تتزايد شكاوى الآباء والأمهات -من مختلف الأعمار- من أنانية الأبناء والبنات؛ ويغيب عن الكثيرين أن الأهل هم من يصنعون أنانية الأبناء -دون تعمد- فلا يولد أي طفل بالكون أنانيًا.
الأناني لا يرى سوى نفسه ورغباته ولا يفكر بالآخرين إلا لتلبية احتياجاته، لا يتحول الطفل البريء لأناني بين يوم وليلة؛ ويحدث بمرور السنوات وتصرفات الأهل تصنع أنانيته ونحذر منها ونقدم هذه النصائح الواقعية لحماية الأبناء من الأنانية التي قد تورثهم العقوق وخسائره الفادحة دينيًا ودنيويًا -لا قدر الله- ولو بعد حين.
يرونه حقًا
أول باب يفتح الأنانية ويغرسها في عقول الأبناء والبنات هو التدليل الزائد ويفعله الأهل لإسعاد الأبناء وأحيانا لتعويضهم عن الانشغال بالعمل أو لأنهم لم يجدوه من أسرهم؛ ومع الأسف يحصدون الأنانية فالابن يراه حقًا له، وإن ضاق الأهل به وقللوا التدليل الزائد تمرد واتهم أهله بالإهمال؛ وللأمانة فإنه يشعر بذلك لاعتياده على التدليل بلا حدود، ويجب التدرج والحزم في تقليل الاستجابة لرغباته.
وقد يتسبب إهمال الابن بأنانيته حيث يرى ممتلكاته أهم ما بحياته؛ فالاعتدال مطلوب دوماً.
يجب منع الضحك إذا رفض الصغير إعطاء إخوته أو أي شخص بعضاً من الحلوى إذا طلبها منه أو رفض مشاركة الآخرين في اللعب بألعابه أو وصفه بالذكي؛ فيتمادى الطفل ويصبح أنانيًا، لا نوصي بالعنف ولا بالإجبار؛ فتأتي نتائج عكسية تدفع الطفل للعناد أو للموافقة ظاهرياً ثم التراجع عند أول فرصة تأتيه في غياب رقابة الأهل، فالأفضل إخباره بهدوء وبدون توسل أنه سيسعد باللعب مع غيره ولديه طعام كثير فليعط ضيوفه ولا يكن بخيلًا؛ فهذه صفة سيئة وهو ليس سيئًا أبداً.
تشجيع واستغلال
لمنع الأنانية يجب إشعار الطفل منذ الصغر أنه ليس محورًا للكون؛ وهناك غيره من يستحقون الاهتمام؛ وتذكيره بالفقراء من وقت لآخر وتشجيعه على اختيار لعبة جيدة من ألعابه ليعطيها لطفل فقير.
إذا مرض الطفل -لا قدر الله- نوصي بالاعتدال في الاهتمام به واستغلال ذلك لجعله وهو يدعو لنفسه بأن يدعو لجميع المرضى بالشفاء ونخبره بلطف بعد تعاطفنا معه أن غيره يتألمون أكثر منه ولا يملكون ثمن الدواء ليتعاطف ويدعو لهم.
إذا مرض أحد أفراد الأسرة أو مر بظرف سيء -لا قدر الله- فليهتم الابن به -منذ صغره- ويسأله عما يمكن أن يفعله من أجله ولو كان تقديم كوباً من الماء؛ ليعتاد على الإحساس بألم غيره ومساعدته.
مشاركة وتعاطف
لننتبه؛ فالطفل البخيل في المال كثيراً ما يكون بخيلًا في مشاعره ويتعامل بأنانية مع الجميع؛ فيجب التنبه للفرق الكبير بين الحرص وعدم الإسراف والبخل وتشجيع الطفل على إحضار الهدايا للأهل ولأصحابه في المناسبات وعلى التصدق من وقت لآخر.
يؤدي الإسراف كثيراً للأنانية؛ فجوهر الإسراف إشباع كل الرغبات دون النظر للعواقب، وهو ما يفعله الأناني الذي يركز دوماً على ما يريده ويتعمد تجاهل رغبات غيره ولا يعبأ بهم وإن كانوا من أسرته.
