رغم الهبة الإسلامية ضد إساءة الوثنيين الهندوس للإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومبادرة الكويت الفريدة من نوعها بمقاطعة سلع الهند وإزالتها من عدة متاجر، فإن العداء الهندوسي للمسلمين استمر بصورة متزايدة؛ ما دعا صحفاً غربية للتساؤل: لماذا لا يستخدم المسلمون، خاصة الخليجيين، ما لديهم من قوة ضغط اقتصادية هائلة ضد الهندوس المعتدين، واستخدام “عصا الاقتصاد” لتأديبهم وحماية مسلمي الهند؟
في توقيت واحد، نشرت صحف ومجلات “إيكونوميست” و”تايم” و”وول ستريت جورنال” تقارير عن حجم القوة التي تملكه دول الخليج لتأديب حكومة نيودلهي المتطرفة بعد إساءتها لنبي الإسلام، وكإحدى وسائل الضغط القوية التي يمتلكها المسلمون لمواجهة “الإسلاموفوبيا” الهندية.
وقالت “إيكونوميست”: إن هذه القوة الاقتصادية الإسلامية للخليج التي تتمثل في حجم تجارة يبلغ 90 مليار دولار، وإيواء 9 ملايين عامل هندي، تجعل حزب بهارتيا جاناتا الهندوسي المتطرف يحترم دول الخليج وعدم تجاهل غضبها عكس ما فعله حين تجاهل انتقادات أمريكا له.
وأضافت: يمكنه أن يتجاهل أمريكا لو انتقدته، لكن لا يمكنه تجاهل دول الخليج؛ لذا تحرك الحزب الهندوسي بسرعة لاسترضائهم لأسباب اقتصادية، ولكنه استرضاء مؤقت، كما تقول “وول ستريت جورنال”، أملاً في نسيان المسلمين الإساءة ومن ثم معاودة الإساءات واضطهاد مسلمي الهند في الداخل.
“الإيكونوميست” أكدت، في تقرير سابق لها، أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حاول استرضاء دول الخليج ونزع فتيل غضب المسلمين بإبعاد بعض المتطرفين من عضوية حزبه بعد إساءتهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكن أنصاره واصلوا التحريض وقمعت شرطته المسلمين بعنف.
تقارير أجنبية: التحرك الهندي لاسترضاء الخليج مؤقت وغرضه الالتفاف حول موجة الغضب الشعبي الإسلامي
وأوضحت الصحيفة أن الندم الهندي غير العادي يعكس أهمية العلاقة المالية للبلاد مع دول الخليج وغالبية سكانها من المسلمين.
ونقلت عن هابيمون جاكوب من جامعة جواهر لال نهرو بدلهي قوله: من الممكن تجاهل أمريكا وحلفائها؛ لأن اعتراضاتهم عادة لا تتعدى الكلام، لكن عندما يتعلق الأمر بدول الخليج فنحن بحاجة إليهم أكثر مما هم بحاجة لنا، وأن حملة الغضب بين المسلمين تحت شعار “إلا رسول الله يا مودي”، وبدء حملات مقاطعة لسلع الهند وطرد عمال هندوس دفعت الهند لتراجع جزئي.
ومع هذا، أكدت تقارير أجنبية أن التحرك الهندي لاسترضاء الخليج مؤقت، وغرضه الالتفاف حول موجة الغضب الشعبي الإسلامي.
قوة الخليج
عقب أزمة الإساءة للنبي محمد وحملات الغضب والمقاطعة الإسلامية، رصدت صحف بعضها هندية وتقارير لمراكز أبحاث خسائر الهند لو استمر هذا الغضب وتبنته حكومات الخليج كلها لا الكويت وقطر فقط، كما ظهر في ردود الفعل.
أكدوا أن السعودية بثقلها الاقتصادي والإمارات بعلاقتها الوثيقة مع الهند يمكنهما، مع بقية دول الخليج، الضغط على نيودلهي لوقف حملة اضطهاد مسلمي الهند، عبر توجيه رسالة حازمة بأن مصالحها الاقتصادية قد تتضرر إذا استمرت هذه السياسة.
