بينما لا يزال العالم؛ دولاً ومجتمعاتٍ وأفرادًا، يواجه تبعات جائحة وباء “كوفيد- 19″، حتى حلَّت بنا الآثار الاقتصادية العميقة للحرب الروسية الأوكرانية، مع ارتفاع أسعار النفط والطاقة، وتراجع مستويات صادرات الحبوب ومواد غذائية أساسية أخرى، مما ساهم في تعميق الأزمات المعيشية التي تحياها غالبية الأُسَر في المجتمعات العربية.
وبالتالي؛ فقد أثَّر ذلك على الكثير من الأنشطة والأمور التي كانت تقوم بها الأسرة في الأوقات الخوالي، ومنها ما يتعلق بطقوس الإجازة الصيفية، التي كانت تتفاوت بحسب مستويات الدخول ومستويات المعيشة.
كانت هذه الأزمات سببًا مباشِرًا في إلغاء الكثير من الأُسَر لبعض بنود الإنفاق، والكثير منها –بطبيعة الحال– من الكماليات، والأمور المتعلقة بالترفيه.
وبكل تأكيد، وبما أن الأطفال أحد المكونات الأساسية في أي أسرة؛ فقد طالتهم تأثيرات هذه الأحوال، بصور عدة، منها إلغاء بعض الأنشطة المنزلية والاجتماعية التي كانت لها ميزانية مخصصة لها، مثل النُّزَه القريبة، واشتراكات الأندية والمراكز المتخصصة، وغير ذلك؛ توفيرًا للنفقات من جانب أولياء الأمور.
وقبل الحديث عن نقطة البدائل؛ فمن الضروري أن نشير إلى أن خبراء التربية وعلماء النفس والاجتماع، يجدون أنه من الخطأ اعتبار الأنشطة المخصصة للأطفال من الكماليات، التي يطالها التخفيض والتقليص عند حدوث أية ملمَّات في مستوى دخل عائل الأسرة؛ الأب أو الأم أو كليهما معًا.
فالإنفاق على الأطفال ليس إنفاقًا ترفيًّا، وإنما هو إنفاق استثماري بامتياز، ولكن عوائده لا تظهر إلا في المدى الزمني البعيد؛ عندما يكبُر الطفل المؤهل، ويصير شابًا أو شابة مؤهلَيْن لتحمُّل مسؤوليات الحياة.
كما أن الإنفاق على أنشطة الأطفال، وما يتعلق بتطوير مهاراتهم، يسهم في تقليص نفقات أخرى يتم ضخها بسبب ضعف قدراتهم أو عدم تنمية مواهبهم، مثل الإنفاق على التعليم في مدارس أعلى مستوى، أو الحصول على مجموعات تقوية أو دروس خصوصية، أو ما شابه.
كما أن زيادة وعي ومهارات الطفل من خلال الأنشطة المختلفة، يقود بكل تأكيد إلى ضمان عدم رسوبه في التعليم، وبالتالي إهدار ما يتم إنفاقه سنويًّا على هذا البند، ويحميه من الوقوع في أزمات ومشكلات تتطلب المزيد من الإنفاق الذي يكون حتميًّا في هذه الحالة، مثل التصرف بحماقةٍ في الطريق، فيتسبب ذلك في وقوع حوادث غير مرغوب فيها.
ويشبه ذلك الإنفاق على القطاع الصحي؛ حيث الإنفاق في مجال الصحة، ليس له عوائد اقتصادية استثمارية، أو عوائد اقتصادية مباشِرة للدول والحكومات، ولكن –بكل تأكيد– من المنظور غير المباشر؛ فإن تحسين الأحوال الصحية للمواطنين، يقود إلى تحسين الكثير من الأمور، أهمها الأنشطة الإنتاجية، التي تساهم بشكل مباشر في تحسين حالة الاقتصاد الوطني للدولة.
إلا أنه في النهاية؛ فإننا أمام واقع معيشي يفرض على الكثير من الأُسَر البحث عن بدائل للأنشطة المخصصة للأطفال، كسائر بنود الإنفاق الأخرى.
أفكار مهمة
وثمَّة أفكار مهمة من الممكن أن توازِنَ في هذا الصدد بين الاعتبارات الاقتصادية وبين متطلبات الحفاظ على توقُّد ذهن الطفل وحضور بديهته واستعداده البدني في المستوى المطلوب خلال الإجازة الصيفية.
بدايةً، يمكن تقسيم الأنشطة المختلفة التي يمكن للطفل القيام بها في الإجازة الصيفية إلى مجموعتَيْن أساسيتَيْن؛ الأولى: الأنشطة المنزلية، والثانية: أنشطة الهواء الطلق.
