توجه اللبنانيون، صباح اليوم الأحد، إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان في انتخابات يُرجّح أن تُبقي الكفة مرجحة لصالح القوى السياسية التقليدية التي يُحمّلها كثر مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.
وتشكّل الانتخابات أول اختبار حقيقي لمجموعات معارضة ووجوه شابة أفرزتها احتجاجات شعبية غير مسبوقة، في أكتوبر 2019، طالبت برحيل الطبقة السياسية.
ورغم ازدياد عدد المرشحين المناوئين للأحزاب التقليدية مقارنة بانتخابات عام 2018، لا يعوّل كثر على تغيير في المشهد السياسي يتيح معالجة القضايا الكبرى في البلد ذي الموارد المحدودة والبنى التحتية المهترئة والفساد المستشري في مؤسساته.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها أمام أكثر من 3.9 ملايين ناخب يحق لهم الاقتراع، أكثر من نصفهم نساء، ويُرجّح إعلان النتائج النهائية في اليوم التالي.
ويقول الباحث في “سانتشوري فوندايشن” سام هيلر، في تقرير نشره في مؤسسة سنتشوري للأبحاث: من المفارقة أن الانتخابات الوطنية الأولى منذ بدء الأزمة لن تُحدث على الأرجح فارقاً كبيراً.
ويضيف: من غير المحتمل أن تؤدي إلى تغيير جوهري في تكوين البرلمان أو في كيفية صنع السياسة في لبنان.
وتجري الانتخابات على وقع انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وبات أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو 30%.
كما تأتي بعد نحو عامين على انفجار الرابع من أغسطس 2020 الذي دمر جزءاً كبيراً من بيروت، وأودى بأكثر من 200 شخص، وتسبّب بإصابة أكثر من 6500 آخرين، ونتج الانفجار، وفق تقارير أمنية وإعلامية، عن الإهمال وتخزين كميات ضخمة من مواد خطرة تدور تحقيقات حول مصدرها، من دون أي إجراءات وقاية.
ويضمّ البرلمان 128 نائباً، والأرجحية في المجلس المنتهية ولايته هي لحزب الله وحلفائه وأبرزهم التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون وحركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري الذي يشغل منصبه منذ عام 1992.
ويخوض عدد كبير من المرشحين الانتخابات تحت شعارات “سيادية” منددة بحزب الله الذي يأخذون عليه انقياده وراء إيران وتحكّمه بالبلاد نتيجة امتلاكه ترسانة عسكرية ضخمة، ويطالبون بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني، وبين المرشحين المعارضين من يحمل الشعارات نفسها.
خروق
ساهمت الأزمات والتدهور المعيشي في إحباط شريحة واسعة من اللبنانيين الذين هاجر آلاف منهم خلال السنتين الماضيتين، ولا سيما منهم الشباب، ويبدو عدد كبير من الناخبين وفق استطلاعات الرأي غير آبه بالاستحقاق الانتخابي ونتائجه، لكنّ آخرين يتطلّعون إلى تحقيق تغيير وإن محدود لصالح مجموعات معارضة.
وتقول ماريانا فودوليان (32 عاماً)، وهي من المتحدثين باسم عائلات ضحايا المرفأ لوكالة “فرانس برس”: نحن ضد المنظومة التي حكمتنا منذ ثلاثين عاماً وسرقتنا وفجّرَتنا.
وتضيف: الانتخابات فرصة لتغيير المنظومة ومحاسبتها لنتمكن من العيش في هذا البلد.
لكن رغم النقمة التي زادها عرقلة المسؤولين للتحقيق في انفجار المرفأ، بعد الادّعاء على نواب بينهم مرشحان حاليان، لم تفقد الأحزاب التقليدية التي تستفيد من تركيبة طائفية ونظام محاصصة متجذر، قواعدها الشعبية التي جيّشتها خلال الأسابيع التي سبقت الاستحقاق.
وتجري الانتخابات وفق قانون أقر عام 2017 يستند إلى النظام النسبي واللوائح المقفلة، ويقول محللون: إنّه مفصّل على قياس الأحزاب النافذة، ويتوقّعون ألا تغيّر الانتخابات المشهد العام، خصوصاً بعد فشل الأحزاب المعارضة والمجموعات الناشئة في الانضواء ضمن لوائح موحّدة.
لكن رغم غياب الموارد المالية وضعف الخبرة السياسية، تراهن أحزاب ومجموعات معارضة على تحقيق خروق في عدد من الدوائر.
وتجري الانتخابات في غياب أبرز مكون سياسي سني بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي أعلن مقاطعته للاستحقاق، بعدما احتل الواجهة السياسية سنوات طويلة إثر مقتل والده رفيق الحريري في عام 2005.
718 مرشحاً
يتوقع محللون أن يحتفظ “حزب الله” وحركة أمل بغالبية المقاعد (27 مقعداً) إن لم يكن كلها، لكن لا يستبعدون أن يخسر حليفه الأبرز، التيار الوطني الحر، عدداً من مقاعده بعدما حاز وحلفاؤه على 21 مقعداً عام 2018.
وتحتدم المنافسة على الساحة المسيحية بين الخصمين التقليديين حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، والتيار الوطني الحر.
ويتنافس 718 مرشحاً بينهم 157 امرأة، مقارنة بـ597 مرشحاً بينهم 86 امرأة في انتخابات عام 2018، ويتوزع هؤلاء على 48 لائحة انتخابية.
والأسبوع الماضي، أدلى 63% من المغتربين المسجّلين الذين يُعوّل المستقلّون عليهم، بأصواتهم.
وفي حين تبدو الانتخابات فرصة جديدة أمام الطبقة السياسية لإعادة إنتاج ذاتها والحصول على دعم دولي، يعرب هيلر عن اعتقاده أن “الانهيار الاقتصادي المستمر في لبنان هو المحرك الرئيس للتغيير في البلاد، وأن الآثار السياسية والاجتماعية والأمنية الأخرى ناجمة غالباً عن تلك الأزمة.
ويضيف: يُرجّح أن تستمر هذه الأزمة بلا هوادة، وأن تعيد تشكيل المجتمع والسياسة في البلاد مع تقدمها.