شاء الله عز وجل أن يكون الموت نهاية كل حي، لكن من العظماء من يكون موتهم فتحاً وبركة وحياة في جوانب أخرى؛ لما خلفوه وراءهم من إنجازات كبيرة وأعمال جليلة يفتح الله بها أبواب الخير.
ومن هؤلاء العظماء الشيخ أحمد القطان، يرحمه الله تعالى، الذي فتحت وفاته آفاقاً رحبة للدعوة والتربية وللعمل الخيري بمختلف مسالكه؛ فكما كانت حياته ملهمة كان مماته أيضاً ملهماً؛ فصدق فيه قول الشاعر أبي الحسن الأنباري:
علو في الحياة وفي الممات لحقٌّ أنت إحدى المعجزات
فكما أن موت الدعاة والمصلحين والمربين ثلمة لا تسد في مجالاتهم، فإن موتهم على الحق يفتح باب الاقتداء بهم والسير على نهجهم، كما قيل: «من كان منكم مستناً فليستن بمن مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة».
ومن مظاهر هذا الاقتداء والاستنان انطلاق المشاريع الدعوية والخيرية التي تحيي أفكار هؤلاء العظماء، وتترجمها إلى واقع عملي يستفيد منه الخلق ويحيا به الناس.
وعقب وفاة الشيخ القطان، يرحمه الله تعالى، انطلقت العديد من الأفكار والمشاريع الدعوية والخيرية، رغم أن وفاته لم يمر عليها إلا بضعة أيام، في دلالة على مشاعر الحب الكبيرة التي كان يحظى بها الشيخ لدى الناس في أنحاء العالم.
ومن الأمثلة لهذه المشاريع مشروع مجلة «المجتمع» الذي أطلقته وفاء للشيخ وتقديراً لجهوده وآثاره، وتتلخص فكرة المشروع في تجميع تراث الشيخ الدعوي والعلمي والخيري سواء المسموع أم المرئي أم المكتوب منه.
وما إن أعلنت المجلة عن استقبال أي من هذه الآثار من أصدقاء الشيخ ومحبيه وتلامذته حتى فوجئنا بوصول مواد ضخمة وكبيرة بلغت الآلاف المؤلفة التي ما زالت تتوالى على المجلة حتى كتابة هذه السطور، في تظاهرة حافلة معبرة عن آثار عظيمة ومتنوعة تركها الشيخ، يرحمه الله، سائلين الله تعالى أن يكون أجرها في موازين حسناته.
ولا شك أن هذا التفاعل الواسع سيلقي على المجلة مسؤولية كبيرة في إصدار هذا الإرث؛ حيث ستقوم بتصنيفه وإعداده للنشر مكتوباً أو مسموعاً أو مرئياً، بما يتناسب مع وسائل النشر الحديثة في صورة مشرفة وملهمة لمن أراد أن يتأسى بالشيخ، يرحمه الله.
وإننا نصبو من خلال هذا العمل الكبير أن يكون الشيخ القطان بعد وفاته جامعة تتخرج فيها الأجيال كما كان في حياته، وكما كان د. عبدالرحمن السميط، رحمه الله تعالى، قدوة في العمل الخيري، فسيكون الشيخ القطان قدوة في العمل الدعوي والعلمي.
ولا تزال «المجتمع» تفتح أبوابها وقلبها لاستقبال المزيد من آثار الشيخ، لتزيد هذا المشروع العظيم والضخم ثراء ليعم نفعه ويفيض خيره ويمتد أثره.
نسأل الله تعالى للشيخ الرحمة والرضوان، وأن يعيننا على تقديم صورة لائقة بآثاره، وأن يجعلها نافعة وخالصة، وأن يتقبلها ربنا بقبول حسن.