مرت أكثر من 10 أشهر على الانقلاب الذي شهدته تونس، في 25 يوليو 2021، والأوضاع تسوء يوماً بعد يوم، وتراجع منسوب الحريات في تفاقم، والعجز الاقتصادي والضغط الاجتماعي بلغ درجة الغليان، ولا ضوء في آخر النفق مع إصرار الرئيس قيس سعيّد على المضي قدماً حتى آخر خطوة يمكنه أن يخطوها على طريق مشروعه الذي لا يشاطره الرأي فيه أحد بما في ذلك من يعلنون دعمهم لما يطلقون عليه لحظة 25 يوليو؛ أي القطع مع الأغلبية التي كانت سائدة قبله وتحديداً سلطة البرلمان التي تحظى فيه حركة النهضة وحلفاؤها بنصيب الأسد.
أما الحكومة فلم تكن النهضة ممثلة فيها، رغم أنها كانت تدعمها، وكان التوجه العام لرئيس الحكومة السابق هشام المشيشي تشكيل حكومة سياسية، وهو ما جاء الانقلاب لإجهاضه.
700 موقع معظمه خارج تونس ينشر الأكاذيب والاتهامات ضد حركة النهضة
وحول مسار الانقلاب ومعسكره الذي بدأ يتهاوى والإجراءات التي وصفت بـ”الحمقاء” حيال القضاء وتغيير هيئة الانتخابات وتراجع كل المؤشرات والمطارق الداخلية والخارجية التي تنهال عليه وآفاق “جبهة الخلاص الوطني” التي تمثل النهضة عمودها الفقري، كان لـ”المجتمع” هذا الحوار مع زعيم حركة النهضة ورئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) راشد الغنوشي الذي أكد أن تونس في حالة مقاومة سلمية وليس معارضة لأن المعارضة تكون في الدول الديمقراطية.
وأشار الغنوشي إلى وجود جيوب لها ارتباطات بأجندات خارجية تريد تونس بدون حزب حركة النهضة، ولو أدى ذلك لأن تكون البلاد بدون ديمقراطية وتداول سلمي على السلطة، موضحاً أن هذه الجيوب تعمل ضمن جبهة دولية تزعم من جملة ما تزعم أن الحركة دفعت تعويضات لأبنائها من ميزانية الدولة، لافتاً إلى أن هناك 700 موقع معظمها خارج تونس (1.5% داخل تونس) وفي عدد من الدول العربية والآسيوية مجندة ضد حركة النهضة وحدها بنشر الأكاذيب والاتهامات ضد حركة النهضة.
وعلّق الغنوشي على مزاعم أن التونسيين يكرهون النهضة بالقول: إذا كان التونسيون يكرهون النهضة، فلماذا يخشون من الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة؟ ولماذا يغيرون طواقم المؤسسات لتكون رهن إشارتهم؟ ولماذا تعارض المؤسسات الدولية القضائية والمعنية بشفافية الانتخابات وبحقوق الإنسان الإجراءات التي يتم اتخاذها بحق مؤسسات الدولة التونسية منذ 25 يوليو 2021؟
تونس بدون حزب حركة النهضة يعني وقوع فوضى واحتراب أهلي
وأشار إلى أن بقاء النهضة رقماً صعباً في المعادلة التونسية رغم ما جرى ويجري من اتهامات وإفك وبهتان وبقاء جسم الحركة متحداً يعد معجزة، كما أنه يؤكد أن خداع خصوم وأعداء النهضة للناس لم يؤت ثماره المرجوة.
اتهامات إعلامية لا قضائية
وحول الاتهامات الموجهة للنهضة بأنها حكمت 10 سنوات بينما لم تكن في موقع القيادة سوى بين عامي 2012 و2013 بالاشتراك مع حزبين علمانيين آخرين هم التكتل والمؤتمر، قال الغنوشي: إن الآخرين أخذوا القيادة في عام 2014، وقلنا: إنه إذا بقيت الحرية فستعود النهضة إلى الحكم، وهو ما حدث في عام 2019، ولكن وجدنا أنفسنا أمام تحدٍّ وجودي، فهناك من يرفض التنافس عبر صناديق الاقتراع.
