركها يوم 15 من نفس الشهر حين تبدأ انتخابات الداخل الحاسمة ويجري حسم دوائر سيكون لها أهميتها في إيصال القوي السياسية الطائفية المختلفة للبرلمان وتحديد مرشحي الرئاسة المقبلة.
فقد منحت الانتخابات الأخيرة عام 2018، مقاعد الأغلبية لـ”حزب الله” وحركة أمل، وحلفائهم الموارنة، بينما خسر تيار المستقبل السني بزعامة “الحريري” ثلث مقاعده البرلمانية.
وتمكن حزب الله وأنصاره من الفوز بـ72 مقعداً، مقابل 53 للتيار المنافس، و3 مقاعد للمستقلين (مقسمة على نواب ينتمون إلى 11 طائفة دينية)، من جملة مقاعد مجلس النواب المكون من 128 عضواً وفق اتفاق الطائف عام 1989.
لذا تشهد الساحة السياسية ضغوط كبيرة علي سعد الحريري ممثل التيار السني عبر حزبه (تيار المستقبل) الذي أعلن مقاطعة الانتخابات في يناير 2022، وسط أنباء عن احتمالات تراجعه وإلا خسر السنة نفوذهم في البرلمان والحياة السياسية.
ويشارك في هذه الضغوط المراجع الإسلامية السنية ومفتي لبنان الذي دعا السُنة للمشاركة بكثافة في الانتخابات لتقوية موقف السُّنة وقطع الطريق أمام “حزب الله” لتصدر المشهد السياسي في البلاد.
وحث مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خلال خطبة عيد الفطر في 2 مايو الجاري، السُنّة، على ضرورة المشاركة في الانتخابات النيابية، معتبراً إياها “فرصة لتحقيق التغيير”، عكس موقف الحريري.
وحذر من خطورة الامتناع عن المشاركة في الانتخابات، مؤكداً أن “الاختيار لا يكون عن بُعد ولا بالتمني، بل يكون بالمشاركة الفعليّة الكثيفة”.
ويشارك في هذه الضغوط قوى عربية خشية عودة هيمنة حزب الله على الحياة السياسية وتهميش السنة.
ورغم إعلان تار المستقبل المقاطعة، أظهرت نسبة مشاركة السُّنة في المرحلة الأولى منها للمغتربين في الخارج، أنها تخطت 43% من نسبة مشاركة إجمالية تعادل 60% من المسجلين في القوائم الانتخابية، حسب وزارة الخارجية اللبنانية.
وهذه أول انتخابات برلمانية تجري بعد انتفاضة 17 أكتوبر 2019، التي طالبت بتنحي الطبقة السياسية كلها، وحملتها مسؤولية التدهور المالي والاقتصادي والفساد.
دور السُّنة السياسي
ويؤدي السُّنة دوراً مهماً في الانتخابات اللبنانية، وباستطاعتهم تغيير المشهد السياسي في مجموعة من الدوائر الانتخابية المهمة في البلاد والتي تتوفر على كثافة سُنية، وهي الدوائر التي ستشهد معارك مصيرية في هذه الاستحقاقات.
ومن بين هذه الدوائر التي سيَحسِم فيها الصوتُ السُّني النفوذ دائرة الشمال الثالثة، التي يتنافس عليها مرشحون لرئاسة الجمهورية (جبران باسيل، وسليمان فرنجية، وميشال معوض).
ودائرة الجنوب الثالثة، والتي يمثل الصوت السُّني فيها الميزان في تحديد الفائز بمقعدين على الأقل.
لذا حذر رافضي المقاطعة السُّنية، من الاستجابة لدعوات المقاطعة لأن معناها وصول نواب سُنة (وفق نسبتهم في التشكيل الطائفي للبرلمان) ولكن مؤيدين لإيران ومليشياتها للبرلمان ومن ثم عدم تعبيرهم عن مشكلات التيار السُّني الحقيقية.
حيث اعتاد حزب الله وحركة أمل دعم مرشحين سُنة ودروزاً ومسيحيين مؤيدين لهما، وتمويل الحملات الانتخابية لهؤلاء المرشحين ما يؤدي لفوزهم وتعبيرهم بالتالي عن الحزب الشيعي بأكثر من تعبيرهم عن مشكلات طوائفهم.
وتوسعت حملات التوعية من مخاطر مقاطعة التصويت على التمثيل السُّنّي، وما قد يُسببه من خلل في توازنات المعادلة الطائفية في لبنان على حساب السُّنة ولصالح حزب الله، وقوى أخرى، وهو ما انتبهت إليه المرجعيات السُّنية ودول عربية.