وشرح الكاتب الأمريكي المولود في الهند ساداناند دوم ضمناً أسباب تراجع المسؤولين الهندوس أمام الخليج في مقاله بعنوان “القومية الهندوسية تهدد صعود الهند كأمة”، بصحيفة “وول ستريت جورنال”، مؤكداً أن نحو ثلثي مواطني الهند في الخارج (8.9 ملايين من 13.6 مليون شخص) يعيشون في دول مجلس التعاون الخليجي الست.
ووفقاً لمعهد سياسة الهجرة، وهو مركز أبحاث في واشنطن، فقد استأثرت دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة بأكثر من نصف تحويلات الهنود في الخارج البالغة 87 مليار دولار تقريباً، وفق “دوم”.
ويبلغ حجم التجارة الثنائية للهند مع دول مجلس التعاون الخليجي 154 مليار دولار، وبلغ العجز التجاري الهندي مع هذه الدول نحو 67 مليار دولار، نتيجة اعتماد الهند على واردات النفط من الخليج، حسب موقع “إنديا توداي”.
وبلغ حجم التجارة الهندية مع دول مجلس التعاون الخليجي فقط نحو 90 مليار دولار في الفترة ما بين عامَي 2020 و2021، بحسب وكالة “رويترز”.
ويبلغ عدد الهنود المقيمين في الدول الخليجية قرابة 9 ملايين شخص، يُعتبرون مصدراً لـ55% من تحويلات المغتربين المالية السنوية إلى الهند، وذلك وفقاً لتقرير نشره مركز كارنيجي الأمريكي، في 28 أغسطس 2019.
وهو ما يعني أن المقاطعة وتوقف هذا التبادل التجاري سيؤثر على الحكومة الهندوسية ويدفعها لاحترام المسلمين بعصا الاقتصاد التي توجعهم.
كاتب أمريكي: التطرف الهندوسي سيؤثر على صعود الهند كأمة وعلى علاقاتها بالعالم الإسلامي
استمرار اضطهاد المسلمين
وقد كشفت مجلة “تايم” الأمريكية، في تقرير بعنوان “غضب العالم الإسلامي ضد الهند لن يحمي مسلمي البلاد”، أن استفادة مسلمي الهند من هذه الغضبة الإسلامية العالمية مؤقتة في أحسن الأحوال.
وقال الناشط في مجال الحقوق المدنية هارش ماندر: إن مسلمي الهند، وعددهم 200 مليون نسمة، يأملون أن يدفع الغضب حكومة نيودلهي إلى معاملتهم بمزيد من الاحترام، وفق مجلة “إيكونوميست”.
لكنه توقع أن يخيب أمل المسلمين في الهند، لأن تراجع الحزب الهندوسي مؤقت لحفظ ماء الوجه في الخارج ولن يؤثر على الداخل، حيث يعاني المسلمون من تحريض وعنف مستمر ضدهم، حسبما يقول.
وبينت “تايم” أن 15 دولة عربية وإسلامية احتجت لدى الهند على الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، وانتشرت دعوات لمقاطعة البضائع الهندية، كما احتج الأزهر في مصر، والشيخ أحمد الخليلي، مفتي عُمان، على حزب بهاراتيا جاناتا الذي استمر في هدفه المتمثل في إعادة تشكيل الدولة لتصبح هندوسية، واضطهاد المسلمين وشيطنتهم.
ومع هذا، اعتبر الكاتب الأمريكي المولود في الهند ساداناند دوم أن التطرف الهندوسي الذي نتجت عنه التصريحات المسيئة للنبي محمد لا يخدم الهند كأمة تربطها علاقات تجارية واقتصادية مهمة بدول الخليج والعالم الإسلامي ككل.
وأكد، في مقال بصحيفة “وول ستريت جورنال”، أن التطرف الهندوسي المعادي للإسلام والمسلمين سيؤثر على صعود الهند كأمة، وعلى علاقاتها بالعالم الإسلامي، وبخاصة في منطقة الخليج العربي.
واعتبر أن النزعة القومية الهندوسية الحادة المتزايدة لحزب بهاراتيا جاناتا أشعلت العداء الديني داخل البلاد، والآن تعقدت العلاقات خارج الحدود الهندية أيضاً.