وفيما يخص الأنشطة المنزلية، تحظى مسألة تكوين مكتبة شخصية للطفل، أو لأطفال الأسرة، بأهمية استثنائية؛ حيث الكتب –ونقصد هنا بالأساس القصص وسائر المحتوى الملائم لسنِّ الأطفال والناشئة– من أهم الأوعية المتنوعة في محتواها، والقابلة للاستخدام أكثر من مرَّةٍ، وبالتالي فإنها تكون ذات نفعٍ في مسألة الحفاظ على اعتبارات ميزانية الأسرة.
كذلك هناك مكتبات من نوع آخر يمكن تكوينها بتكلفة بسيطة نسبيًّا، وهي مكتبة ألعاب تنمية المهارات والتركيب المختلفة، والمصنوعة من مواد مثل البلاستيك والخشب والمعادن، مثل “الليجو” و”المونتيسوري”.
فهذه النوعية من الألعاب تجمع بين كونها مفيدة والرّخص النسبي لها، وإمكانية الاستعمال أكثر من مرَّةٍ بدورها.
كذلك، يمكن البحث في مواهب الطفل، وشراء بعض الأدوات التي تساعده على تنميتها وتنمية ملكاته منها، مثل الرسم.
وهنا ينبغي تقسيم جدول الطفل اليومي بين مختلف هذه المناشِط، بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر.
الهواء الطلق
النوع الثاني من الأنشطة، وهو أنشطة الهواء الطلق، وهنا يمكن الاستغناء عن اشتراكات الأندية من خلال شكل من أشكال التعاون يمكن بناؤه بين جيران المربَّع السكني أو الشارع الواحد؛ حيث يقوم أولياء الأمور بالبحث عن مكان ملائم لكي يمارس الأطفال فيه أنشطة رياضية بسيطة، لكنها فعالة في تنمية مهاراتهم الجثمانية، مثل كرة القدم، أو ركوب الدراجات.
ويمكن تطوير هذه الفكرة، من خلال اشتراك أولياء الأمور في شراء بعض الأدوات التي تساعد الأطفال على قضاء وقت ممتع ومفيدٍ في آنٍ واحد، ووضعها في مكان متفق عليه، مثل قطعة أرض فضاءٍ في الجوار، يذهب إليه الأطفال للاستفادة منها.
وأهمية هذا النمط من الأنشطة أنه سوف يساعد الأطفال على تكوين شبكة علاقات نافعة، وكذلك تحسين مهارات التعلُّم والنشاط الجماعيَّيْن، والاختلاط بالحياة الخارجية تدريجيًّا من خلال بداية مع أقرانٍ من سِنِّهم.
وفكرة التعاون ما بين الأُسَر وأولياء الأمور مهمة ويمكن تعميمها حتى في الأنشطة المنزلية، فمن الممكن تنظيم سلسلة من الأنشطة الجماعية التي تصلح داخل البيوت، ويستضيفها منزل من منازل الأُسَرِ المشترِكَة فيه في كل مرَّة، مثل ورش الرسم، وورش القراءة، أو ورش ألعاب التركيب والذكاء.
ومن صور ذلك أيضًا تفعيل نمط قديم من العلاقات بين الأطفال ومرحلة الأولاد، وهي تبادل الكتب والألعاب، بحيث يقوم الطفل أو الولد أو الفتاة، بتبادل كتبه وألعابه مع آخرين لا يملكون نظيرًا لها، نظير أن يحصل هو منهم على ما لديهم منها، ولا يملكه.
وهذا الأسلوب، له أكثر من وجه فائدة، منها توفير النفقات على الأُسَر، وتعظيم الفائدة من اللعبة الواحدة/ الكتاب الواحد؛ فتتضاعف ضعفَيْن وثلاثة أضعاف بحسب عدد الأطفال والأُسَر المشترِكة في هذا النظام التعاون، من دون تكاليف إضافية، بجانب تعزيز النشاط التعاوني بين الأطفال، وتحسين مستوى العلاقات مع جماعات الأقران، والتي هي من أهم دوائر تشكيل شخصية الطفل وهويته.
وفي النهاية: تبقى هذه بعض الأفكار المفيدة القابلة للتطبيق، ولكن بكل تأكيد هناك أفكار أخرى يمكن لأولياء الأمور التفكير فيها وتنفيذها، من أجل تحسين قدرات أطفالهم في الإجازة الصيفية، بدلاً من تركهم نهبةً للفراغ أو للألعاب الإلكترونية غير المفيدة.
_________________
المصدر: “بصائر تربوية”.