موظف عمومي صاعد، تمت إقالته عقب قضية فساد كبرى بوزارة الصحة المصرية، بات حفل زفافه حديث المصريين في الأيام الأخيرة نظراً للبذخ الشديد فيه، واستفز نواباً تحب قبة البرلمان لتقديم أسئلة برلمانية حول مظاهر البذخ المتكررة بمصر في وقت تتصاعد فيه نصائح متتالية من الإعلاميين للمصريين بالتقشف.
ولم يصدر تعليق رسمي حتى الآن من المتحدث السابق لوزارة الصحة خالد مجاهد، صاحب حفل الزفاف، أو جهات الرقابة في مصر، حول مصدر الأموال التي ظهرت في هذا الحفل، بحسب طلبات النواب، التي قدرتها إحصائيات غير رسمية بـ10 ملايين جنيه.
“المجتمع” تحدث مع خبراء عن ذلك التناقض اللافت بين دعوات التقشف وإجراءات البذخ في المشهد المصري الحالي، الذين بدورهم حذروا من تبعات ذلك التناقض إذا لم يتم تطبيق الشفافية فيه، واتخاذ إجراءات أكثر حزماً فيما يخص كشوف الذمة المالية، حتى لا يتم استفزاز المصريين بصورة لا يحمد عقباها.
الصاوي: ظاهرة خطيرة ولا بد من كشوف الذمة المالية
ظاهرة خطيرة
يرى الخبير الاقتصادي د. عبدالحافظ الصاوي، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن الظاهرة متجذرة في الحالة السياسية المصرية، وتصاعدت بشكل لافت قبيل ثورة 25 يناير، حيث رصد المصريون التفاوت الرهيب في رواتب موظفين عموميين وحياتهم المرفهة والبذخ الكثير، ومنهم مسؤول كبير شغل 36 وظيفة تنفيذية في عهد مبارك، وكان يحصل على 400 ألف جنيه في الشهر من الخزانة العامة، ومنهم أبناء مسؤولين تنفيذين كانوا أصحاب حياة بذخ في المنتجعات السياحية في الساحل الشمالي.
ويشير الصاوي إلى أن تلك الظاهرة لها أبعاد اقتصادية واجتماعية، حيث تظهر اقتصادياً كجزء من قضايا الفساد في مصر الذي يمثل حجماً لا بأس به، خاصة من المتعاملين مع المنظومة الحكومية خاصة في البنوك والموانئ والاستيراد والتصدير والجمارك والخدمات الصحية من أجل تمرير صفقات لا تتوافق مع المواصفات.
ويضيف: من هنا، وجدنا بعض العاملين في المحليات والوزارات يحصلون على رشى بملايين الجنيهات، من بينهم، على سبيل المثال، سعاد الخولي، نائبة محافظ الإسكندرية (شمال العاصمة) التي تقضي عقوبة السجن الآن على خلفية قضية فساد كبرى، وهي الأمور التي تساهم في إهدار المال العام وهز الثقة في جدوى العمل النظيف لدى البعض بدعوى عدم جلبه أموالاً مماثلة للفساد، وهو ما يزيد من الجرائم والبطالة أو الهجرة خارج البلاد.
ويوضح الصاوي أن تلك الظاهرة تكشف عن غياب الرقابة عن الحد الأدنى للدخول والأجور، فهناك تفاوت كبير ظاهر للعيان، وقلق من كيفية إقامة أفراح يصرف عليها الملايين من موظفين عموميين في بداية حياتهم، التي صدق فيها مقولة الإمام علي رضي الله عنه: “لا يوجد جائع إلا بتخمة غني”، وهو ما يتطلب إعلاء الشفافية لدخول العاملين في المصالح الحكومية وتقديم كشوف الذمة المالية لكل المسؤولين، مع ضرورة استمرار الرقابة الضرائبية بإجراءات تقوض تضخم الثروات لدى البعض في الوقت الذي يعاني فيه 30% من المصريين من الفقر، بينما يلاحق 30% آخرين شبحُ الفقر.
