لا شك هو عنوان مدبب بالفعل، ولعله يصنف عند البعض بأنه مدبب، وعنوان كما يقال: “شديد اللهجة”، ولكن حينما تتابع معي، أيها القارئ الكريم، ما أعنيه أو من أعنيه بهذا العنوان القاسي بعض الشيء، سترفع حينها اللوم عني، إن شاء الله تعالى، ولعلك تقول: كنت رقيقاً بعنوانك هذا مع هذه النوعية من أدعياء المعرفة والثقافة، أدعياء العلم والعلمانية ووجههم الآخر من العملة أدعياء السلفية المزيفة والسلفية منهم براء، وأدعياء العمق العلمي كما أسلفت من فلاسفة وباطنية أضحوكة في نفسها وعلى مريديها السفهاء، ولقلة معرفتهم وهزالة في عقولهم وسطحيتهم المعرفية اليوم يفصحون بجرأة غريبة في مناكفتهم للإسلام، واليوم تبدأ منهم مرحلة أخرى وتكثر جرأة وهي محاربتهم للقرآن الكريم علماً باسم العقل والعلم والثقافة! هذا الوجه الأول من العملة الذي يطالب اليوم أن القرآن ماذا نستفيد منه إذا حفظته الأجيال؟! أما الوجه الآخر من العملة، تجد أحدهم لا يميز بين الرواية المقبولة والمردودة أنى وجدها يظنها مرجعية، ويستند إليها حجة، وإن كانت هذه الرواية مقطوعة أو مرسلة، أو حتى وإن كانت من الموضوعات!
أقول لهؤلاء المتفقين من تحت الطاولة المتنافرين ظاهراً؛ الباطنيين العلمانيين أدعياء الثقافة والعلم والسلفيين المزيفين: اتفاقكم واضح وضوح الشمس، ولا يخفى على من يتابع مناهجكم في محاربة الكتاب والسُّنة والاعتدال من أهل الحق، وأقول لكم: تعلموا من أهل الاعتدال والحق.
كم صادفنا علماء، وحصفاء، وفصحاء ومفكرين، وأساتذة كباراً، نتحدث معهم، وهم ينصتون إلينا بكل اهتمام، والبعض منهم يسألك أسئلة استفساراً للموضوع الذي تتحدث فيه، وكأنه يجهل الأمر، وبعد فترة تكتشف أن هذا الأستاذ أو الفصيح أو الداعية لديه معلومات دقيقة في الموضوع الذي تتحدث فيه أكثر مما تتصور، بل وتفوق معلوماته عشرات المرات مما تعلمه في الموضوع الذي كنت تتحاور معه فيه وحوله، بل هو أستاذ متخصص في هذا الأمر، ولديه المؤلفات بذلك، إلا أنه آثر الإنصات والاستفسار، ليشعرك أنك تحمل معرفة جديدة بالنسبة له لا لشيء إلا لأنه تأدب بالأدب العلمي، والتواضع التربوي الرفيع، لينقل تربية علمية عملية راقية تقصّدها من أجل ترسيخها في الأجيال بشكل عملي مؤثر.
إن الإنصات والاهتمام بالمقابل أمر مهم لصناعة القناعة في تبادل المعرفة بقناعة بالنسبة للأجيال، مع احترام التبادل المعرفي، وإن كان فيه اختلاف، وبهذا التأني والإنصات يتم بل وتزداد فرصة النظر بعمق لوجهة نظر المقابل، ومن ثم ترجيح الأمور الأقرب إلى الصواب والحقيقة بدقة أكثر وبعلمية أوسع وأعرض ما دامت من المتحركات لا من الثوابت والأصول كحفظ القرآن ونشر الأخلاق الرفيعة.
أما سفاهة العقل والمعرفة، حينما تسمع المقابل وتشعر به أنه أقل معرفة وعلماً مما تتصور، إلا أنه يتظاهر بالتذاكي، وأنه يعلم الكثير، ولديه القدرة على إحراجك علمياً، ويدعي الثقافة والمعرفة حتى يتمادى وينسف أصل الأصول كالقرآن العظيم والمحافظة عليه حفظاً ومعرفة، وحينما تدقق في عباراته ومفرداته وأسلوبه، تجده دون المستوى، وما هو إلا طفل أعدّ للتلقي والتنفيذ من قبل الأسياد أو ولي أمره الذي يلعق آثار أقدامه بلا سؤال ولا بحث أو تحقيق!
تتصبر على قلة معرفته وهزالته، وهو يعتقد أنه أفحمك في معلوماته ومعرفته في الفكرة أو الفكر الذي يحمله، ودليل ذلك صمتك عنه، وما علم أن صمتك عنه ما هو إلا ترفعاً وخوفاً من الخوض فيما لا يليق، وما هو دون المستوى، وتسعى هذه النوعية الهزيلة على إحراجك كما تتصور ضمن قواعد تعتقدها وتظنها أو تظن أنها قدرات هي تملكها ولا سواها، أو تحمل ما لا تستطيع أن تحمله من معرفة وعلم، وبين كلمة وأخرى يضرب لك عبارات ليدلل على قوة حجته كقوله: “من فمك أدينك”، وقوله: “وشهد شاهد من أهلها”، أو يقول لك: “لقد غيَّرت موقفك”، ويكون تغيير الموقف اعتيادياً، وهو في أمر فيه نظر لا هو قطعي أو مفصلي، ويلقي الكلمات والعبارات الظاهر أمرها من الوهلة الأولى سطحية، لفهمه السطحي لغة، ونحواً، وفقهاً، وتاريخاً ورواية، قبولاً ورداً، وما علم هؤلاء السفهاء أن بعض الأمور تحتاج تكاملاً معرفياً وعلمياً لتغطية الزوايا العمياء في الموضوع المعني، حتى تتضح صورها ومعانيها متكاملة، وإن لم ينظر لها بتكامل يكون لها معنى في زاوية محدودة، وحينها تتعدد الزوايا العمياء التي يخترقها من له فكر وعلم، وأيضاً من هو أجهل من الجهل، وحينها تحمل معاني مبتورة، أو معلومة ذات وجوه، يستغلها السفهاء باعتقادهم أنهم حملوا المعلومة التي تفصل الأمور بالحوار والنقاش قطعاً، إما لجهل فيهم، أو لعدم وجود الأمانة العلمية والمعرفية لنقل المعرفة، وكل ما حاولت أن تشرح وجهة نظرك دون أن تحرجه بأنه جاهل وسطحي المعرفة، يقفز في وجهك وكأنه العالم الداعية الجهبذ الذي يقرأ ما لا تستطيع أن تطلع عليه، ويقول لك: اقرأ! تثقف! كلمات وعبارات لا تدل إلا على جهل وسطحية ثقافية دون المستوى، لأن الإنسان المثقف وصاحب المعرفة لا يطرح نقص المقابل بهذه الطريقة الساذجة والمدببة الاستفزازية إذا كان فيه نقص بالفعل، فما هذا إلا دليل جهل ودليل “مقلب” أخذه هذا السفيه السطحي في نفسه، وحينها تجده يتطاول على الأصول كالكتاب والسُّنة، وما علم هؤلاء السفهاء أن الله تحدى في كتابه قائلاً: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (يونس: 38)، وقال تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ {1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (الكوثر)، هي ثلاث آيات تحدى الله بها الإنس والجن إن استطاعوا لا أربع آيات يا عبقري زمانك الأعوج، وصدق تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).