بدأت، اليوم، محاكمة المحامي عبد الرؤوف أرسلان بعد نحو سنة من الحبس الاحتياطي، وسط دعوات لإطلاق سراحه وباقي زملائه المعتقلين. وأطلق نشطاء بموازاة ذلك، نداءات لإطلاق سراح المعتقلين في قضايا رأي الذين تقدرهم أوساط حقوقية بنحو 300 شخص، بمناسبة حلول ذكرى ستينية الاستقلال.
توافد العشرات من المحامين أمس إلى مدينة تبسة في أقصى شرقي البلاد للمرافعة في حق زميلهم عبد الرؤوف أرسلان المتابع بتهم جنائية تتعلق بالانضمام إلى حركة رشاد التي تصنفها السلطات الجزائرية على لائحة الإرهاب بالإضافة إلى تهمة نشر أخبار كاذبة بسبب منشوراته على فيسبوك. ونالت قضية هذا المحامي تعاطفا واسعا في صفوف زملائه، خاصة أنه اعتقل وهو بصدد الدفاع عن ثلاثة نشطاء سياسيين معروفين بمشاركتهم في مسيرات الحراك الشعبي، مما ولد حالة من الغضب لدى المحامين وتوترا بينهم وبين النيابة.
ونقل المحامون عن زميلهم عبد الرؤوف ارسلان خلال محاكمته قوله إنه لم يكن أبدا عضوا في حركة “رشاد”، بل طالب بحلها في وقت سابق حفاظا على وحدة الحراك الشعبي وانسجامه. واعتبر أرسلان أنه ضحية مافيا محلية في ولاية تبسة سربت وشاية كاذبة عنه، بسبب تمسكه بالدفاع عن سجناء الرأي. وأبرز المحامي المسجون، أنه أمضى وقتا صعبا في السجن لكن بقي متماسكا ولم ينهار، رغم اعتقاده بأنه مظلوم، حفاظا على شرف الجبة السوداء التي يحملها على أكتافه، على حد قوله.
وقبيل بدء محاكمة أرسلان، قالت منظمة العفو الدولية في بيان لها إنه يتعين على السلطات الجزائرية الإفراج الفوري عن ثلاثة محامين تم اعتقالهم ومحاكمتهم بسبب دفاعهم عن موكليهم وممارستهم حقهم في حرية التعبير وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم.
وذكرت آمنة القلالي، نائبة مديرة مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، في تصريح لها، أن هذا الاعتقال غير المشروع الذي قامت به السلطات لهؤلاء المحامين ومحاكمتهم يبعث برسالة قاتمة مفادها أنَّ الدفاع عن السجناء السياسيين غير مقبول في الجزائر. وأضافت أن “الجزائر ملزمة بحماية حق الناس في محاكمة عادلة، وهو أمر لا يمكن القيام به بدون تمثيل قانوني مناسب. يجب السماح للمحامين بممارسة مهنتهم والتعبير عن أنفسهم من دون خوف من الاعتقال والترهيب”.
ويوجد في سجن الشلف غربي البلاد أيضا المحاميين عبد القادر شهر وياسين خليفي، اللذين اعتقلا رفقة موكلهما الناشط السياسي رشيد نكاز، على خلفية تنظيمهما وقفة للمطالبة بالكشف ظروف وفاة معتقل الرأي حكيم دبازي.
وبحسب منظمة العفو الدولية، اعتقلت قوات الأمن المحامي عبد القادر شهرة في 14 ماي/أيار 2022 أثناء مشاركته في تجمع سلمي خارج سجن القليعة في ولاية تيبازة احتجاجًا على وفاة الناشط حكيم دبازي، الذي توفي أثناء احتجازه في الحبس المؤقت. كما استدعت الشرطة الجزائرية المحامي ياسين خليفي في 31 ماي/أيار 2022.
ونقل بيان أمنيستي عن أحد محامي خليفي الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفًا من الانتقام على حد قوله، إنه حضر الاستجواب في الشرطة الذي دار حول مقطع فيديو نشره خليفي ويتحدث فيه عن وفاة حكيم دبازي المشبوهة. كما انتقد خليفي في الفيديو وزير العدل لعدم كفاية الاتصالات حول وفاة حكيم دبازي، وأشار إلى وفاة نزيلَيْن آخرَيْن في ظروف مريبة في سجن الشلف خلال الأسبوعَيْن السابقَيْن للحادثة.
ويتابع كل من شهرة وخليفي بتهمتي “نشر أخبار كاذبة” و”التحريض على التجمهر غير المسلح” بالإضافة الى تهمة المساس بالوحدة الوطنية لخليفي.
وتظل قضية معتقلي الرأي أولوية في الأوساط الحقوقية والسياسية المعارضة. وقالت زبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، إن أياما قليلة فقط تفصلنا عن الذكرى الستين للاستقلال (5 يوليو/جويلية)، بينما 300 معتقل دائما في السجون في في قضايا رأي، من بينهم 3 محامين وصحفيون ومرشح سابق للرئاسيات في إشارة إلى علي غديري العسكري السابق والمرشح لرئاسيات أبريل/نيسان 2019 التي أجهضها الحراك الشعبي.
وفي غضون ذلك، أطلق نشطاء عريضة للإفراج عن سجناء الرأي والتضامن مع الصحافي إحسان القاضي الذي أدين مؤخرا بالسجن النافذ في قضية تتعلق بمقال حول حركة رشاد. ودعا الموقعون على العريضة للإفراج عن كل سجناء الرأي ووقف المتابعات القضائية بحقهم وفتح الإعلام أمام الأصوات المعارضة وتكريس الحرية في التجمع والتنظيم.
ويتم حاليا تداول أخبار في الأوساط السياسية تشير إلى إمكانية الإفراج عن معتقلي الرأي بمناسبة الذكرى الستين للاستقلال والتي تحضر السلطات لاحتفالات واسعة تخلدها. وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد أطلق مبادرة سياسية بعنوان “لم الشمل”، ينتظر الكشف عن مضمونها مع انتهاء الشهر الحالي. وواصل تبون استقباله لرؤساء الأحزاب السياسية فيما يبدو أنه تحضير للإعلان رسميا عن لقاء بينه وبين الأحزاب والمنظمات الفاعلة، وفق ما سبق له التصريح بذلك.