أبو العزم: العدالة الاجتماعية والإنصاف هما سبيل الاستقرار
غياب العدالة والإنصاف
من جانبه، يرى المدافع عن حقوق الإنسان محمد أبو العزم، في تصريحات لـ”المجتمع”، أن هناك حالة من الشعور المتزايد بالظلم والمعاملة غير العادلة وعدم المساواة والتمييز والإقصاء لدى الفئات الضعيفة اقتصادياً في المجتمع المصري، في ظل الترويج الموسع للإصلاحات المبسطة غير الفاعلة والمؤثرة في حياة المواطن اليومية.
ويشير أبو العزم إلى أن هناك فجوة كبيرة ومتزايدة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وتنامي عدم الثقة لدى المواطنين في أن الحكومة تعمل لصالحهم بما يفاقم أزمة الثقة القائمة بين الحكومة والمواطن، ويغذيها فقدان الحقيقة والشفافية والحوار؛ وهو ما قد يؤدي إلى انعكاسات غير متناسبة بالنسبة للفئات الأكثر حرماناً، وزيادة مخاطر عدم الاستقرار والاضطرابات الاجتماعية في مصر.
ويوضح الحقوقي أبو العزم أن حالة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة التي تتسم بها مصر تستوجب القيام على وجه السرعة بوضع عقد اجتماعي جديد تترسخ في صميمه حقوق الإنسان، من أجل إعادة التوازن الاقتصادي بين طبقات المجتمع.
ويؤكد أهمية معالجة أوجه القصور الهيكلية في نظام الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم لضمان توفير مستوى معيشي لائق للجميع، وضمان أن يكون الاقتصاد والمجتمع المصري أكثر قدرة على التكيف مع أزمات الواقع والمستقبل، بجانب تعزيز رؤى الاقتصاد القائم على حقوق الإنسان، كي تصب نتائجه في رفاهية الجميع على حد سواء.
ويوضح ألو العزم أنه على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية الراهنة في مصر قد أبرزت تفاوتات صارخة بين مختلف طبقات المجتمع في تمتعهم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، فإنها تمثل أيضاً فرصة للتغيير والتحسين من أجل التعافي، في إطار نهج أشمل في إعادة البناء يعتمد سبل مبتكرة وشاملة وقائمة على العدالة الاجتماعية والإنصاف.
تحرك برلماني لفتح ملف البذخ وتحريك الرقابة على الموظفين
تحرك برلماني
برلمانياً، تقدم محمد سعد الصمودي، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجَّه إلى رئيس الوزراء، بشأن بذخ حفل زفاف المتحدث الرسمي السابق باسم وزارة الصحة خالد مجاهد الذي تجاوز نحو 10 ملايين جنيه، وفق طلب الإحاطة.
وأوضح الصمودي، في طلب الإحاطة، أن الحفل كان أسطورياً ومليئاً بالبذخ، رغم أن صاحب الحفل موظف حكومي في الدولة، سبق أن شغل منصب المتحدث باسم وزارة الصحة، الذي تمت إقالته على خلفية اتهامات فساد مالي لاحقت مسؤولين في وزارة الصحة، تخرج في كلية طب عين شمس عام 2009، وبدأ حياته العملية في إدارة القصاصين الصحية بالإسماعيلية، شأنه كشأن أي طبيب مصري حديث التخرج، قبل أن تصدر د. هالة زايد قرارًا بتعيينه مساعداً لها لشؤون الإعلام.
وأضاف الصمودي أن تكاليف هذا الزفاف التي تخطت 10 ملايين جنيه لا تتناسب مع مصادر دخل صاحبه، الذي يعد موظفاً سابقاً في وزارة الصحة؛ وهو ما أثار استفزاز العامة في مصر في ظل حالة الغلاء غير المسبوقة والظروف الاقتصادية والمعيشية الطاحنة، مؤكداً أهمية الوقوف على مصادر دخل ذلك الموظف الحكومي وتتبع ذمته المالية، كإجراء رقابي للحفاظ على المال العام.