نوصي بمشاركة الطفل –من الجنسين- ببعض أمور البيت ولو كان الاهتمام بتنظيف حجرته وترتيبها، وعدم الاعتياد على أن يقوم غيره بتحمل الفوضى التي يحدثها بحجرته؛ وسينجو من الأنانية ويطور شخصيته؛ فثبت علميًا أن الوقت الذي نخصصه للترتيب يهدئ العقول ويساعد على التخلص من التوتر وسينمي مهاراته لإجادته للتنظيم.
نود إخبار الابن منذ الصغر عند مرور الأسرة –لا قدر الله- بأي أزمة وأن يتعاطف مع المتضرر وألا يتنزه ويتركه وحده ويبقى معه بالمنزل للتخفيف عنه ويفعل ذلك مع الأقارب أيضاً والأجداد والجدات.
شكر وامتنان
يجب ألا يتعامل مع الوالدين والأقارب كوسيلة للحصول على ما يرغب به من اهتمام مادي ومعنوي دون الاهتمام بهم دائماً وليس بالأزمات فقط؛ فيعبر لهم عن حبه وعن امتنانه لوجودهم بحياته، وأن ذلك يعني له الكثير ويتواصل معهم ولو بالهاتف.
يجب غرس البر بالوالدين بعقل وقلب الابن منذ الصغر؛ فكما يهتمون به فيجب شكرهم وفعل كل ما يمكنه لإسعادهم لأنهم ليسوا موجودين بالحياة لإسعاده فقط؛ فلديهم اهتمامات وتفاصيل بحياتهم يجب أن يهتم بها ويسألهم عنها بود وبصدق؛ وأن يفعل ذلك مع إخوته بلا تطفل ولا وصاية حتى لا يعيش الأبناء كالجزر المنعزلة وإن تقاسموا نفس البيت.
من المهم متابعة أصحاب الأبناء؛ فكثيراً ما يحرضونهم على تحدي الأهل أو التعامل بأنانية؛ ولتجنب ذلك فلننبه على الابن ألا يحكي شيئًا عن علاقته بأسرته لأصحابه لمنع التحريض الذي كثيراً ما يكون بسبب الغيرة والحقد.
عند تقديم عطاء غير عادي ماديًا أو معنويًا للابن؛ يجب إخباره بلا منّ وبأقل الكلمات أننا نفعل ذلك له لشدة حبنا له وعليه تقدير ذلك؛ فغالبية الأنانيين لا يحسون بالتقدير الكافي لما يبذله الأهل لهم حتى لو كان ذلك على حساب تلبية الأهل لاحتياجاتهم الشخصية المادية أو الراحة الجسدية، ويجب ألا يبالغ الأهل في تجاهل احتياجاتهم فتتضاعف أنانية الأبناء، ونوصي بالاعتدال حتى لا يتعاملوا مع الأهل وكأنهم حافظة نقود دون الالتفات لتقدير العطاء بمختلف أنواعه.
تنبيه وعقاب
عندما يعرض الطفل المساعدة على الأم أو الأب ويرفضان لأنه صغير يجعله لا يكرر العرض؛ والصواب تشجيعه على فعل ما يناسب سنه سواء أكانت الأم مريضة أم لا حتى لا يرى المساعدة عبئًا يتنصل منه ولو بعد حين.
يجب التفرقة بين اهتمام الطفل بممتلكاته والأنانية، والفرق بين العطاء والكرم والسماح للآخرين باستباحة ممتلكاته وعقابه عندما يتعمد تكرار التصرف بأنانية رغم إفهامه وتذكيره عدة مرات، فالعقاب ضرورة عندما لا يلتزم بالاتفاق بنبذ الأنانية، ونوضح له خسائره من الأنانية ومكاسبه عندما ينتصر عليها وثقتنا باختياره للمكاسب وإخباره بخسائره من الأنانية، فسيفقد حب واهتمام من يحبون الخير له، وسيتعامل معه الآخرين وفقاً لمصالحهم فقط، وسيعاني الوحدة ولو بعد حين، كما أن مساعدة الناس تكسبه رضا الله تعالى، فالحديث الشريف: “والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”، وستكسبه خبرات حياتية رائعة لن يقترب منها بأنانيته.
تحتاج مساعدة الابن على التخلص من الأنانية لصبر ومثابرة ومنعه من التحايل للتهرب من مراعاة احتياجات غيره وإيقاف استفزازه للأهل بحزم وبلا صراخ؛ فالصراخ يفقد الأهل الهيبة ويدفع الابن للعناد وللتمادي.