وأضاف: وعوض أن يقنعوا الشعب بخياراتهم يعملون على النيل من شعبية حركة النهضة، حيث لا يوجد حزب منظّم مثل حزب حركة النهضة، ولا توجد محافظة بل بلدة أو قرية لا يوجد فيها نهضويون ونهضويات.
وفي رده على سؤال: ماذا يعني تونس بدون حزب حركة النهضة؟ أجاب الغنوشي: تونس بدون حزب حركة النهضة يعني ذلك فوضى واحتراباً أهلياً، لقد انسحبنا من السلطة عام 2013 حفاظاً على السلم الأهلي، وكانوا يريدون هدم البيت فوق رؤوس الجميع.
التنظيم السري واللوبينغ جرائم وهمية ألصقت بالنهضة هدفها التشهير الإعلامي والنيل من شعبيتها
وبخصوص الاتهامات المتعلقة بالتنظيم السري، شدّد الغنوشي على أن رهانات سعيّد بالتحالف مع أقصى اليسار (الوطد) هي الاستئصال وتجريم النهضة عبر فرية التنظيم السري، واللوبينغ، وهي جرائم وهمية ألصقت بحركة النهضة هدفها التشهير الإعلامي والنيل من شعبية الحركة؛ لأن مكان هذه الاتهامات هي المحاكم وليس وسائل الإعلام والدعاية السوداء.
وشدّد الغنوشي على أهمية العلاقة مع الناس والحاضنة الشعبية ولا سيما أن الشعب ليس في حالة معارضة، وإنما في حالة مقاومة للانقلاب، فالمعارضة تكون في نظام ديمقراطي، وفي ظل الاستبداد لا توجد معارضة وإنما مقاومة سلمية.
وعن تقييمه لمستوى المقاومة السلمية في المجتمع التونسي للانقلاب، أوضح الغنوشي أن 10 سنوات بعد الثورة المباركة لم تذهب هدراً، ولم تذهب هباء منثوراً، وإنما خلفت مقاومة حقوقية وقضائية لم تكن موجودة.
لن يستطيع سعيد الاستمرار طويلاً في ظل الزخم الديمقراطي الذي تشهده البلاد
زخم ديمقراطي
وذكر الغنوشي أن سعيداً لا يواجه حركة النهضة وحدها، فهناك مجلس القضاء الأعلى، وجمعيات القضاة والمحامون وعمداء كليات الحقوق واتحاد الفلاحين الذي أحبط محاولة انقلابية داخلية والاتحاد العام التونسي للشغل يتمرد على الانقلاب الذي أيده سابقاً، وهيئة الانتخابات التي شكلها الانقلاب وعلّقت أعمالها، مؤكداً أنه في ظل هذا الزخم الديمقراطي لن يستطيع الاستمرار طويلاً.
وأشار الغنوشي إلى أن الانقلاب لا يهمه الوضع الاقتصادي المتردي، وهو بذلك يقود البلاد إلى الكوارث، وترجمة القرار (117) يعني أن أوامر الانقلاب فوق القانون وفوق الدستور وفوق الاتفاقات الدولية، وهذه الشهور العشرة التي مضت كانت عشرية دمار وخراب، والأسعار فيها زادت أكثر من السنوات العشر بعد الثورة.
ووصف الغنوشي ما يجري الآن في تونس بأنه يشبه الوضع آخر أيام بورقيبة، وآخر أيام بن علي، والانقلاب ليس له القدرة على فهم الواقع ولا يستمع لأحد وهو ما يدركه الجميع ومن يلتقي به يؤكد بأن الرجل لا يسمع.
النهضة وحلفاؤها ماضون في تقوية “جبهة الخلاص الوطني”
جبهة الخلاص الوطني
كما أكد الغنوشي أن “النهضة” وحلفاءها ماضون في تقوية “جبهة الخلاص الوطني” على عدة مسارات، هي مسار تكوين الجبهة ومسار البرلمان، وهو يستعد لعقد جلسة برلمانية جديدة، والمسار الدبلوماسي، وقال: لقد وضعنا أنفسنا في مشروع التغيير لإسقاط الانقلاب واستعادة الديمقراطية، وستتحول الاحتجاجات والمظاهرات من العاصمة إلى المحافظات والجهات، ونحن في مسار تصاعدي بينما الانقلاب يتراجع، والجبهة تستفيد من الحماقات التي يرتكبها الانقلاب، (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً) (الإسراء: 51).